هل تسبب الثقوب السوداء فائقة الكتلة دوران المجرة؟

إن كان هناك ثقب أسود في مركز مجرتنا، هل يمكن أن يكون هو السبب الكامن وراء دورانها؟ وان كان كذلك، هل من الممكن أنه يعمل على مراكمة المادة ما يؤدي إلى ازدياد كتلته أكثر فأكثر؟ ألا يعني ذلك أن سرعة دوران المجرة تزداد، ما يعني في النهاية أن السنة المجرية تقصر حتى لو كانت أصلًا قصيرة؟

الشيء الجميل في الثقوب السوداء أنها بالرغم من كونها تعمل على تشويه الزمان والمكان المجاوران لها بشدة، فإن تأثير جاذبيتها على الأجسام البعيدة هو نفس التأثير الذي من الممكن أن نتوقعه من المادة المرئية. ما هي المسافة التي نعتبر عندها الجسم بعيدًا عن الثقب الأسود؟ نحن نحدد حجم الثقب الأسود بحسب نصف قطر شفارتزشيلد (Schwarzchild Radius) الخاص به، أو هو نصف القطر الذي تكون عنده الجاذبية قوية جدًا، فحتى الضوء لا يستطيع الهرب منها. هذه قاعدة من الجيد حفظها: الثقب الأسود الذي كتلته "ك" من المرات من كتلة الشمس حجمه ك×3 كم.

 

نصف قطر شفارتزشيلد لثقب أسود يمتلك كتلة مماثلة لكتلة الشمس يساوي 3 كم كتقدير تقريبي، لنقل أن آثار النسبية العامة لثقب أسود تصبح ضئيلة عند مسافة تساوي 1000 ضعف قطر شفارتزشيلد. فيكون للثقوب السوداء التي تمتلك كتلة مماثلة لكتلة الشمس مقدار تأثير جاذبية مماثل لتأثير الشمس عند 3×1000= 3000 كم. هذه مسافة أصغر بكثير من المسافة بين الأرض والشمس. فلو كانت الشمس ثقباً أسود لما تغير شيء في مدار الأرض

إذا قمنا بتطبيق نفس القاعدة على ثقب أسود فائق الكتلة في مركز مجرتنا يملك كتلة تساوي 10 مليون ضعف كتلة الشمس، فيصل نصف قطر شفارتزشيلد الخاص به لـ30 مليون كم.

إذًا فآثار النسبية العامة مهمة فقط ضمن الـ 1000×30 مليون كم، أو في الـ30 مليار كم الداخلية لمجرة درب التبانة. يبلغ طول النظام الشمسي 6 مليارات كم، لذا يمكنك وضع 5 أنظمة شمسية في المنطقة الواقعة تحت تأثير النسبية العامة المحيطة بثقب أسود فائق الكتلة. مع ذلك، هنالك قرابة الـ200 مليار نجم مماثل لنجمنا في المجرة، وتفصل بينها مسافات ضوئية! ويكفي القول أن المنطقة التي عليك أن تقلق بشأنها في مجرتنا بخصوص تأثيرات ثقب أسود فائق الكتلة صغيرة جدًا.

 

وزن المجرة نفسها تقريبًا 100 مليار ضعف كتلة الشمس، والتي هي أكبر بكثير من الـ10 مليون التي بداخل الثقب الأسود فائق الكتلة. لذا، يساهم الثقب الأسود بمقدار ضئيل من السحب الثقالي في نقطة معطاة في المجرة عدى عندما تكون قريبة جدًا منه (أي حيث تكون النسبية العامة مهمة).

لذلك لا يمكن أن تكون الثقوب السوداء هي سبب دوران المجرة: ببساطة هي صغيرة جدًا، وبعيدة جدًا عن معظم المجرة لفعل ذلك. نعتقد أن سبب دوران المجرات الحلزونية هو قانون حفظ الزخم الزاوي (angular momentum) الذي ينص على أن الأشياء الكبيرة التي تدور بشكل ضئيل والتي تتحول لأشياء صغيرة، يجب أن تتحول لأشياء صغيرة تدور بشكل أسرع بدلاً من ذلك.

تعمل الثقوب السوداء على مراكمة المادةَ في مركز المجرة (بمعدل غير معروف)، والذي يعني أنها تصبح ذات كتلة أكبر كلما مرّ الوقت. ومما سبق، فإنه علاوة على ذلك، لا يعني هذا أن معدل دوران المجرة يزداد. هذا يعني أن السنة المجرية، أو الوقت الذي يلزم نجماً قريباً من مركز المجرة لإكمال دورة واحدة حول المركز، لا تتأثر بوجود الثقوب السوداء.

كل هذا مؤسف لحد ما بالنسبة لنا، في الحقيقة: إن كان معدل دوران المجرات ازداد بسبب الثقوب السوداء فائقة الكتلة، فيمكننا أن نبحث عن هذا الازدياد واستخدامه لرصد الثقوب السوداء. فالثقوب السوداء، علاوة على ذلك، صعبة الرصد في مركز المجرة لأن تأثيراتها محلية للغاية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الزّخم الزاوي (كمية الحركة الزاوية) (angular momentum): هي كمية فيزيائية تساوي حاصل ضرب كتلة جسم ما يدور في مدار ما بسرعته ونصف قطر مداره. وطبقا لمبدأ حفظ الزخم الزاوي، يجب أن يبقى الزخم الزاوي لأي جسم دائر ثابتا في جميع نقاط المدار، بمعنى أنها كمية محفوظة فيزيائيا فلا يمكن أن تفنى أو تنشأ من العدم. وإذا كان المدار اهليلجيا فإن نصف القطر سيتغير، وبما أن الكتلة ثابتة، وحسب المبدأ السابق، فان السرعة ستتغير، هذا يعني أن الكواكب في المدارات الاهليلجية ستكون أسرع عند الحضيض وأبطأ عند الأوج، وتمتلك الأجسام التي تدور حول نفسها أيضا زخما زاويا مغزليا.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات