نظريات المؤامرة: بين الحقيقة والوهم   الرياضيات تملك الإجابة

نرى في الصورة رائد الفضاء باز ألدرين Buzz Aldrin وهو يحيي العلم الأميركي على سطح القمر، وذلك خلال بعثة أبولو 11 بتاريخ 20 يوليو/تموز من سنة 1969. 

المصدر: NASA


وفقاً لصيغة رياضية وضعها عالم فيزياء، فإن نظريات المؤامرة العديدة التي نسمع بها مثل الحديث عن هبوط وهمي على سطح القمر أو علاج مخفي لمرض السرطان، لو كانت حقيقية بالفعل، سيتم إثبات صحتها بعد مضي 5 سنوات فقط على إخفائها المزعوم عن عامة الناس. 

يبدو ديفيد روبرت غرايمز David Robert Grimes، وهو زميل أبحاث ما بعد الدكتوراة في جامعة أكسفورد حيث يدرس السرطان، معتاداً على سماع نظريات المؤامرة. فقد شملت كتاباته لصحيفة الغارديان وإذاعة أخبار بي بي سي موضوعات مثيرة للجدل تفوح منها رائحة المؤامرة بما في ذلك المثلية الجنسية وتغير المناخ وفلورة المياه. 

ويقول غرايمز، في مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع موقع LIVE SCIENCE: "التهمة القائلة بوجود عدد من المؤامرات الخاصة بالأمور العلمية هو أمر رائج جداً، وحتماً أولئك الذين يختلقون هذه التهم سينتهي بهم المطاف باتهام أحدهم بقول الهراء أو بأنه عميل لكيان شرير". أقدَم أصحاب نظريات المؤامرة كرد فعل على كلام غرايمز على تهديده، حتى أنهم حاولوا عزله عن منصبه الأكاديمي. جعلت هذه الجلبة كلها غرايمز يتساءل عن سبب التأثير القوي للمؤامرات على الكثير من الناس، واحتمالات كونها صحيحة. 

اعتمد غرايمز في الدراسة الجديدة على أربعة من نظريات المؤامرة الشائعة وهي: تزوير وكالة ناسا للهبوط على سطح القمر في سنة 1969 خلال مهمة أبولو 11، وأن التغير المناخي الناجم عن النشاطات البشرية ليس حقيقياً، وأن اللقاحات ليست آمنة، وأن شركات الأدوية تخفي علاج السرطان عن عامة الناس. 

ابتكر غرايمز معادلة رياضية لمعرفة المدة التي يمكن فيها إخفاء هذه الأمور عن الناس (بافتراض أنها حقيقية طبعاً). وبالطبع، وضع غرايمز في حسبانه عدداً من الأمور من قبيل عدد الأشخاص المتورطين، واحتمال تسرب المعلومات (سواء عن قصد أو عن طريق الخطأ)، ومقدار الجهد اللازم لإبقائها مخفية.

بهدف تقدير احتمالات كشف أي شخصٍ لأنشطة سرية، درس غرايمز ثلاث مؤامرات فعلية تم كشفها ألا وهي: برنامج مراقبة وكالة الأمن الوطني الذي كُشف عنه في عام 2013 من قبل المقاول إدوارد سنودن Edward Snowden من وكالة الأمن القومي. إضافة إلى تجربة توسكيجي للزهري والتي تم فيها حرمان المشاركين في التجربة والذين يعانون من هذا المرض من علاج جديد بالبنسلين، وقد تم الكشف عن هذه التجربة من قبل بيتر باكستين Peter Buxtun عام 1972.

 

وأخيراً، اختبارات الطب الشرعي الزائفة لمكتب التحقيقات الفيدرالي والتي أسفرت عن احتجاز رجال أبرياء وحتى إعدام بعضهم بسبب جرائم لم يرتكبوها. استغرق الأمر ست سنوات قبل أن يتم فضح القضية، مما يعني أن الأمر استغرق 31 سنة لكشف المؤامرات الثلاث على التوالي. وجد غرايمز باستخدام هذه الأرقام أن احتمالات تسرب حقيقة هذه المؤامرات، سواء بصورة عرضية أو بشكل متعمد، يمكن أن تكون منخفضة إلى حدود 4 بالمليون تقريباً.


بعد ذلك، عمل غرايمز على حساب إمكانية نجاح المؤامرات الأربعة. استخدم أفضل السيناريوهات للمؤامرات، أي بتورط أقل عدد ممكن من الأشخاص الذين ربما يفضحون مثل هذه المؤامرات السرية. كان للهبوط على سطح القمر أفضلية على السيناريوهات الثلاثة الأخرى لأنه يمكن أن يحدث دون الحاجة إلى الاستعانة بمتآمرين جدد للحفاظ على الخدعة - هذا يعني أن الأشخاص الوحيدين الذين يكتمون الأسرار سيتناقص عددهم مع مرور الوقت. 

وبالأخذ بعين الاعتبار ذروة أعداد العاملين في وكالة ناسا منذ عام 1965 (411000 شخص تقريباً)، إضافة لحقيقة أن المتورطين سوف يموتون في نهاية المطاف، فإن خدعة الهبوط على سطح القمر ستستمر لأقل من أربع سنوات وفقاً لحسابات غرايمز. في النهاية، توصّل غرايمز إلى أنه لو تورط أكثر من 650 شخصاً في خدعة الهبوط على سطح القمر وإبقائها سراً، فإن الموضوع سيكشف في نهاية المطاف. 

توصل غرايمز باستخدام نفس المعادلة ولكن بعد تعديلها لتتناسب مع أعداد المتآمرين الإضافية، إلى أن "كذبة" التغير المناخي ستستمر لما يقارب الـ 27 عاماً وذلك في حال كان العلماء متورطين في إخفاء الموضوع، ولكنها ستستمر لأقل من أربع سنوات فقط في حال مشاركة الهيئات العلمية.

أما بالنسبة لمؤامرة لقاحات التطعيم، فإنها ستستمر لما يقارب الـ 35 عاماً إذا اقتصرت على مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية، ولكن ستكشف في ثلاث سنوات وشهرين في حال مشاركة شركات الأدوية. وأخيراً بالنسبة لمؤامرة إخفاء علاجٍ السرطان التي تشارك فيها شركات نوفارتيس، فايزر، روش، سانوفي، ميرك، جونسون وجونسون، جلاكسو سميث كلاين وأسترا زينيكا، فإنها ستكشف بعد حوالي ثلاث سنوات وثلاثة أشهر أيضاً.

على الرغم من أن كلام غرايمز يبدو موجهاً بصورة مباشرة إلى عقول المؤمنين بنظرية المؤامرة، فإنه يبقى واقعياً حيال النتائج التي يمكن توقعها. 

يقول غرايمز: "أعتقد أن المؤمنين الحقيقيين بتلك المؤامرات لن يغيرو رأيهم أبداً. فعلى حد قول ليون فستنغر Leon Festinger، 'يصعب تغير الرجل الذي يحمل في نفسه قناعة'". ويضيف: "وفي حين أن هؤلاء الناس يبدون مؤمنين بشكل إيديولجي بقصةٍ معينة، فإنني آمل أن تساعد الورقة الأشخاص الأكثر عقلانية والذين ربما سمعوا بعض الادعائات ويريدون التـأكد من احتمال أن تكون صحيحةً أم لا". 

ما يقلق غرايمز بكشل أساسي هو الأساطير والمؤامرات التي يمكن أن تسبب ضرراً خطيراً، مثل المشككين في التغير المناخي والحركة المناهضة للتطعيم. حيث ستتسبب زيادة أعداد الناس الذين يمتنعون عن تلقيح أطفالهم، في انهيار ما تسمى بمناعة الجماعة (herd immunity)، حيث يوفّر تطعيم (لقاح) يعطى لجزء كبير من الناس قدراً من الحماية للأفراد الذين لا يتمتعون بالمناعة. يسعى غرايمز من خلال هذا البحث إلى تقليل عدد المؤمنين بنظرية المؤامرة، وإرشادهم إلى معتقدات تستند إلى أساس علمي. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات