آلاف الخنازير البرية المشعة تقتحم فوكوشيما.. ولا أحد يعلم كيفية إيقافها

صورة: حقوق الصورة feathercollector/Shutterstock.com 

من الحشرات المتحوِّلة ورجال الإنقاذ الآليين المحطمين، إلى المدارس التي تغزوها شباك العنكبوت والتي لم يمسها أحدٌ منذ سنوات، لا تُظهر منطقة الإخلاء في فوكوشيما - وهي موقع واحدةٍ من أسوأ الكوارث التي شهدها القرن الحادي والعشرين- أي إشارةٍ لاستعادة أي مظهرٍ من مظاهر صلاحية السكن. للبشر على الأقل.


ذكرت التقارير أن الخنازير البرية تزدهر في مناطق الإخلاء حول محطة الطاقة النووية في فوكوشيما دياتشي Fukushima Daiichi، والتي اختبرت انهياراتٍ متعددةً بعد تعرُّض المنطقة لموجة تسونامي سببها زلزال، وذلك في عام 2011. والآن، تغزو هذه الخنازير الأراضي الزراعية المجاورة، محدثةً أضرارًا في محاصيل المزارعين تتجاوز قيمتها 900,000 دولار أميريكي (أي ما يعادل 98 مليون ين). 


كيف أصبحت الأمور بهذا السوء؟ حسنًا، في ظل ظروفٍ طبيعية، فإن أعداد هذه الخنازير كانت ستبقى تحت السيطرة بفضل الصيادين المحليين، مع قيام مجلة تايمز اليابانية The Japan Times بوصف لحوم الخنازير - بما فيها لحم الخنزير البري- بأنها: "اللحوم الأكثر شعبية لدى الأمة".


ولكن المشكلة تتمثل في أن هذه الخنازير البرية قد تلوَّثت بالسيزيوم137، وهي مادة إشعاعية يبلغ نصف عمرها ثلاثين سنة، سببها تناول هذه الحيوانات لنباتاتٍ وحيواناتٍ صغيرةٍ موجودةٍ بقرب منطقة الإخلاء، والآن لن يقترب منها الصيادون.


قال أوكيودا كيتوكيونين Okuda Keitokunin للصحافة المحلية، وهو الأستاذ المساعد في علم البيئة بمعهد النشاط الإشعاعي البيئي Environmental Radioactivity Institute التابع لجامعة فوكوشيما: "لقد استغلت الخنازير البرية - إلى جانب حيوانات الراكون- منطقة الإخلاء، إذ دخلت المنازل الخالية في المناطق التي تضررت من [الكارثة]، واتخذت منها أماكن للتكاثر أو جحورًا لها".


والآن، ولأنها تتكاثر بلا قيود، فقد تضاعفت أعداد الخنازير البرية بمعدل 300% منذ الكارثة، من حوالي 3000 إلى 13000 خنزير، وهي الآن تتدفق إلى المزارع المجاورة لتهلك المحاصيل وتتلفها عن آخرها.


لم تعد السلطات قادرةً على التفكير في كيفية احتواء قوة هيجان الخنازير المشعة، وفي تقريرٍ له في صحيفة واشنطن بوست يقول الصحفي ترافيس أندروس Travis Andrews: "هذه الحيوانات غير صالحةٍ للاستهلاك البشري، الأمر الذي يخلق مشكلة جديدة، حيث يمكن للصيادين أن يحاولوا تقليص أعدادها، ولكن عليهم التخلص من جثثها".


وفقًا لأستاذ الحياة البرية والمسامك الزراعية والآلية wildlife and Fisheries بجامعة Texas A&M University في تكساس بيلي هيغنبوتام Billy Higginbotham، فإن متوسط حجم ذكر الخنزير يبلغ حوالي 200 بوند (90 كيلوغرام)، وبأخذ هذا المتوسط بعين الاعتبار، فإنه إذا ما تمَّ قتل 13000 خنزير، سيتكدس لدى الصيادين حوالي 2600000 بوند (1179340 كيلوغرام) من اللحم الخطير الذي يجب التخلص منه".


يلقي الصيادون بجثث الخنازير المشعة في ثلاث مقابر جماعية مخصصة لهذا الغرض في مدينة نيونماتسو Nihonmatsu المجاورة، ولكنها لا تتسع سوى لاستيعاب حوالي 600 فقط من هذه المخلوقات الضخمة، ويعاد ملؤها سريعًا.


قال تسونيو سايتو Tsuneo Saito لصحيفة سنداي تايمز The Sunday Times، وهو صياد خنازير محلي: "عاجلًا أم آجلًا سنضطر لنطلب من السكان المحليين إعطاءنا أراضيهم لنستخدمها، إذ لا يوجد بالمدينة أراضٍ لا تشغلها المنازل".


الحل الأكثر منطقيةً عندما تمتلئ تلك المقابر الجماعية عن آخرها، هو حرق بقية الجثث المشعة، ولكن لا يمكننا حرق اللحوم الملوثة بهذه البساطة، فنحن بحاجةٍ لمنشأةٍ خاصةٍ قادرةٍ على تصفية المواد المشعة، بحيث لا تمتصها الأرض من جديدٍ عن طريق جزيئات الدخان. 


يقول أندروس في تقريرٍ له، إن منشأةً كهذه توجد في مدينة سوما Soma المجاورة، ولكنها "تستوعب ثلاثة خنازير فقط في اليوم الواحد (أي 21 في الأسبوع، ما يعني 1092 فقط في كل السنة، وهو رقمٌ لا يزال بعيدًا عن 13000".


إلى الآن، هذا أقرب حل للمشكلة قد توصَّل إليه المزارعون المحليون، والصيادون، والسلطات. 


وفي حين أن الانهيارات النووية أحداث مأساوية بالنسبة للبشر، وتتسبب في فقدان الحياة والمنازل وضياع مصادر الرزق، إلا أن الكثير من أنواع الحيوانات البرية قد تكيفت بسهولةٍ في أماكن يخشى أن يطأها البشر. 


فكما نقلنا في تقريرٍ في أكتوبر/تشرين الأول، إن أعداد الأيائل، والغزلان، والذئاب، والدببة، والوشق، والخنازير البرية، تزدهر في منطقة الإخلاء في تشرنوبل بعد مضي عقودٍ على الانهيار، ببساطة، بسبب عدم وجود تدخل من قبل الإنسان.


نقلت سارة كابلان Sarah Kaplan لصحيفة الواشنطن بوست، أن عدد بعض هذه الفصائل الحيوانية تضاعف في السنوات الأخيرة، وقد أخبرها توم هنتون Tom Hinton، الخبير في علم البيئة الإشعاعي من جامعة فوكوشيما Fukushima University: "أنَّ خبر الحياة البرية التي بدأت تزدهر عندما هجر البشر المنطقة عام 1986، لم يكن بالخبر الخارق، ولكن الأمر المفاجئ هنا، أنَّ الحيونات تمكنت من التكاثر حتى في منطقةٍ تعدُّ من بين المناطق الأكثر تلوثاً بالإشعاعات في العالم". 


وفي أثناء ذلك، لا تشكل الخنازير المشعة المشكلة الوحيدة التي يتوجب على السلطات المحلية في فوكوشيما التعامل معها، فما يزال هناك الكثير من المياه الملوثة التي تتسرب من محطة الطاقة، ولا أحد متأكدٌ تمامًا من كيفية التخلص من التريتيوم المشع الذي يستخرجونه منها.


هناك أمر واحدٌ مؤكد -لم تشهد الإنسانية كارثةً كهذه مطلقًا، وما زال علينا انتظار مضي سنواتٍ طويلةٍ قبل أن ينتهي هذا الكابوس للناس الذين يحاولون العيش في المنطقة. كل ما يمكننا فعله، هو أن نأمل أن يتمكن العلم من تقديم بعض الحلول لهذه المعضلة.


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات