ما العلاقة بين أكبر خريطة للكون والقوة الأكثر غموضاً فيه؟

تمثل الصورة شريحة مقتطعة من خريطة هيكلية واسعة النطاق للكون أنتجها مسح للسلون الرقمي للسماء وبرنامج المسح الطيفي للاهتزازات الباريونية التابع له. تدل كل نقطة في هذه الصورة على موقع لمجرة تبعد 6 مليار سنة ضوئية في الماضي. تغطي الصورة حوالي 1/20 من السماء، وهي شريحة من الكون بعرض 6 مليار سنة ضوئية ، وارتفاع 4.5 مليار سنة ضوئية، وسماكة 500 مليون سنة ضوئية.
تعتمد مدلولات الألوان على بعد المجرات عن الأرض، بدءاً من الأصفر على الجانب القريب وصولاً إلى اللون الأرجواني على الجانب البعيد.
مصدر الصورة : Daniel Eisenstein and SDSS-III.


وضع فريق دولي من علماء الفلك أكبر خريطة ثلاثية الأبعاد للمجرات البعيدة في محاولة لمساعدتهم على فهم إحدى أكثر القوى غموضاً في الكون. وقد أمضى العلماء، ومن بينهم فريق يقوده الدكتور فلوريان بوتلر Florian Beutler من معهد جامعة بورتسماوث لعلوم الكون والجاذبية، عقداً من الزمن في جمع قياسات 1.2 مليون مجرة كجزء من المسح السماوي الرقمي الثالث للسماء "سلون"، أو اختصاراً (SDSS-III).

ستسمح لهم هذه الخريطة بإجراء قياسات ستعتبر هي الأكثر دقة حتى الآن للطاقة المظلمة (dark energy) وهي القوة التي تقود التوسع المتسارع للكون. يقول الدكتور بوتلر: "تمثل هذه الخريطة الثلاثية الأبعاد الشديدة التفصيل كمية هائلة من العمل. وقد عملت جامعة بورتسماوث مع عدد من المؤسسات الشريكة لمدة عشر سنوات، مما ساعدهم على جمع قياسات لمجرات تشكل ربع السماء."

ويتابع قائلاً: "باستخدام هذه الخريطة سنكون قادرين على إجراء قياسات للطاقة المظلمة بأكثر دقة ممكنة، وقياس الدور الذي تلعبه في التوسع الكوني." أجريت القياسات الجديدة من قبل برنامج المسح الطيفي للاهتزازات الباريونية (Baryon Oscillation Spectroscopic Survey)، واختصاراً (BOSS) وهو برنامج تابع لـ SDSS III.

ونتيجة لحالة الشد والجذب التي تمثل الحرب المستمرة بين المادة المظلمة والطاقة المظلمة (dark matter)، ستسمح الخريطة التي أنتجها BOSS لعلماء الفلك بقياس معدل توسع الكون، وبالتالي تحديد كمية المادة والطاقة المظلمة التي تشكل الكون في وقتنا الحاضر.

وقدمت هذا الأسبوع مجموعة من الأوراق البحثية التي تصف هذه النتائج إلى مجلة "Monthly Notices of the Royal Astronomical Society". يقيس BOSS معدل توسع الكون من خلال تحديد حجم التذبذبات الصوتية الباريونية، أو اختصاراً BAO (باو)، ضمن التوزع الثلاثي الأبعاد للمجرات.ويُقاس حجم باو الأصلي من خلال موجات الضغط التي سافرت عبر الكون اليافع وصولاً إلى هذه المرحلة التي بلغ فيها عمره 400 ألف سنة فقط (عمر كوننا حالياً 13.8 بليون سنة)، وعند هذه النقطة أصبحت الموجات مجمدة ضمن توزع المادة في الكون. حيث سيتمكن علماء الفلك من خلال قياس توزع المجرات منذ ذلك الوقت بالتبين من مدى تنافس المادة المظلمة والطاقة المظلمة للتحكم بمعدل التوسع الكوني.

وبما أن الهدف كان قياس حجم هذه الموجات العملاقة القديمة بتلك الدقة العالية، فقد توجب على برنامج الBOSS إنشاء خريطة لم يسبق لها مثيل، بل وأكبر بعدة مرات من تلك التي أنشأتها الاستطلاعات السابقة.

عندما خطط لإنشاء برنامج BOSS، كان قد حدد مسبقاً أن للطاقة المظلمة تاثيرا كبيرا على توسع الكون بدءاً من حوالي 5 مليار سنة. وهكذا صمم برنامج BOSS لقياس ميزة (باو) من قبل هذه النقطة (7 مليار سنة) وصولاً إلى فترة أقرب من يومنا هذا (2 مليار سنة).

حّول مسح السلون الرقمي للسماء وبرنامج المسح الطيفي للاهتزازات الباريونية صورة ثنائية الأبعاد للسماء (على اليسار) إلى خريطة ثلاثية الأبعاد تمتد على مسافة مليارات السنين الضوئية، كما هو موضح هنا من منظوري (وسط ويمين الصورة). وتشمل هذه الخريطة 120 ألف مجرة على مساحة 10٪ من مساحة المسح. تتوافق المناطق الأكثر سطوعاً مع مناطق من الكون التي تحوي مجرات أكثر، وبالتالي مع المناطق الأكثر تواجداً للطاقة المظلمة..   حقوق الصورة : Jeremy Tinker and SDSS-III
حّول مسح السلون الرقمي للسماء وبرنامج المسح الطيفي للاهتزازات الباريونية صورة ثنائية الأبعاد للسماء (على اليسار) إلى خريطة ثلاثية الأبعاد تمتد على مسافة مليارات السنين الضوئية، كما هو موضح هنا من منظوري (وسط ويمين الصورة). وتشمل هذه الخريطة 120 ألف مجرة على مساحة 10٪ من مساحة المسح. تتوافق المناطق الأكثر سطوعاً مع مناطق من الكون التي تحوي مجرات أكثر، وبالتالي مع المناطق الأكثر تواجداً للطاقة المظلمة.. حقوق الصورة : Jeremy Tinker and SDSS-III


يقول الدكتور بوتلر : "إذا كانت الطاقة المظلمة هي التي حركت التوسع الكوني خلال ذلك الوقت، فإن خريطتنا أخبرتنا أنه حدث ببطء شديد، هذا إذا كان قد حدث بالفعل. إذ أن هذا التغيير هو 20% على الأكثر على مدى 7 مليار سنة التي مضت."

أضافت الدكتورة ريتا توجيرو Rita Tojeiro، من جامعة سينت أندروز، وهي شريكة في المشروع: "نحن نرى صلة هامة بين بصمات الموجة الصوتية المشاهدة في الخلفية الكونية الميكروية بعد 400 ألف سنة من الانفجار العظيم (Big Bang) وصولاً إلى فترة تشكل عناقيد المجرات أي بعد 7-12 مليار سنة تلت".

وتتابع: "إن القدرة على مراقبة التأثير الفيزيائي الواحد الظاهر جيداً منذ إعادة دمجه حتى اليوم هو نعمة كبيرة لعلم الكون."

وتكشف الخريطة أيضاً عن الأثر المميز للحركة المترابطة للمجرات نحو مناطق من الكون ذات المادة الأكثر، وذلك بسبب قوة سحب الجاذبية. إلا أن الأمر الأهم أن مقدار الخطأ الملاحظ فسّر جيداً من قبل تنبؤات النسبية العامة. ويدعم هذا التوافق فكرة تقول أن تسارع معدل التوسع تحركه ظاهرة هامة على أكبر المقاييس الكونية، كالطاقة المظلمة، بدلاً من انهيار نظرية الجاذبية.

وأضاف الدكتور جيريمي تينكر JeremyTinker من جامعة نيويورك: " لقد حقق مسح برنامج BOSS إنجازاً هاماً على مستوى علم الكون، إذ جمع بين قياسات التكتلات الدقيقة للحجم الهائل مع عمليات رصد مكثفة للخلفية الكونية الميكروية-الأولية، وذلك لإنتاج منصة ثابتة للبحث عن ملحقات أو امتدادات للنموذج الكوني القياسي".
وأضافت: " إننا نتطلع كثيراً إلى تمديد هذا البرنامج مع قدوم العقد القادم من المسوحات الطيفية الضخمة."
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • الطاقة المظلمة (Dark Energy): هي نوع غير معروف من الطاقة، ويُعتقد بأنه المسؤول عن تسارع التوسع الكوني.

اترك تعليقاً () تعليقات