هل يمكن التخلص من المخلفات النووية برميها في الشمس؟


إنها لفكرة ممتعة! فعند سماعنا بها لأول مرة، قد نعتقد أنها طريقة رائعة للتخلص من شيء سام. في النهاية، ما الذي يمكن أن يدمر الأشياء بشكل أكبر من حرقها في مفاعل نووي عملاق يبعد 90 مليون ميل عنا؟ ربما لا شيء. لكن، دعنا نتعمق قليلاً بالكيفية التي يمكن أن يعمل فيها اقتراح مثل هذا، ونستعرض بعض المخاطر المخفية المحتملة.


أولاً، بما أن التخلص من النفايات النووية ما زال تحدياً قائماً، يجب أن نعلم أن تحقيق هذا الأمر بالحقيقة ليس مشكلة كبيرة كما يعتقد معظم الناس! قام موقع XKCD بعمل مقال مذهل "ماذا لو" بخصوص طريقة "التخزين الرطب" (wet storage)، والتي هي الطريقة التي يخزن فيها معظم الوقود النووي في الولايات المتحدة حالياً. اتضح أن إبقاء قضبان الوقود المستهلكة في قاع حوض ماء عادي (في حال كان جيد الحفظ ويخضع لحراسة مكثفة) كافٍ لضمان عدم تسببها بأي أذى. يتم ذلك حالياً بترك القضبان مدة طويلة في مكان تخزين رطب لتبرد، حتى يمكن نقلها لمكان إقامة دائم يسمى بمكان التخزين الجاف (dry storage). بالرغم أن هذه الطريقة هي الطريقةَ المفضلة، حيث تتطلب موارد وصيانة فاعلة بشكل أقل، لا يوجد أي خطأ حقيقي في ترك القضبان في مكان التخزين الرطب للأبد. لكن لنفترض أننا قررنا في يوم من الأيام التخلص منها تماماً، فقمنا بإخراجها من مستوعب التخزين الرطب، وأخذناها إلى مستودع ساخن مذيب للمواد أبعد من مستوعب التخزين الجاف، ألا وهو الشمس!


حالما نبدأ، فإن أول مشكلة ستواجهنا لتنفيذ الخطة هي التكلفة. حالياً، يكلف كل رطل نريد إرساله للفضاء 10000 دولار تقريباً، وهذا فقط لوضعه في مدار منخفض حول الأرض (حيث توجد محطة الفضاء الدولية ومعظم الأقمار الصناعية)، إرسال شيء للشمس سيكون حتى مكلفاً أكثر، لأننا سنحتاج لشحن الوقود اللازم لقطع كل طريق الخروج من بئر الطاقة الكامنة الأرضي[1] (earth's potential well) ،بدلاً عن حاجتنا فقط للدوران بسرعة كافية حول الأرض لتجنب السقوط إليها مجدداً كما هو الحال في المدارات المخفضة، للعلم، عدد قليل فقط من الأشياء التي صنعها البشر كانت قد غادرت بئر الطاقة الكامنة الأرضي -حتى رحلة القمر لم تكن واحدة منها، (عندما تأخذ بعين الاعتبار أن القمر يدور حول الأرض سيكون الأمر منطقياً بالنسبة لك).


لكن لنكن كرماء ونلتزم بالـ 10000دولار، بافتراض أن تدابير التقليل من الحجم ستقوم بالاعتناء بتكاليف الوقود الإضافي، بالإضافة إلى أنه لا يجب أن تصل حمولتنا للشمس حسب جدول زمني وموعد محدد، أضف بأنه عندما تكون المواد خارج بئر الطاقة الكامنة الأرضي فإن حتى دفعة صغيرة في الاتجاه الصحيح ستقوم بوضع المواد المراد ترحيلها في مسار نهايته الاصطدام مع الشمس (وذلك لأنه لا يوجد احتكاك في الفضاء لإبطائها).

 

ولكن حسناً، ما هو مقدار كمية النفايات الفضائية الذي نتحدث عنه هنا؟ يشير هذا التقرير الصادر عن مكتب المحاسبة العمومي أو اختصاراً (GAO ) في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الوقود النووي المستهلك يتراكم حول معدل قدره 2000 طن في السنة. بما أن الطن يساوي 2205 رطل، يعني أن العملية ستكلف 22،050،000 دولار تقريباً لإرساله إلى الفضاء. قم بضرب ذلك الرقم بـ2000 وستجد التكلفة المقدرة 44 مليار دولار (رقم يزيد عن ضعف ميزانية ناسا السنوية قليلاً).


بالرغم من أنه مبلغ كبير، إلا أنني كنت مندهشاً عندما اكتشفت توافره بشكل كبير! كنت أتوقع مبلغاً أكبر من المبالغ التي ننفقها حالياً، بالمقارنة بميزانية الجيش السنوية، هذا المبلغ عملياً مجرد نقطة من دلو.


بالرغم من ذلك، هناك بعض المشاكل، واحتمالية وقوع حادث ليست أصغرها. سيتطلب برنامج مثل هذا صواريخ تغادر الأرض كل عدة أيام لتتمكن من متابعة إرسال الـ2000 طن السنوية، وبالرغم من أننا جيدون في إرسال الأشياء للفضاء سالمة، إلا أن الأخطاء في الحساب والحوادث تحدث. كارثة مكوك الفضاء تشالنجر Challenger كانت سيئة بشكل كافي، وحادثة مثل هذه ستضع الدولة في موقف محرج، فإمكانية حدوث شيء مشابه يعمل على نشر النفايات النووية عبر الأرض أكثر من كافي للحرص على إبقاء هذا الاقتراح غير مفعل.


في النهاية، يبدو أن الموضوع في الغالب لا يستحق عناء المحاولة، خصوصاً عندما يكون هناك العديد من الخيارات للتخلص من النفايات النووية. بالرغم من ذلك، وبدافع الفضول، أعتقد أنه سيكون من الممتع إجراء حساب تقريبي لرؤية ما إذا كانت هذه العملية موفرة للطاقة، وذلك كالتالي: هل قضبان الوقود النووي غير المستهلكة تحتوي طاقة كافية لإيصال نفسها للفضاء، أو هل تؤكد قوانين الفيزياء أن هذا سيكون مضيعة للوقت؟


حسب ويكيبيديا، تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية 4،686،400،000 ميجا واط- ساعة من الكهرباء في السنة، 20% منها تقريباً يأتي من الطاقة النووية. هذا يخبرنا بأن الـ 2000 طن من الوقود المستهلك والمتراكم في كل سنة يساهم بـ20% من ذلك الرقم، أو 937،300،00 ميجا واط-ساعة.


الواط هو وحدة القدرة، أو الطاقة مقسومة على وحدة الزمن. المصباح المقدر بـ 60 واط يستخدم 60 جول من الطاقة كل ثانية. الميجا واط هو مليون جول من الطاقة لكل ثانية، والميجا واط-ساعة هو عدد الجولات التي تستخدم من قبل جهاز مزود بطاقة ميجا واط يعمل على مدى ساعة كاملة. وبما أن هناك 3600 ثانية في الساعة، نستنتج أن ميجا واط-ساعة يساوي 3600 ميجا جول. بضرب الرقم الذي في الأعلى بهذا الرقم، نجد أن الوقود النووي المقدم للولايات المتحدة سنوياً يحمل 3.4∗10^18 جول من الطاقة.


إذاً، هل هذا كافٍ لإرسال 2000 طن من الوقود النووي المستهلك إلى الفضاء؟ يبدو وكأنه سيكون أمراً صعب الاستنتاج، لكن تستطيع الفيزياء تزويدنا بقليل من الاختصارات.
نحن نعلم أن السرعة اللازمة للإفلات من الأرض تعتمد على كتلتها الثقالية، في الحقيقة هي مساوية لمقدار سرعة شيء يتحرك ساقطاً إلى الأرض من بعد لا نهائي. لذا لوضع شيء في مكان بعيد بشكل كاف عن الأرض حيث لا يقع للأرض مجدداً عليه أن يبدأ بالحركة بسرعة 25000 ميل في الساعة. بمعرفة أن الطاقة الحركية تعطى بالمعادلة التالية K=(1/2)∗M∗v^2 (حيث M هي الكتلة، و v هي السرعة المتجهة) نجد أن 2000 طن من قضبان الوقود المستهلك والتي تتحرك بسرعة 25000 ميل في الساعة (مشهد مشابه لـ 2 مليار كغ تتحرك بسرعة 11,176 متر في الثانية) تمتلك طاقة حركية تساوي 1.25∗10^14 جول.

 

وبالرغم من أن 1.25∗10^14 تبدو جزءًا كبيرًا من 13.4∗10^18، هي في الحقيقة أقل من جزء واحد من عشرين ألف! حسب وجهة النظر تلك، هذه ليست بفكرة سيئة، لكن معظم المشاكل المتعلقة بأمور مثل السفر عبر الفضاء لا ترتبط بالحصول على الطاقة، لكن بتحويلها للنوع المناسب من الطاقة بطريقة آمنة. نتمنى لو كانت هناك طريقة لاستخدام الطاقة النووية نفسها في دفع المركبات الفضائية.


_____________
[1] بئر الطاقة الكامنة الأرضي (earth's potential well): مصطلح يمثل المنطقة التي تمتلك الجاذبية الأرضية تاثيرًا على الأجسام التي فيها.

 


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات