اكتشاف تأثيرات جديدة لرحلات الفضاء على أجسامنا

إذا أرادت الإنسانية تحقيق طموحها في السفر إلى كوكب المريخ أو غيره في النظام الشمسي، فإن إحدى التحديات التي عليها مواجهتها هي المحافظة على صحة جيدة لأطول فترة ممكنة في الفضاء. تستغرق الرحلة إلى كوكب المريخ 150 يومًا على الأقل وفقًا لتوقعات ناسا، ويُعتبر هذا وقتًا طويلًا تتعرّض فيه أجسامنا لأشياء (كالأشعة الكونية) بعيدًا عن الحماية التي يوفرها لنا المجال المغناطيسي للأرض.

وللأسف فإن بعض البحوث الأخيرة عن تأثيرات قضاء الوقت في الفضاء توصّلت إلى نتائج غير إيجابية. وكشفت دراسة حديثة أن الفئران التي كانت على متن "طائرة أطلانتس الفضائية" عادت إلى الأرض بمؤشرات بداية مرض الكبد، مع العلم أن هذه الحيوانات كانت خارج الكوكب لفترة أقل من أسبوعين. 

بعد 13 يومًا ونصف على متن المركبة خلال رحلتها الأخيرة عام 2011، أجرى فريق من العلماء دراسة على الفئران، وكان من هؤلاء العلماء الفيزيائية وأخصائية التخدير "كارين جونزشير" Karen Jonscher من جامعة "كولورادو". ووجد هذا الفريق بأن وقتًا قصيرًا في رحلة فضائية كافٍ لتفعيل خلايا خاصة في الكبد يمكنها تحفيز تشكّل الندبات والتسبب في تلفٍ طويل الأمد للكبد.

قالت جونزشير: "لم تكن لدينا المعلومات الكافية فيما يخص تأثير رحلات الفضاء على الكبد قبل هذه الدراسة. يعود رواد الفضاء من رحلتهم وهم يعانون من أعراض تشبه داء السكري، ولكّنهم عادةً يستعيدون صحتهم بسرعة". 

خلافًا للدراسات الأخرى التي حللت تأثيرات الأشعة الكونية على أدمغة الفئران لترى كيف أن التواجد في الفضاء قد يؤثر على القدرات العقلية للحيوانات، لا يعتقد الباحثون في هذه الدراسة أن سبب حالة التلف هذه هو الأشعة. 

السبب على الأغلب هو النقص النسبي للجاذبية في بيئة الجاذبية الميكروية الذي يعتقد العلماء بأنّ له تأثيرًا سلبيًا على أيض الحيوانات. 

قالت جونزشير: "لقد رأينا بدء نشوء تلف الكبد في غضون 13 يومًا ونصف فقط. وقد فقدت الفئران أيضًا كتلة من الحجم العضلي، ورأينا هذه الظاهرة نفسها عند الإنسان بحالة الاستراحة في الفراش حيث تضمُر العضلات وينحلّ البروتين إلى حموض أمينية. والسؤال هنا: كيف يؤثر كل هذا على الكبد؟".

عند مقارنة نماذجٍ من الفئران المسافرة في الفضاء مع مجموعة أخرى على الأرض، كانت النتيجة بأن عينات من الفئران المسافرة أظهرت مؤشرًا على تزايد مخزون الدهون في أكبادهم مع مستويات منخفضة من الريتينول retinol -وهو شكل من أشكال فيتامين A في الحيوانات- وأظهرت النتائج أيضا تغيرًا في مستويات الجينات التي تساعد على تفكك الدهون. 

إذا جمعنا كل هذه النتائج فسنجد أنها مؤشرات لـ "مرض الكبد التشحمي غير الناتج عن استهلاك الكحول" NAFLD، ومؤشرات مبكرة لاحتمالية مرض التليّف الكبدي. وإن أكثر ما يدعو للقلق في النتائج التي ذكرت في مقال "بلوس ون" PLOS ONE هو التطور السريع لهذه الأعراض عند الحيوانات خلال فترة زمنية قصيرة. 

قالت جونزشير: "يستغرق نشوء التليّف الكبدي في الفئران عادة وقتًا طويلًا، لشهور وسنوات، حتى وإن كانت تتبع نظامًا غذائيًا غير صحي. إذا كانت مؤشرات نشوء التليّف الكبدي بدون أي تغيير في الطعام تظهر على الفئران بعد 13 يومًا ونصف فما الذي سيحدث للإنسان إذًا؟".

و بما أن ناسا على علم ببعض الأخطار التي تسببها حقول الجاذبية المتغيرة على جسم الإنسان -بوضعها في المرتبة الأولى من قائمة العوامل التي قد تؤثر على صحتنا حين نتواجد في الفضاء- فإن تلفَ الكبد ليس من الأخطار المُبلغ عنها، وهذا يدلّ على حاجتنا للتعمق أكثر في هذا المجال.

بالطبع إن أحد أهم الأهداف العلمية لرائد الفضاء "سكوت كيلي" Scott Kelly من خلال قضائه سنة كاملة في الفضاء، كان الفرصة الفريدة لاكتشاف ما الذي تفعله رحلة طويلة كهذه خارج الكوكب على جسم الإنسان، والمقارنة مع أخيه التوأم الرائد السابق "مارك كيلي" Mark Kelly بوصفه العنصر المقارن على الأرض.

إن التأثير الأبرز والأسرع (والمؤقت) الذي تمت ملاحظته هو نمو طول سكوت كيلي بمقدار خمسة سنتيمترات (2 إنش) خلال تلك السنة، وذلك بسبب بيئة الجاذبية المنخفضة داخل محطة الفضاء الدولية – علمًا أن البحث الذي تجريه ناسا على صحة التوأم سيطول.

سيحتاج العلماء في الوقت الحالي للقيام بالمزيد من الأبحاث لقياس نسبة تلف الكبد المحتمل الذي تسببه رحلات الفضاء على الفئران والإنسان على حد سواء. وبصرف النظر عن أي إجراءات تقنية من الممكن القيام بها في محاولة لتخفيض أو تخفيف الأخطار الصحية الناجمة عن رحلات الفضاء، يعترف الباحثون بأنّ الوضع قد لا يكون قاسيًا كما هو الحال في نتائج المرحلة الأولى.

وأخيرًا قالت جونزشير: "يبقى السؤال مفتوحًا للنقاش فيما إذا كانت هذه النتائج تشكل مشكلة أم لا. علينا دراسة فئران تقضي وقتًا أطول في رحلات الفضاء لنرى فيما إذا كانت هناك آليات تعويضية يمكننا استخدامها لحمايتها من تلف خطير".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات