كيف يتفهم الإنسان الآخرين؟

ليس من الضروري أن يكون الناس الذين يتعاطفون مع غيرهم بسهولة متفهمين للآخرين بشكل جيد. بل على العكس؛ فالتعاطف الزائد قد يعيق التفهّم، وذلك ما أثبتته دراسة أجراها علماء نفسيون من مدينتي فورتسبورغ ولايبزيغ الألمانيتين.


تخيل بأن أعز أصدقائك أخبرك بأن حبيبته اقترحت عليه مسألة "البقاء مجرد صديقين"، فعليك الآن أن تحقق شيئين: أولهما أن تفهم بأن المغزى من هذا الطلب الجميل ظاهريًا هو أنها تريد أن تنفصل عنه، ثانيًا عليك أن تشعر بصديقك وتواسيه.


التعاطف والقدرة على تفهم ما يعرفه الآخرون، وما يخططون له، وما يريدونه هما أمران مترابطان. وأحيانًا تثبط إحدى هاتين المهارتين الأخرى
التعاطف والقدرة على تفهم ما يعرفه الآخرون، وما يخططون له، وما يريدونه هما أمران مترابطان. وأحيانًا تثبط إحدى هاتين المهارتين الأخرى
بحث علماء النفس آني بوكلر Anne Böckler، وفيليب كانسكي Philipp Kanske، وماتس تراوتفين Mathis Trautwein، وفرانكا باريانن ليسيمان Franca Parianen-Lesemann، وتانيا سينغر Tania Singer في مسألة ما إذا كان التعاطف و تفهم الحالة العقلية للأشخاص الآخرين (عَقلُ الآخرين mentalizing others) بمعنى آخر، القدرة على فهم ما الذي يعرفه، ويخطط له، ويفهمه الغير- أمرين متعلقين ببعضهما أم لا.

الورقة المنشورة


تعمل آني بوكلر كبرفسورة مبتدئة في معهد علم النفس التابع لجامعة فورتسبورغ منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015. وقد سبق وأن عملت، عندما كانت في مرحلة ما بعد الدكتوراه، في قسم العلوم العصبية الاجتماعية في معهد ماكس بلانك لعلوم المعرفة البشرية والدماغ، في لايبزيغ، وهوالمكان الذي أدارت فيه الدراسةَ مع زملائها في العمل. و قام العلماء بعرض نتائج عملهم في الدورية العلمية "Social Cognitive and Affective Neuroscience".

وأوضحت آني: "يعتمد التعامل الاجتماعي الناجح على قدرتنا على الشعور بالآخرين و فهم أفكارهم و نواياهم" وقالت بأنه لم يكن واضحًا في السابق ما اذا كانت هاتان المهارتان مرتبطتين وإلى أي حد يصل هذا الارتباط - أي ما إذا كان الناس الذين يتعاطفون مع الآخرين بسهولة قادرين على فهم أفكارهم ونواياهم أم لا. فبحسب البرفسورة المبتدئة أن العلماء قد بحثوا أيضًا فيما إذا كانت شبكات الخلايا العصبية مسؤولة عن تفاعل هذه القدرات.

النتائج


بإمكاننا استخلاص اﻷجوبة من الدراسة التي قام بها كل من آني بوكلر وفيليب كانسكي وزملائهم في معهد ماكس بلانك في لايبزيغ ضمن إطار الدراسة واسعة النطاق بقيادة تانيا سينغر و التي تضمنت 200 مشارك. أمكنت الدراسة للعلماء من إثبات أنه ليس من الضروري أن يكون الناس الذين يميلون للتعاطف متفهمين للآخرين بشكل جيد على الصعيد الفكري المعرفي، ولذلك فإن المهارات الاجتماعية تبدو مرتكزة على قدرات متعددة ومستقلة عن بعضها نوعًا ما.

وتوصلت الدراسة أيضًا إلى تضمين جديد من حيث كيفيةُ تنسيق الشبكات المختلفة في الدماغ، موحية بذلك أن الشبكات مهمة للتعاطف، ولتعامل الناس مع بعضهم البعض، ذلك التعامل الذي يأخذ بالاعتبار المنظور الفكري المعرفي للشخص الآخر. وفي اللحظات العاطفية جدًا - مثلًا عندما يتحدث شخص ما عن وفاة شخص مقرب- فيمكن أن يكون للجزيرة( insula) وهي جزء من الشبكة المتعلقة بالعاطفة في الدماغ) أثر مثبط عند بعض الناس، على المناطق الدماغية المهمة في تفهم منظور الآخرين. وهذا بدوره يمكن أن يجعل من التعاطف الشديد سببًا لإعاقة التفهم الاجتماعي.

الدراسة


شاهد المساهمون في الدراسة عددًا من الفيديوهات المتعاقبة كان فيها الراوي عاطفيًا إلى حد ما، وبعد ذلك كان عليهم ان يقيّمو شعورهم و مدى شفقتهم تجاه الشخص الموجود في الفيلم. ثم أجابوا عن بعض الأسئلة المتعلقة بالفيديو- مثلًا ما هو الأمر الذي يُحتمل أن يكون هؤلاء الأشخاص قد فكَّروا به، أو عرفوه أو قصدوه. وبعد تعريف اﻷشخاص ذوي المستوى المرتفع من العاطفة، نظر علماء النفس إلى نسبتهم ضمن المشاركين في الإختبار الذين كان لهم نتائج سيئة أو جيدة في من حيث أخذهم للمنظور الفكري المعرفي بالاعتبار- و بالعكس. وراقب العلماء مناطق الدماغ الفعالة في تلك الأثناء مستخدمين التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي functional magnetic resonance imaging.

المغزى


يعتقد المؤلفون أنَّ نتائج هذه الدراسة مهمة لكل من علوم الأعصاب والتطبيقات الطبية فمثلا، يقترح المؤلفون أن التدريبات التي تهدف إلى تحسين المهارات الاجتماعية، والإرادة للتعاطف و القدرة على تفهم الآخرين على المستوى الفكري المعرفي، والأخذ بمنظورهم يجب أن يعزَّزْ كل منها بشكل انتقائي ومنفصل عن الآخر. تعمل المجموعة الموجودة في مركز العلوم العصبية الاجتماعية في لايبزبغ حاليًا على هذا الموضوع بالضبط، وذلك في إطار مشروع ReSource وتحديدا كيفية تمرين مهارات اجتماعية مختلفة.

نشرت الدراسة بعنوان "هل تكون عملية العقل والتفهم لدى أصحاب الشعور القوي أفضل؟ إثبات عن الاستقلالية و التفاعل بين طرق الإدراك الاجتماعي". ومؤلفوها هم: فيليب كانسكي و ان بوكلر و فأين ماثيس تروتوين و فرانكا هابريانن ليسيمان و تانيا سينغر. نشرت في دورية Social Cognitive and Affective Neuroscience.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات