زيارة بلوتو القريبة: أولى اللقاءات مع عوالمٍ جديدة

بعد رحلة أسطورية عبر النظام الشمسي الواسع، بدأت مركبة نيو هورايزنز أخيراً بالاقتراب من وجهتها، وهي نظام بلوتو الذي يبعد 3 مليار ميل عن الأرض. في ديسمبر/كانون الأول وبعد رحلة دامت 9 سنين، خرجت المركبة من وضع السبات للمرة الأخيرة حتى تُحضّر للقائها مع الكوكب القزم في 12 يوليو/تموز.

 

عندما سُئِل عالم الكواكب في جامعة واشنطن، الدكتور ويليام ماكينون William McKinnon فيما إذا كان متحمساً قال: "كيف بإمكاني أن أجيب عن هذا السؤال؟ كنا نحاول القيام بذلك لمدة 25 سنة، والآن كل شيء حدث فجأة. الأمر يبدو غير واقعي بعض الشيء، هل هذا يحدث حقاً؟" الدكتور وليام هو باحث مشارك في الفريق العلمي لمهمة نيو هورايزنز.

 

حصل آخر "لقاء أول" مماثل مع كوكب في عام 1989، وذلك عندما ألقى مسبار فوياجر 2 نظرة على نبتون في طريقه خارج النظام الشمسي، ونصف السكان في الولايات المتحدة أصغر من أن يتذكروا ذلك التحليق القريب.

 

يقول ماكينون: "يتذكر كبار السن أمثالي تلك اللقاءات الأولى ومدى روعتها، أتذكر عندما كنت طفلا ونظرت إلى الجريدة على أرض غرفة المعيشة في منزل والدي، وعليها كانت الصورة الأولى للمريخ أُرسلت من مارينر 4، كانت الصورة مشوشة وأظهرت فوهات." وأضاف بقليل من الفكاهة: "كان من المخيب للآمال قليلاً أنه لا أحد يلوح".

 

وقال: "لكن كل اللقاءات الأولى مع الكواكب العملاقة وأقمارها كانت مدهشة حقاَ. الغرابة المطلقة لهذه الأماكن، والتي تحولت إلى عوالم حقيقية بعد أن أصبح من الممكن رؤيتها كان أمراً مدهشاً بالنسبة لي، لذلك فإن هذا اللقاء الأول سيكون ممتعاً."

لكن لقاء أول مع ماذا؟

 

عندما أقلعت نيوهورايزنز، كان بلوتو يُصنف ككوكب، وكان شارون القمر الوحيد المعروف لبلوتو. في عام 2006 أعيد تصنيف بلوتو ككوكب قزم (dwarf planet)، ووجد تلسكوب هابل منذ ذلك الوقت أربعة أقمار أخرى تدور حول بلوتو: نيكس، هايدرا، كيربيروس، ستايكس.

 

ماذا حصل؟

يقول ماكينون:" في ثمانينات القرن الماضي، قدّم الجيش كواشف اقتران الشحنات وحساسة للضوء (CCDs)، وبإمكان هذه الكواشف أن ترى أجسام أكثر خفوتاً من لوحات الصور الفوتوغرافية المظهرة كيميائياً". في عام 1992 وباستخدام CCD مثبت على تلسكوب، اكتشف علماء الفلك ديفيد جويت David Jewitt وجاين لو Jane Luu، أول أجسام حزام كايبر. وبعد ستة أشهر وجدوا جسماً آخر، ووفقاً لماكينون: "عندها جرى الجميع نحو التلسكوب".
 

يوجد اليوم أكثر من 2000 جسم مفهرس في حزام كايبر، وعدة منها مؤهل لأن يكون كوكب قزم. يقول ماكينون: "يكفي أنه بامكاننا أن نرى تركيبة الحزام، وأفضل طريقة –ربما الوحيدة– لتفيسر هذه التركيبة هي مراجعة أفكارنا حول كيفية تكون الكواكب واستقرارها في مدارتها."

 

ويضيف ماكينون: "لقد درسنا جميعنا -أو افترضنا لتسهيل الأمور- أن الكواكب العملاقة تكونت في أماكن أبعد أو أقرب من مكانها الحالي ثم استقرت بعد ذلك في أماكنها لبقية الوقت، لكن لم يكون باستطاعة الأشخاص الذين صنعوا نماذج تكوّن الكواكب العملاقة، أن يثبتوها في أماكنها، لأنه يوجد الكثير من تبادل الطاقة وكمية الحركة بينها وبين الأجسام الأصغر."

 

في عام 2005، اقترحت مجموعة دولية من علماء الفلك العاملون في نيس-فرنسا، أن الكواكب العملاقة تكونت في الأصل بمكان أقرب بكثير إلى المشتري، وهو العملاق الغازي الأقرب إلى الشمس، لكن هذه الكواكب انتقلت نحو الخارج، حتى وصلت في النهاية إلى بقعة جيدة من الجاذبية المتبادلة والتي أرسلت نبتون إلى حزام الكويكبات (وهي أجزاء وقطع من الكواكب) الملتفة حول النظام الشمسي.

 

وضع نبتون الحزام في حالة فوضى، فقد حبس بعض الأجسام في حالة رنين مداري مع بعضها البعض، وبمساعدة الكواكب العملاقة الأخرى، ألقى معظم هذه الأجسام خارج النظام الشمسي، أو جعلها تصطدم معا أو مع أحد الكواكب، من ضمنها الأرض. وعندما استقر الغبار، شكلت الأجسام ذات الرنين المداري الحدود الداخلية و الخارجية لحزام ذو مدارات مستقرة.

 

يقول ماكينون: "اليوم، عندما تُصنع نماذج محوسبة مفصلة لعملية تكون النظام الشمسي، تحصل على شيء يبدو فعليا كحزام كايبر"، ولذلك تم تنقيح فهمنا لبلوتو، في الوقت الذي كانت تسرع فيه مركبة نيو هورايزنز نحو لقاءاتها. 

 

صار الجسم الذي صنف بالكوكب التاسع في القرن العشرين في القرن الواحد والعشرين أول جسم في التصنيف الثالث والجديد للكواكب، وغيّر بذلك فهمنا لكيفية تشكل النظام الشمسي. أفعال كبيرة لكوكب صغير.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات