في إفريقيا: دخانٌ أكثر يؤدي إلى أمطار أقل!

التُقطت هذه الصورة بواسطة أداة تسمّى مقياس الطيف التصويري معتدل الدقة MODIS موجودة على متن المركبة الفضائية أكوا Aqua التابعة لناسا. تظهر هذه الصورة العديد من الحرائق المشتعلة في المنطقة الانتقالية بين الصحراء الكبرى في الشمال، وبين منطقة السافانا الخضراء في الجنوب. وتشمل هذه الصورة التي يعود تاريخها إلى شهر نوفمبر/تشرين الثاني لسنة 2004 مناطق من السودان وتشاد ودولاً أخرى في الجنوب والغرب.

المصدر: ناسا


أظهرَت دراسةٌ جديدةٌ أعَدّتها وكالة ناسا أنّ الحرائق الزراعيّة في شمال إفريقيا تقلّل من كمية الأمطار التي تَهطل خلال موسم الجفاف، لتعطي نموذجاً طويلَ الأمد للممارسات البشريّة، والتي تؤدي بغير قصد إلى إحداث تغيّرات في طقس ومناخ المنطقة. تُعَد هذه الدّراسة هي الأولى من ناحية استخدام أرصاد الأقمار الصناعيّة بهدف معرفة كيف يُمكِن لدخّانِ هذه الحرائق أنّ يؤثر على هطول الأمطار.

تتركّز نصف الحرائق التي تحدث في العالم كل عام في قارّة إفريقيا، حيث عمد الأفارقة لقرون عديدة إلى إشعال الحرائق بهدف رفع معدّل الإنتاجيّة الزراعية وخلق المزيد من المساحات الصالحة للزراعة، ولكن دخان هذه الحرائق تماسك ليُكوّن سحباً ضخمةً ذات آثارٍ سلبيّةٍ بعيدة المدى مثل التأثير على الطقس وأنماط الهطول، وعلى توفير المواد المغذية لليابسة والمحيطات التي تقع في اتجاه الرياح.

خمن العلماء في مختبر الدّفع النفّاث التابع لوكالة ناسا في باسادينا، كاليفورنيا كيف يمكن لدقائق الدخّانٍ الميكروسكوبيّة (المجهرية)، أو جزيئات الهباء الجوي المنبعث من الحرائق في جنوبي الصحراء الإفريقية الكبرى وشماليّ خط الاستواء، أن تؤثر على تكوين السُّحب، وبالتالي تؤثّر على الهطول المطريّ في تلك المنطقة.


استَخدَم العلماء بياناتٍ مُستقاة من أجهزةٍ موجودة على ثلاثة أقمارٍ صناعيّةٍ تابعة لوكالة ناسا، تمرّ فوق المنطقة المذكورة خلال أوقاتٍ مختلفةٍ من اليوم، كما تمت الاستعانة بسِجلات تقارير الطقس إلى جانب تلك البيانات. 

اختار مايكل توسكا Michael Tosca وزملاؤه الباحثون في مختبر الدّفع النفّاث JPL صوراً من مناطقَ ينبعث منها دخانٌ كثيف، وتتّصِف بأنها ذات كميات مختلفةٍ من غطاء الغيوم والظروف الجوية الأخرى. وقد تمّ التقاط هذه الصّور باستخدام مقياس الإشعاع الطيفي للتصوير متعدد الزوايا MISR، الموجود على متن مركبة تيرّا الفضائية Terra التي حلّقت منذ عام 2006 لعام 2010.

طابَق العلماء كلّ صورةٍ للدخان مع أخرى خاليةٍ منه في ذات الظروف المناخيّة، وقارنوا كيف تطوّر غطاء الغيوم في كِلا الصورتين على مدى اليوم، وقد اعتمدوا في ذلك على البيانات المستقاة من بعثة قياس هطول الأمطار الاستوائية TRMM بالإضافة إلى بيانات المركبة الفضائية أكوا. كما تمكّنوا من تأكيد اكتشافاتهم مستعينين بنموذجٍ للغلاف الجوي العالمي.

تَوصَّل الباحثون إلى حقيقة مَفادُها أنّ غطاء الغيوم الذي تكوّن (تراكم) خلال اليوم في الصور ذات الدخّان الكثيف أقل من الذي في الصور الخالية من الدّخان. وفي هذا الصدد يقول توسكا: "شلّت الجسيمات الناتجة عن الحرائق قدرة الغلاف الجويّ على تكوين الغيوم والعواصف الرعديّة، وهذا بالطبع سَبَّبَ في نهاية المطاف انخفاضاً في معدَّل هطول الأمطار خلال الجفاف الموسمي". 

وقد تمّ نشر النتائج على الإنترنت على الموقع الإلكتروني لمجلة Geophysical Research Letters. 

ويردف توسكا قائلاً: "إن الكمية الأقل من الغيوم وجفاف الأمطار الهاطلة على سطح الأرض سيجعل من اليسير على المزارعين إشعال المزيد من الحرائق، حيث تُظهِر البيانات أنهم يقومون بذلك فعلاً". ويُمكن لهذه الحرائق المضافة أنّ تعمّق وتقوّي الآثار السلبيّة التي قد تقود إلى ارتفاع درجة حرارة المناخ الإقليمي على مدى الزمن.

تُوصف العلاقة بين الغيوم والهباء الجوّي بأنّها معقّدة جداً، حيث تحتاج الغيوم إلى الهباء الجوي لتتشكّل، والسبب هو أنّ بخار الماء في الغلاف الجوي نادراً ما يتكاثف ليتحوّل إلى قطراتٍ مائيّة تُشكّل الغيمة، ما لم يكن لديه جسيمات ليتكاثف حولها.

انطلاقاً من هذه الحقيقة، ربما ستتوقع بأنّ الهباء الجوي الناتج عن الحرائق الإفريقية يمكنه خلق المزيد من الغيوم. إلا أن الهباء الجوي مع ذلك له آثارٌ أخرى على الغيوم، وذلك اعتماداً على خصائص الغيوم وارتفاعها وعواملَ أخرى إضافية. إذاً لابدّ من القيام بدراسة مفصّلةٍ بهدف تحديد أيّ التأثيرات هو المهيمن في أي حالة معينة.

يَحتوي الدخان الإفريقية على نسبةٍ عاليةٍ من جزيئات الكربون الأسود الناتج عن احتراق النبات جزئياً (على نحوٍ غير مكتمل). ويلعب اللون القاتم لهذه الجزيئات دوراً مُهماً في جعلها فعّالة جداً في عملية امتصاص أشعّة الشمس وتسخين الهواء من حولها، وبالتالي خلق طبقة من الهواء الساخن المليء بالسخام.

عندما يتصاعد الهواء من سطح الأرض الذي تُدفِّئه الشمس ويرتطم بتلك الطبقة، فهو يتوقّف عن الصعود و يتفرّق أفقياً عوضاً عن ذلك. وبدون وجود تيّاراتٍ صاعدةٍ قوية ونشطة، سيتمّ صدّ (قمع) تدفّق الهواء الدوراني نحو الأعلى والأسفل الذي يخلق الغيوم "المنتجة للأمطار" والتي تُعرَف باسم "سحب الحمل".

حَلَّل العلماء سبعين صورةً من الأقمار الصناعيّة تحتوي على آلاف النقاط البيانيّة، وعمليات استرجاع للمعلومات موزّعةً عبر أنماطٍ متمايزةٍ من الظروف الجوية. وقد تواجدت عملية الحمل الحراري خلال اليوم بكلّ الحالات على نحوٍ أقلّ في الصور التي تحتوي على الدخان أكثر من تواجدها في الصور المشابهة لها من ناحية الظروف الجوية والخالية من الدخان.

أشار توسكا إلى أنّ دراساتٍ سابقةً أُجرِيت على عِدَّة نماذج مناخية توصّلت إلى النتيجة ذاتها، على الرغم من وجود دراساتٍ أخرى تقترح أنّ الانخفاض في الحمل الحراري ستُقابله زيادة في كمية الغيوم. ويُعَلِّق توسكا على هذه الدراسة القائمة على الأرصاد الجوية بقوله: "لسنا قادرين فقط على إظهار أن الغيوم تنخفض في وجود الهباء الجوي، بل نحن قادرون أيضاً على إظهار أنّ الهباء الجوي يمنع عملية الحمل الحراري. تم توقع هذا الاكتشاف من خلال النماذج، وسيكون من الرائح حقاً رؤية بيانات واقعية حوله". 

هذه الدراسة متاحة على الرابط التالي:



http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/2015GL065063/full

 

ولمعلومات إضافية حول مقياس الإشعاع الطيفي متعدد الزوايا قم بزيارة الرابط التالي:



https://www-misr.jpl.nasa.gov/



تستخدم وكالة ناسا الأرصاد المأخوذة من الفضاء لزيادة فهمنا لكوكبنا الأم، والعمل على تحسين الحياة وحماية مستقبلنا. وتطور الوكالة وسائل جديدة لرصد ودراسة النُّظم الطبيعية للأرض بشكل متواصل، وذلك اعتماداً على سِجلات بيانات مأخوذة على المدى الطويل. وتُشاطِر الوكالة هذه المعلومات الفريدة بشكل اختياري مع المؤسسات حول العالم، كما تعمل معها على اكتساب رؤىً جديدة حول كيفية تغيّر كوكبنا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات