الجانب المظلم للاندفاعات الراديَوية المجريَّة

تظهر هذه الصورةُ المجرةَ النشطة هرقل إيه (Hercules A) أثناء حدوث نفثات راديوية ضخمة.

المصدر: NRAO.
 


يشير إشعاع الموجات الميكروية الكوني (cosmic microwave radiation) إلى مادة مظلمة غير مرئية، حيث يُعتبر إشارةً لوجود المواقع التي تتحرك فيها المواد المقذوفة بسرعةٍ تقارب سرعة الضوء حسب فريق دولي من علماء الفلك. وقد قدَّم نتائج هذا الفريق المؤلفُ الرئيسي روبيرت أليسون Rupert Allison من جامعة أوكسفورد، وذلك في السادس من يوليو/تموز في ملتقى الفضاء الدولي في Venue Cymru الواقعة في لاندودنو-ويلز.

لا أحد يعلم بالضبط في الوقت الحالي ممَّ تتكوّن المادة المظلمة، لكنها تحتوي على حوالي 26% من مقدار الطاقة في الكون، حيث تتشكل مجراتٌ ثقيلة في المناطق الكثيفة من المادة المظلمة. وعلى الرغم من أن المادة المظلمة غير مرئية، إلا أنها تنكشف من خلال تأثيرها الثقالي، حيث تؤدي الفقاعات الكبيرة من الطاقة المظلمة إلى شفط المادة العادية (مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات) تحت تأثير جاذبيتها الخاصة، والتي تتجمع سوياً في النهاية لتؤدي إلى تشكل نجومٍ ومجراتٍ بأكملها.

تُصنف ‏العديد من كبرى المجرات على أنها مجرات "نشطة" مع ‏ ‏ثقوب سوداء فائقة الكتلة في مراكزها. ‏ينهار جُزء من الغاز باتجاه الثقب الاسود، ويندفع بعيداً عنه كنفثاتٍ من الجسيمات والإشعاع، وقد بينت الأرصاد التي أُجريت باستخدام التلسكوبات الراديَوية أن هذه النفثات تمتدّ عادة لمسافات تصل إلى ملايين السنين الضوئية بعيداً عن مجرتها المضيفة، أي لمسافة تفوق أبعاد المجرة نفسها.

ولذلك، توقع العلماء أن هذه الاندفاعات تتواجد في المناطق التي يكون تركيز المادة المظلمة فيها أعلى من المعدل، ولكن، وبما أن المادة المظلمة غير مرئية، فإن اختبار هذه الفكرة غيرُ مجدٍ.

نموذج لخارطةِ خلفيةِ الأمواج الميكروية الكونية الخاضعة لتأثير العدسات التثاقلية (في الأعلى) والخارطة الراديوية فائقة الكثافة (في الأسفل).
نموذج لخارطةِ خلفيةِ الأمواج الميكروية الكونية الخاضعة لتأثير العدسات التثاقلية (في الأعلى) والخارطة الراديوية فائقة الكثافة (في الأسفل).


تصف النظرية النسبية العامة لأينشتاين كيفية استشعار الضوء لأثر الحقول الثقالية، معطياً بذلك الفرصة لوجود المادة المظلمة من خلال تأثير يدعى "التعديس الثقالي" (gravitational lensing). إن رصد كيفية تشتيت المادة المظلمة للضوء ‏يسمح لعلماء الفلك بتحديد موقعها وقياس كتلتها.

ويمتلك الكون أيضاً خارطةً مرجعيةً مثالية -وهي خلفية الأمواج الميكروية الكونية (cosmic microwave background)- تغطي كامل السماء، وتُشكل هذه الخلفية أثراً قديماً لتَشكل الكون، ‏وهي بمثابة "لقطات" لما كان عليه الكون بعد 400 ألف سنة فقط من الانفجار العظيم، وقد استغرق الضوء ‏الصادر في تلك الحقبة 13 مليار سنة للوصول إلينا.

سافر الضوء القادم من هذه الحقبة المبكرة جداً عبر معظم أرجاء الكون دون أية عوائق. وبالرغم من أن المادة المظلمة المتكتلة تمارس أثراً ثقالياً ضعيفاً، إلا أنها لا تحرف الضوء عن طريقه المستقيم إلا بمقدار ضئيل، ويشبه ذلك ما تفعله العدساتُ الموجودة في النظّارة الطبيّة.

وقد قام الفريق بقيادة الدكتور سام ليندسي Sam Lindsay من جامعة أكسفورد، والدكتور بليك شيروين Blake Sherwin من جامعة UC Berkeley، بتحليل التشوهات الرقيقة في إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، مما أتاح لهم تحديد المناطق الكثيفة من المادة المظلمة. وكما هو متوقع، فإن هذه المواقع هي مناطق تكثر فيها النفثاتُ الراديوية القوية، مما يعكس العلاقة الوثيقة بين المجرات الأكثر كتلة في الوقت الحالي وبين التوهُّج الذي شهده الكون مباشرةً بعد الانفجار العظيم.

ويعلق السيد ‏أليسون: "لولا المادة المظلمة لما تشكلت المجرات الكبيرة، ولم تكن الثقوب السوداء فائقة الكتلة لتتواجد، ولولا الثقوب السوداء، لم نكن لنرى النفثات خارج المجرية، وعلى هذا فقد عثرنا على بصمة أخرى للكيفية التي صَقَلَت بها المادة المظلمة ‏كوننا الحالي".

يأمل العلماءُ الآن استخدام معداتٍ جديدة لتحسين قياساتهم، ولفهم كيفية تغيّر الاندفاعات الراديوية ومجراتها المضيفة خلال تاريخ الكون بوضوح أكثر، وستساعد التلسكوبات المستقبلية مثل "Advanced ACTPol" الموقع الإلكتروني:  (http://www.princeton.edu/act/)، ومصفوفة الكيلومتر المربع الموقع الإلكتروني: (http://skatelescope.org/)، ستساعد على توفير البيانات المُتمّمَة لتحويل هذا الأمل إلى حقيقة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (cosmic microwave background): أو اختصاراً CMB، وهو الإشعاع الحراري الذي خلفه ورائه الانفجار العظيم، وهي موجودة في كل الاتجاهات بالكثافة نفسها، وتعادل درجة حرارة 2.725 درجة كلفن.
  • المفعول العدسي التثاقلي (gravitational lensing): المفعول العدسي التثاقلي: يُشير إلى توزع مادة (مثل العناقيد المجرية) موجودة بين مصدر بعيد والراصد، وهذه المادة قادرة على حرف الضوء القادم من المصدر أثناء تحركه نحو الراصد. ويُترجم أحياناً بالتعديس الثقالي أيضاً.

اترك تعليقاً () تعليقات