عالم فيزياء فلكية يُناقش نتائج التحليق فوق بلوتو


تُظهر هذه الصورة المُوضحة لبلوتو عدداً من التضاريس على سطحه، إلى جانب كُرة توضيحية على يمين الكوكب وُضعت هناك كمَرجع. وتُبين هذه الكُرة اتجاه بلوتو مع خط الاستواء وخط العرض المركزي المرسومين بخطوط بيضاء عريضة.


حقوق الصورة: ناسا


وصلت مركبة نيو هورايزنز (New Horizons) التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا، لأقرب نقطةٍ لها من بلوتو يوم الثلاثاء، إذ مرت بالكوكب القزم على مسافة 7800 ميل ما وراء كوكب نبتون، والتقطت العديد من الصور كما جمعت البيانات حوله.


هذا وقد تابع علماء الفيزياء الفلكية حول العالم هذه المهمة التي تمكنت من الوصول لأبعد نقطة في المجموعة الشمسية مقارنةً بالمهمات الأخرى، وهم يتطلعون لمعرفة المعلومات التي ستكشف عنها المركبة، والتي تتعلق بكيفية تشكّل مجموعتنا الشمسية، وكوكب بلوتو، وحزام كايبر (Kuiper Belt). ومن بين المواضيع التي تُهم العلماءَ، قضيةُ العلاقة الثنائية بين بلوتو وأكبر أقماره، شارون (Charon).

منذ إطلاقها عام 2006، قطعت مركبة نيو هورايزنز (New Horizons) مسافة 3 مليارات ميل لكي تلتقيَ بِبْلوتو، وقد تمكنت بالفعل من تزويدنا بقياسات دقيقة لقطر الكوكب، ما أكد لنا أن بلوتو هو أكبر الأجرام السماوية الموجودة في حزام كايبر. كما اتضح من خلال هذه المهمة أن قُطبَي بلوتو يحتويان على جليد يتكون من النيتروجين والميثان، كما حصلت المركبة على أكثر الصور دقة وتفصيلاً لكل من بلوتو وشارون. 

من جانبه، شارك سكوت كينيون Scott Kenyon من مركز هارفارد-سميثونيان للفيزياء الفلكية Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics ردود فعله حول عملية التحليق التي نفذتها نيو هورايزنز (New Horizons) وذلك في مقابلة مع الجريدة الرسمية.

الصّحفي: هل هناك شعور بالحماسة والإثارة في مجتمع الفيزياء الفلكية حيال ما تم إنجازه؟


كينيون: بالنسبة لنا نحن العاملين في مجال علم الكواكب في المجموعة الشمسية والكواكب الخارجية، فإن هذا الإنجاز مُثير جداً لأنها هي المرة الأولى التي نحظى فيها برؤية كوكب جليديّ لا يُحيط به أي غاز. تقوم فكرة تَشَكّل ونمو أي كوكب على مبدأ التكتل (Agglomeration)، وتمتلك الكواكب الغازية العملاقة، من المُشتري وحتى نبتون، كرات جليدية كتلتها أكبر من كتلة الأرض ببضع مرات في مركزها. لذا، فإننا قادرين بذلك على معرفة ما يبدو عليه أحدها الآن.

 

 
الصّحفي: ما هي الجوانب المهمة الأخرى في هذه المهمة؟
كينيون: باعتقادي، هناك العديد من الأمور التي تجعل بلوتو مُثيراً للاهتمام. فنحن نعلم الآن بأن بلوتو هو أكبر الأجرام السماوية في حزام كايبر (Kuiper Belt)، على الأقل من حيث أبعاده وحجمه. أجرام حزام كايبر هي عبارة عن مجموعة من الأجرام السماوية الواقعة في منطقة ما وراء مدار كوكب نبتون، حيث تُعتبر هذه الأجرام هي الأكثر برودة، والأقل تطوراً، والأكثر بدائية في المجموعة الشمسية كلها. لذا، من خلال النظر إلى أيٍ من هذه الأجرام والحصول على قياسات ومعلومات حول تركيبته، وسمات سطحه، ونسبة الأمونيا فيه مقارنةً بنسب الميثان والماء والجليد، يُخبرنا الكثير عما كان عليه وضع المنطقة الخارجية من المجموعة الشمسية أثناء فترة تشكلها الأولى.

بلوتو عالم ثُنائي، حيث يقع مركز كتلة نظام بلوتو-شارون (Charon) خارج بلوتو نفسه، لذا فهو مختلف عن نظام الأرض-القمر، الذي يتمتع بمركز كتلة واقع داخل كوكب الأرض نفسه. إضافة إلى هذا، هنالك الأقمار الأربعة الصغيرة التي تدور حول هذا الكوكب الثُنائي والتي تزودنا بمعلومات حول كيفية تشكُّل الكواكب حول الأنظمة النجمية الثُنائية. هذا وقد بدأ القمر الاصطناعي كبلر (Kepler) باكتشاف هذه الأنظمة. يُعد بلوتو مثالاً جيداً على الأنظمة الثنائية التي يمكننا زيارتها ودراستها بالتفصيل.

الصّحفي: لقد قمت بإنجاز بعض الأعمال على هذا الموضوع بشكل مباشر، أليس كذلك؟

كينيون: أجل، لقد قمت بذلك بمساعدة زميل لي هو بين بروملي Ben Bromley من جامعة يوتاه. 

الصُحفي: هل لك أن تشرح المزيد عن هذا العمل الذي تقوم به؟

كينيون: عَملُنا هو نوع من الاختبار، وما نقوم به هو في الواقع محاكاة عددية لعمليات تَشكُّل وتَطوّر الأنظمة الكوكبية. إن أبسط العمليات الحسابية التي قمنا بها حول نظام بلوتو تَستلزم التحقيق فيما جرى بعد وقوع الاصطدام الهائل، والذي يُعتقد أنه كان السبب في نشوء نظام بلوتو-شارون الثنائي.

تَشكَّل كل من بلوتو وشارون في مكانين منفصلين من المجموعة الشمسية. ونعتقد بأن القمر شارون كان قد لمس سطح بلوتو، مما أدى إلى قذف كمية من المواد إلى الفضاء. ونتيجةً لهذا الحدث، أصبح شارون مُقيّداً بكوكب بلوتو، بينما تشكلت الأقمار الأربعة المعروفة من المواد التي قُذفت إلى الفضاء. لذا فإننا نقوم بالحسابات المتعلقة بكيفية عمل ذلك الأمر. لكن هناك الشكل الفعلي الذي تظهر فيه الأقمار وهي في مداراتها بالإضافة إلى تركيبتها، وكل هذا سيُقيِّد النماذج النظرية التي نقوم بإعدادها. 

من الأمور الأخرى المهمة هنا هو هل يتم الكشف عن أي أقمار أخرى في نظام بلوتو؟ لسوء الحظ، عانت المهمة من خلل في وقت ما من الأسبوع الماضي، عندما كانت المركبة بصدد التقاط عددٍ من الصور العميقة بُغية البحث عن أقمار جديدة. لكن كلنا أمل بأن يقوم الفريق بالمحاولة مرة أخرى بعد إصلاح الخلل. لذا، فإن تحديد عدد أقمار بلوتو وحجمها سيعمل على تقييد نظرية الاصطدام الهائل وآثاره.
 

 

 
إن حقيقة وجود أربعة أجرام سماوية جليدية تدور في فلك هذا النظام الثنائي يُقيِّد نماذجنا فيما يتعلق بالكيفية التي تتشكل بها الكواكب حول الأنظمة الثنائية. الأقمار حول بلوتو قريبةٌ جداً من بعضها، ولا يمكنك أن تضع أي قمر آخر في هذا النظام في المسافة بين القمر الأقرب ستيكس (Styx) والآخر الأبعد، هيدرا (Hydra) إذ لن يبقى مستقراً في مداره أبداً. وهناك الكثير من الأنظمة الكوكبية المشابهة التي لا يمكنك أن تُضيف فيها أي كوكب آخر. 

لذا فإننا نتعلم الكثير عن كيفية حدوث كل هذه الأمور. ونحن، كواضعي نظريات، نحاول الربط بين الكيفية التي تشكل وتطور من خلالها بلوتو بالكيفية التي تتشكل وتتطور بها الكواكب الخارجية. وأي معلومات يتم الحصول عليها فيما يتعلق بالتركيبة، أو الأشكال، أو الأحجام أو الدوران، ستُفيدنا في نماذجنا.

الصّحفي: صف لنا شعورك عندما رأيت تلك الصور؟ هذه الصور هي الأكثر دقة وتفصيلاً بالفعل من بين جميع الصور الأخرى التي رأيناها حتى الآن.

كينيون: حسناً، هذه الصور رائعة. لقد أصبحت أكثر من مُجرد بقعٍ من الضوء كما ظهرت سابقاً. قبل 10 سنوات تقريباً، قام تلسكوب الفضاء بتنفيذ بعض المراقبات لحادثةٍ وقعت في نظام بلوتو، حيث قام كل من بلوتو وقمره شارون بكسف بعضهما البعض. عندها كنا نرى خرائط بسيطة مكونة من أربع أو خمس أو ست بيكسل لكل من بلوتو وشارون. وكانت الصور مكونة من عدد قليل من بيكسلات داكنة وأخرى مُضيئة لا أكثر. أما الآن، فيمكننا أن نرى الفوهات، والسهول، والوديان والجبال وغيرها.

لكن أن نحصلَ على الصور من عملية التحليق فوق الكوكب، سيكون ذلك أمراً مذهلاً لأننا سنرى تضاريس تشبه الشقوق التي نراها على بعض أقمار غاليليو التابعة لكوكب المشتري، أو ينابيع ماء حار كالتي نراها على بعض أقمار كوكب زحل والمشتري. سيكون مثيراً جداً مشاهدة هذه الأمور وكيف تختلف عن أقمار زحل والمشتري الجليدية.

الصّحفي: هل ستكون متشوقاً لرؤية ما ستحمله البيانات حال صدورها؟

كينيون: أجل، سأكون متشوقاً لذلك. فبناءً على القياسات التي أجريناها على بلوتو وشارون من مواقعنا على الأرض، تَبيَّن أن بلوتو يتكون بشكل رئيسي من النيتروجين المتجمد وبعض الميثان والأمونيا المتجمدين على سطحه. أما شارون فتَبيَّن لنا أنه يتكون بشكل أساسي من الماء المتجمد. ما يُثير الاهتمام هنا هو أنها مختلفة عن بعضها فعلاً، وسيكون مثيراً للاهتمام أكثر إذا تم إثبات هذا. لا أعتقد بأننا سنعرف هذا من خلال النظر إلى هذه الصور، لكننا سنرى بعض الاختلافات لاحقاً. يمكننا أن نرى أن بلوتو له لون يشبه لون الخوخ أو سمك السلمون، في حين يطغى اللون الرمادي على شارون. لكن هناك تضاريس لامعة وأخرى مظلمة على كل منهما. سنعرف ماهية هذه المناطق لاحقاً.

 

 
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات