تطور كبير في مجال طاقة الاندماج النووي

للمرة الأولى على الإطلاق ينجح فريق دولي من العلماء في تمثيل تشتت الطاقة أثناء عملية تُعرف بالإشعال السريع (fast ignition) -أحد أكثر الطرق الواعدة في مجال إنجاز الاندماج النووي المتحكم به.


إذا تمكنا من حصد طاقة الاندماج النووي -العملية التي تُحرر كميات هائلة من الطاقة جراء التصادمات بين أنوية ذرية عالية السرعة، وهي العملية التي تُغذي شمسنا والنجوم الأخرى- فإننا سنتمكن من الوصول إلى مصدر للطاقة نظيف وآمن، ودائم تقريبًا. لكن، عمل العلماء لأكثر من ستين عامًا على تحقيق ذلك، ولاتزال هذه المسألة بعيدة جدًا عن التطبيق وذلك ناجمٌ عن مجموعة من العقبات الكبيرة.


الخبر الجيد هو أن هذه العقبات لم توقف المسيرة العلمية في الماضي، عدد من فرق البحث العالمية التي تقود محاولات جدية لجعل مفاعلات الاندماج النووي واقعًا تستمر بإحراز تقدم.


في الشهر الماضي شغّل باحثون من معهد ماكس بلانك لفيزياء البلازما في ألمانيا عملاقهم الذي كلف 1.1 مليار يورو، وهو آلة اندماج نووي تُعرف بستيلاريتور (stellarator) الذي استهلك حوالي 1.1 مليون ساعة إنشاء، وإلى الآن تبدو الأمور واعدة جدًا.

في الوقت نفسه، يعمل فريق منفصل مع آلة اندماج نووي باستخدام طريقة مختلفة لإنجاز الاندماج النووي المتحكم به -طريقة الإشعال السريع (FI)، التي تبدأ تفاعلات الاندماج النووي باستخدام ليزر عالي الشدة.

تعمل هذه الطريقة على مرحلتين للسماح باستمرار عملية الاندماج النووي. في المرحلة الأولى أنت بحاجة إلى إطلاق مئات من الليزرات عالية الطاقة لضغط وقود الاندماج، الذي هو في العادة مزيج من الديتريوم والتريتيوم، لتصبح كثافته عالية جدًا. بعد ذلك، يُستخدم ليزر منخفض الشدة لإيصال الطاقة الحرارية إلى الوقود المضغوط لإشعاله سريعًا، مما يؤدي إلى بدء عملية الاندماج النووي المحفزة ذاتيًا.

في الوقت الذي مازال فيه الإشعال السريع موجودًا في المرحلة التجريبية، يُجادل باحثون بأنه واعد لمستقبل الاندماج النووي لأنه يتطلب كميات من الطاقة أقل بكثير مقارنة بالطرق العادية. لكن إحدى أكبر المسائل التي تواجهه هي عملية التوجيه لليزر في المرحلة التالية كي يصدم المناطق الأكثر كثافة من الوقود.

يقول كريستوفر ماكوفي Christopher McGuffey من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو: "قبل تطويرنا لهذه التقنية، كان الأمر مشابهًا للبحث في الظلمة. الآن، يُمكننا أن نفهم وبشكلٍ أفضل أين يتم ترسيب الطاقة، وبالتالي نستطيع دراسة التصاميم التجريبية الجديدة لتحسين عملية إيصال الطاقة إلى الوقود".

ويُضيف فرحات بيك Farhat Beg وهو زميل ماكوفي: "مثّل ذلك تحديًا رئيسيًا للبحث لأن فكرة الإشعال السريع كانت مقترحة".

كل ما كان على الفريق فعله هو تطبيق متتبعات أثر نحاسية على كبسولة الوقود البلاستيكية الكروية. وبالتالي عندما يطلقون ليزرًا عالي الشديدة، يستطيعون تعقب حركته حول الكبسولة لأن الإلكترونات عالية الطاقة التي يُصدرها تصدم متتبعات الأثر وتُنتج أشعة سينية مرئية.

يصف ماكوفي في مقالة نُشرت في مجلة نيتشر كيف تمكنوا في النهاية من تصوير المكان الذي سمح فيه الليزر عالي الشدة باختبار طرق مختلفة لتحسين إيصال الطاقة إلى الوقود، وهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها ذلك. ووفقاً لاوفبرانيدس في "وايرد" فإن الباحثين تمكنوا بوجود هذه التقنية من تسجيل رقم قياسي للمردود وصل إلى 7%، ويقول: "إنه تحسين أفضل بأربع مرات مقارنة مع تجارب الإشعال السريع السابقة".

عندما جرى تطوير التصميم، تنبأت النماذج الحاسوبية بفعالية إيصال للطاقة تصل إلى 15%. ووفقًا للفريق: "تضع اكتشافتنا الأرضية للتحسينات المستقبلية للمردود، أي 15% كما تنبأت بذلك تجارب FI التي استخدمت سواقة الليزر ذات النطاق من رتبة الميغا-جول".

عندما يتعلق الأمر بالاندماج النووي المتحكم به، فإننا نتعامل مع الخطوات الاولى الشبيهة بخطوات الأطفال في مجال تطوير هذا الاختصاص أثناء السنين القادمة، لكن حتى بوجود تطورات صغيرة لشيء ثوري كهذا، فإن ذلك يدعو للحماس.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات