مجرى غازي متحرك بسرعة يحجب ثقب أسود فائق الكتلة

اكتشف فلكيون سلوكاً غريباً وغير متوقع حول ثقب أسود فائق الكتلة موجود في مركز المجرة NGC 5548. فحص فريق دولي من الباحثين مجرى متكتل من الغاز يقوم بالجريان بشكلٍ سريع للخارج ويحجب 90% من أشعة اكس الصادرة عن الثقب الأسود. يُمكن لهذا النشاط أن يُقدم رؤى جديدة حول كيفية تفاعل الثقوب السوداء فائقة الكتلة مع المجرات المضيفة لها.
 

اكتشاف السلوك الاستثنائي في NGC 5548 هو نتيجة لحملة رصد مكثفة تمت باستخدام مراصد ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، بما في ذلك تلسكوب هابل الفضائي (1).
في العامين 2013 و2014، قام الفريق دولي بإجراء أكثر حملات الرصد على مجرة نشطة (2).تُوجد هناك مجرات أخرى أظهرت وجود مجاري غازية بالقرب من ثقب أسود، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها رؤية مثل هذا المجرى وهو يتحرك على طول خط الرؤية.
 

يقول الباحثون بأنها المرة الأولى التي نحصل فيها على أدلة مباشرة عن عملية التدريع طويلة الأمد اللازمة من أجل تسريع مجاري الغاز عالية الطاقة، أو الرياح، وصولاً إلى سرعاتٍ هائلة. تقول Jelle Kaastra من معهد SRON لأبحاث الفضاء في هولندا وهي من قاد فريق البحث،‘‘هذه قفزة كبيرة على طريق فهمنا لكيفية تفاعل الثقوب السوداء فائقة الكتلة مع المجرات المضيفة لها‘‘ (3). وتضيف Kaastra،‘‘نحن محظوظون جداً. لا يمكنك في الأحوال العادية رؤية هذا النوع من الأحداث مع أجسام مثل هذه. إنها تخبرنا المزيد حول الرياح عالية الطاقة والمؤينة والتي تسمح للثقوب السوداء فائقة الكتلة الموجودة في المجرات النشطة بأن تنفث كميات كبيرة من المادة. في كوازار أكبر من NGC 5548، يُمكن لهذه الرياح أن تقوم بضبط نمو كل من الثقب الأسود والمجرة المضيفة‘‘.
 

مع تحرك المادة حلزونياً باتجاه ثقب أسود تقوم بتشكيل قرص مسطح، يُعرف هذا القرص بقرص التراكم. يُسخن القرص بشكلٍ كبير وإلى درجة يقوم معها بإصدار الأشعة اكس بالقرب من الثقب الأسود بالإضافة إلى إشعاع فوق بنفسجي منخفض الطاقة. يُمكن للإشعاع فوق البنفسجي أن يُؤدي إلى رياح قوية بشكلٍ كافٍ لقذف الغاز بعيداً عن الثقب الأسود إذ أنه لولا ذلك سيسقط ذلك الغاز باتجاه الثقب الأسود. لكن هذه الرياح تصبح موجودة فقط عندما تكون نقطة بدايتها محمية من الأشعة اكس.

أوضحت المراقبات المبكرة تأثير كل من الأشعة اكس والأشعة فوق البنفسجية على منطقة من الغاز الدافئ وبعيدة عن الثقب الأسود ولكن المراقبات الحالية توضح وجود مجرى غازي جديد بين القرص والسحابة الأصلية.
 

هذا المجرى الغازي المكتشف حديثاً في مجرة سيفرت NGC 5548 واحد من أكثر المصادر المدروسة من هذا النوع خلال نصف القرن الماضي يقوم بامتصاص معظم الأشعة اكس قبل أن تصل إلى السحابة الأصلية، وبالتالي يقوم بحمايتها من الأشعة اكس تاركاً الأشعة فوق البنفسجية فقط. يقوم المجرى نفسه بحماية الغاز الأكثر قرباً إلى قرص التراكم. يجعل هذا الأمر من احتمالية حصول رياح قوية أمراً ممكناً، ويبدو أن ذلك التدريع مستمر على الأقل منذ 3 سنوات.

مباشرة بعد أن قام هابل برصد NGC 5548 في 22 يونيو 2013، اكتشف الفريق مميزات غير متوقعة في البيانات. يقول عضو الفريق Gerard Kriss من معهد علوم تلسكوبات الفضاء في بالتيمور بالولايات المتحدة الأمريكية، ‘‘حصلت تغيرات جذرية منذ المراقبات الأخيرة التي تمت بالاعتماد على تلسكوب هابل في العام 2011. رأينا إشارات على غاز أبرد بكثير من الذي كان موجوداً سابقاً، الأمر الذي يوضح أن الرياح بردت جراء التناقص الشديد في إشعاع الأشعة اكس المؤين والقادم من النواة‘‘.
بعد جمع وتحليل البيانات القادمة من ستة مراصد، تمكن الفريق من وضع أجزاء الأحجية معاً. رياح NGC 5548 المتواصلة، والتي تم التعرف إليها على مدار عقدين، تصل إلى سرعات تتجاوز 3.5 مليون كيلومتر في الساعة. لكن الرياح التي ظهرت حديثاً أقوى وأسرع بكثير من الرياح الدائمة الموجودة.
 

تقول Kaastra: ‘‘تصل الرياح الجديدة إلى سرعات تبلغ 18 مليون كيلومتر في الساعة، ولكنها أشد قرباً إلى النواة من الرياح الدائمة. الجريان الخارجي الجديد للغاز يحجب 90% من الأشعة اكس منخفضة الطاقة والقادمة من منطقة قريبة جداً للثقب الأسود وتقوم أيضاً بحجب حوالي ثلث المنطقة التي تُصدر الإشعاع فوق البنفسجي عند مسافة تبعد عن الثقب الأسود بضعة أيام ضوئية‘‘.

امتصاص الأشعة اكس القوية من قبل الغاز المؤين هو أمر تمت ملاحظته في بضعة مصادر أخرى، وأُرجع ذلك، على سبيل المثال، إلى السحب العابرة. يقول عضو الفريق Massimo Cappi، من INAF-IASF في بولونيا،‘‘على أية حال، يعود الفضل في حالتنا إلى البيانات التي تم جمعها بالاعتماد على تلسكوبي هابل ونيوتن، وبفضل هذه البيانات نعرف أن هذا الأمر عبارة عن مجرى سريع من الغاز المتجه للخارج والقريب جداً من النواة‘‘. ويضيف Pierre-Olivier Petrucci، من CNRS في غرونوبل, ‘‘من الممكن أن يكون ناتجاً عن قرص التراكم‘‘.
تم نشر النتائج على الانترنت ضمن عدد 19 يونيو من Science Express.
 

ملاحظات


(1) التلسكوبات المتضمنة:

تلسكوب نيوتن متعدد المرايا والتابع لوكالة الفضاء الأوروبية، تلسكوب هابل الفضائي، تلسكوب سويفت التابع لناسا، الصفيفة التلسكوبية المطيافية النووية التابعة لناسا (NuSTAR)، تلسكوب تشاندرا العامل بالأشعة اكس والتابع لناسا، مختبر الفيزياء الفلكية للأشعة غاما التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.

(2) المجرة النشطة (Active galaxy):

هي عبارة عن مجرة تحتوي على قلب مجري نشط (AGN). AGN عبارة عن منطقة مضغوطة موجودة في مركز مجرة تتمتع بمستوى سطوع أعلى بكثير من المعتاد. يُعتقد بأن المستويات المرتفعة للإشعاع، التي تمتد في بعض الأحيان على طول الطيف الكهرومغناطيسي، ناتجة عن ثقب أسود فائق الكتلة موجود في المركز ويقوم بسحب المادة الموجودة في المحيط.

(3) يُعتقد بأن التفاعلات الحاصلة بين الثقوب السوداء والمجرات المضيفة لها تمتلك أهميةً خاصة على طريقة تطور المجرة.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المجرة (galaxy): عبارة عن أحد مكونات كوننا. تتكون المجرة من الغاز وعدد كبير (في العادة، أكثر من مليون) من النجوم التي ترتبط مع بعضها البعض، بوساطة قوة الجاذبية. و عندما تبدأ الكلمة بحرف كبير، تُشير Galaxy إلى مجرتنا درب التبانة. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات