إلى أين ستقودنا تكنولوجيا الغرافين تطوير أرق مصباح ضوء في العالم باستخدام الغرافين

مخطط توضيحي للغرافين والإصدار الضوئي من مركز الغرافين المعلق.

حقوق الصورة: يونغ دوك كيم Young Duck Kim، جامعة كولومبيا للهندسة Columbia Engineering


ذكر فريق من العلماء من جامعة كولومبيا وجامعة سيؤول الوطنية SNU ومعهد الأبحاث الكوري للمعايير والعلوم KRISS بقيادة يونغ دوك كيم Young Duck Kim، طالب أبحاث ما بعد الدكتوراه من مجموعة جيمس هون في كولومبيا للهندسة، أنهم برهنوا وللمرة الأولى على وجود مصدر ضوء مرئي على رقاقة باستخدام الغرافين (graphene)، وهي بلورة رقيقة بسمك ذري، وذات شكل بلوري تام من الكربون، على شكل سلك.

قام الباحثون بتوصيل أشرطة صغيرة من الغرافين مع إلكترودات معدنية، وعلقوا الأشرطة فوق ركيزة [1]، ومرروا تياراً عبرها لكي يتسببوا بتسخينها. هذه الدراسة والتي تحمل عنوان "إصدار الضوء المرئي اللامع من الغرافين" (Bright visible light emission from graphene) نُشرت على الإنترنت في نشرة أدفانسد أونلاين Advance Online Publication في موقع تقنية النانو التابع لنيتشرNature Nanotechnology  بتاريخ 15 يونيو/حزيران.

يقول هون، وهو بروفسور وانغ فون-جين [2] Wang Fon-Jen professor من قسم الهندسة الميكانيكية في كولومبيا للهندسة والمؤلف المشارك في الدراسة: "صنعنا ما يُمكن اعتباره بشكلٍ أساسي أرق مصباح ضوئي في العالم. يُمكن دمج هذا النوع الجديد من الباعثات الضوئية واسعة النطاق في رقائق، لتمهيد الطريق نحو الوصول إلى أجهزة عرض شفافة، ومرنة وذات سماكة ذرية، وإلى أدوات اتصال بصرية مثبتة على رقائق ذات أساس غرافيني".

يُعتبر إنتاج الضوء في بنية صغيرة على سطح رقاقة أمراً مهماً لتطوير الدارات الضوئية المتكاملة (integrated photonic circuits) التي تصنع بالضوء ما تصنعه دارات أشباه الموصلات المتكاملة بالتيارات الكهربائية.

طوّر الباحثون العديد من الطرق للقيام بذلك، لكنهم لم يتمكنوا حتى الآن من وضع أقدم وأبسط المصادر الضوئية الصناعية وهو المصباح المتوهج فوق رقاقة، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن أشرطة المصباح المتوهج يجب أن تكون ساخنة جداً -تصل درجة حرارتها إلى آلاف الدرجات المئوية- لتتوهج في المجال المرئي، ولا تستطيع الأسلاك المعدنية ميكروية الحجم تحمل مثل درجات الحرارة تلك. بالإضافة إلى ذلك، فإن انتقال الحرارة من الشريط الساخن إلى محيطه يكون فعالاً بشكلٍ كبير عند الأحجام الميكروية (microscale)، مما يجعل من هذه البُنى غير عملية، وتقود إلى تدمير الرقاقة المحيطة بها.

عبر قياس طيف الضوء الصادر عن الغرافين، تمكّن الفريق من إثبات إمكانية الغرافين للوصول إلى درجات حرارة تفوق 2500 درجة مئوية، وهي كافية للتوهج بشكلٍ لامع، ويشرح كيم الأمر قائلاً: "الضوء المرئي الصادر عن الغرافين الرقيق عالي الكثافة لدرجة أنه بالإمكان رؤيته بالعين المجردة دون الحاجة إلى أي تضخيم إضافي". كيم هو مؤلف رئيسي مشارك للورقة العلمية وعالمُ أبحاث ما بعد الدكتوراه في مجموعة هون في كولومبيا للهندسة.

إلى اليسار، نشاهد الإصدار البصري المرئي اللامع القادم من الغرافين المعلق، وفي اليمين صورة مجهرية له. حقوق الصورة: يونغ دوك كيم Young Duck Kim، جامعة كولومبيا للهندسة Columbia Engineering
إلى اليسار، نشاهد الإصدار البصري المرئي اللامع القادم من الغرافين المعلق، وفي اليمين صورة مجهرية له. حقوق الصورة: يونغ دوك كيم Young Duck Kim، جامعة كولومبيا للهندسة Columbia Engineering


ومن المثير للاهتمام أن الطيف الناجم عن الضوء الصادر أظهر مجموعة من القمم عند أطوال موجية محددة، وقد اكتشف الفريق أنها ناجمة عن التداخل بين الضوء الصادر مباشرةً عن الغرافين وذلك المنعكس عن الركيزة السيليكونية والمار داخل الغرافين، ويُعلق كيم: "هذا الأمر ممكنٌ فقط لأن الغرافين شفاف، على النقيض من الخيوط التقليدية، وهو يسمح لنا بضبط طيف الإصدار عبر تغيير المسافة الفاصلة عن الركيزة".

قدرة الغرافين على الوصول إلى درجات الحرارة المرتفعة هذه دون صهر الدعامة أو الإلكترودات المعدنية ناتجة عن خاصية مهمة أخرى، فعندما يسخن، تقل توصيلية الغرافين للحرارة، ويعني ذلك أن درجات الحرارة المرتفعة تبقى محتواةً في بقعة صغيرة ساخنة في المركز.

يقول ميونغ-هو باي Myung-Ho Bae كبير الباحثين في KRISS ومؤلف رئيسي مشارك في الدراسة: "عند درجات الحرارة الأعلى، تصير درجة حرارة الإلكترون أكبر بكثير من أنماط الاهتزاز الصوتية لشبكة الغرافين، ولذلك نحتاج إلى كمية من الطاقة أقل للوصول إلى درجات الحرارة اللازمة لإصدار ضوء مرئي. تسمح لنا هذه الخواص الحرارية الفريدة بتسخين الغرافين المعلق إلى نصف درجة حرارة الشمس، وتحسين الفعالية 1000 ضعف مقارنةً بالغرافين الموجود فوق ركيزة صلبة".

وليبرهن الفريق على قابلية تقنيتهم على التحجيم، قاموا بوضع صفائف ذات حجم كبير، هذه الصفائف عبارة عن مُصدرات ضوئية غرافينية مصنوعة بالترسيب الكيميائي للبخار (CVD)، ويذكر يون دانيال بارك Yun Daniel Park، وهو بروفسور في قسم الفيزياء وعلم الفلك في جامعة سيؤول الوطنية ومؤلف رئيسي مشارك في الدراسة، أنهم يعملون مع نفس المادة التي استخدمها توماس إديسون عندما اخترع المصباح الضوئي المتوهج، ويتابع: "في الأساس، استخدم إديسون الكربون كخيط للمصباح الضوئي، وهنا نعود إلى العنصر نفسه، لكننا نستخدمه في أنقى أشكاله -الغرافين- وعند حدود الحجم النهائية له -أي سماكة ذرة واحدة".

تعمل المجموعة حالياً على زيادة تمييز أداء تلك الأجهزة وتطوير تقنيات من أجل دمجها في دعامات مرنة، فعلى سبيل المثال، يسعون إلى معرفة مقدار سرعة تشغيل وإطفاء تلك الأجهزة لإنتاج "بتّات" لاستخدامها في الاتصالات البصرية.

ويُضيف هون: "إننا نحلم بالحصول على استخدامات أخرى لهذه البُنى، فعلى سبيل المثال: يمكننا استخدامها كسخاناتٍ ميكرويةً (micro-hotplates) تسخن إلى آلاف الدرجات في جزء من الثانية لدراسة التفاعلات الكيميائية أو المُحفزات (catalysis) عند درجات الحرارة المرتفعة".


ملاحظات:


[1] الركيزة: هي ما يرتكز عليه، وتشكل الأساس له، وفي "التصفيح": هي معدنٌ يُطلى بمعدن آخر ذي خصائص فيزيائية مختلفة.
[2] بروفيسورية وانغ فون-جين Wang Fon-Jen professorship: هي درجة من درجات البروفيسورية أنشأها الدكتور فيرمي وانغ، الحاصل على شهادته في الدكتوراه عام 1991، في جامعة كولومبيا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الدارات الضوئية (photonic circuits): هي عبارة عن دارات تستخدم الضوء بدلاً من الإلكترونات للقيام بمجموعة من الوظائف البصرية.
  • الإصدارية (Emission): هي كمية الضوء، أو بشكلٍ عام الإشعاع الكهرومغناطيسي، الناتجة عن ذرة ما أو جسم آخر. المصدر: ناسا
  • الغرافين (graphene): مادّة كربونية ثنائية الأبعاد وذات بنية بلورية سداسية، وتُعدّ أرفع مادّة معروفة على الإطلاق بحيث يُعادل سمكها ذرة كربون واحدة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات