قلب بلوتو الجليدي تسبب في تحطيمه

من المؤسف أنّ بلوتو لم يعد كوكباً بعد الآن، فهو شديد البعد عن الشمس وشديد البرودة وشديد الوحدة، ورغم أنه ما زال يمتلك أقماراً، لكن من يأبه بشأن تلك الأقمار السخيفة ذات الرؤوس الحمراء؟ وليس من العجب أنّ أهمّ معالمه الجيولوجية هو قلبٌ عملاقٌ مكونٌ من الجليد، لكن ذاك القلب في الواقع عبارة عن حوض مغطى بالجليد والنتروجين يدعى سبوتنيك بلانيتيا Sputnick Planitia ويمتد لمسافة 1000 كم، ليس مجرد دلالة على حاجة بلوتو لبعض الحب!

ويغري سبوتنيك بلانتيا العلماء منذ مطلع التسعينات حيث كان مجرد بقعة ساطعة ضبابية على فقاعة مكونة من نقاط صغيرة للغاية، وإن قوة جذب ذاك المَعلم الشبيه بالقلب كبيرة جداً لدرجة أنها قد تكون أخرجت الكوكب بأكمله عن مساره الطبيعي. وقد نشرت مجلة Nature اليوم ورقتين علميتين تقدمان دليلاً يدعم النظرية القائلة بأن كتلة سبوتنيك بلانيتيا أزاحت محور بلوتو، مما يجعل ذلك القلب مسؤولاً عن توجه بلوتو نحو شارون Charon، وتفسر الاضطراب الجيولوجي الذي ما زال نشطاً للكوكب القزم.

 

لكن الورقتين تختلفان حول كيفية اكتساب بلوتو لكامل كتلته، حيث تنص إحداهما على أن وزنه نشأ من المواد المتطايرة المتجمدة التي تراكمت على سطحه كالنتروجين، أما الورقة الأخرى فتجادل بشأن محيط مائي عملاق يقع في باطنه. ما يعني فقط فيما يخص العلماء أن الوقت قد حان لإرسال مكوك إلى هناك لجمع مزيد من البيانات. 

لقد أثار سبوتنيك بلانيتيا اهتمام العلماء عندما كانت بعثة نيو هورايزنز New Horizons مجرد اقتراح، حيث يقول ألان ستيرن Alan Stern الباحث الرئيسي في نيو هورايزنز: "كنا نعلم أن بلوتو لا يمتلك منحنى ضوئياً معقداً فحسب، بل ثمة أيضاً بقعة ساطعة كبيرة عليه، لكننا لم نعلم سبب ذلك فحددنا هدف البعثة باستكشاف تلك البقعة".

 

ومنذ التحليق الجديد لنيوهورايزنز بات العلماء يعرفون أكثر بكثير عن تلك البقعة الساطعة، مثل أن سبوتنيك بلانيتيا عبارة عن حوض متراصّ ذي غطاء جليدي فائق الكتلة من النتروجين المتنقّل، لكن لطالما كان مصدر الاهتمام الأساسي هو موقع سبوتنيك بلانيتيا.

ويقع سبوتنيك بلانيتيا على النقطة من بلوتو المعاكسة لشارون، فإذا رسمت خطاً يبدأ من القمر الأكبر لبلوتو ومددته ليصل إلى الكوكب القزم ستجد نفسك في وسط الحوض الجليدي. يقول جيمس كين James Keane المرشح لدكتوراه علم الكواكب في جامعة أريزونا وكاتب الورقة التي تجادل لصالح التراكم النتروجيني: "حيثما نشاهد معالم جيولوجية ضخمة تصطفّ بمحاور خاصة، فإننا نبدأ بالاشتباه بعمليات انحراف قطبي حقيقي".


هنا أمرٌ ينبغي معرفته بشأن الأجرام الهائلة في الفضاء، حيث أنها تفضل الدوران بالطريقة الأسهل بالنسبة لها، فإذا حدث خلل مفاجئ في توزّع الوزن فإنها ستميل على الأرجح. يقول كين: "الأمر أشبه بحرف الأرباع للعبة الفريزبي فسيغير الجرم طريقة دورانه ويحرفه على الجانب"، وهذا ما يبدو أنه ربما حدث لبلوتو في حال ازداد وزن سبوتنيك بلانيتيا واختلّ توازن دورانه. وتقترح ورقة كين أن السبب قد يكمن في الحركة الموسمية لقطع الجليد المتطايرة حول سطح بلوتو، فقد يميل النتروجين للتدفق بشكل مائل. 


وبخلاف الأرض، فإن درجة الحرارة تنخفض على سطح بلوتو كلما ازددت عمقاً مما يجعل من سبوتنيك بلانيتيا مصيدة برودة تتسبب في تجمّد المواد المتطايرة وبقائها في مكانها.


لكن ذلك لا يحلّ كل الأمور، حيث يقول فرانسيس نيمو Francis Nimmo أحد علماء الكواكب في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، وكاتب الورقة الثانية: "المشكلة في أنها عبارة عن حفرة في الأرض فالمتوقع هو نقصان الكتلة وليس ازديادها، لذا يجب ابتكار طريقة لإخفاء تلك الكتلة الإضافية". إن وجود محيط باطني سيخفي قدراً كبيراً من الكتلة بالتأكيد.

يرى نيمو أن نظرية كين حول المادة المتطايرة الموسمية سخيفة ويطرح فكرة نشاط مائي محيطي، فعندما يرتطم جسم ضخم بالقشرة الجليدية سيحدث فيها ثلماً. إن كتلة سبوتنيك بلانيتيا قد تزداد في حال كان الشيء الموجود تحت السطح أياً كان أشد كثافة من النتروجين والماء المتجمّد. وتنصّ نظرية نيمو على أن الماء السائل والذي هو أشد كثافةً من الماء المتجمد سيؤمن ما يكفي من الكتلة لحل اللغز، عندها سيكون هناك كميتان من الكتلة الإضافية من الأعلى والأسفل.

إذاً، من أين يأتي الماء على كوكب قزم كبلوتو الذي يشتهر بكونه أشبه بكرة جليدية؟ يقول ستيرن: "ثمة رابط بين درجة الحرارة والضغط فكلما ازددت عمقاً تزداد درجة الحرارة، وكلما تعمقت أكثر فأكثر داخل قشرة الماء الجليدي سيزداد الضغط والحرارة وبالتالي سيتحول إلى الماء السائل".

بفضل نيوهورايزنز، بات العلماء يعرفون أن جليد بلوتو متوزع بتساوٍ شديد. عندما كان بلوتو وشارون أقل عمراً وكانا يدوران بنشاط أكبر نوعاً ما يفترض أن الزخم الزاوي angular momentum قد دفع كتلة الكوكب القزم باتجاه خط الاستواء محدثاً انتفاخاً فيه، لكن بلوتو لا يحوي انتفاخاً مماثلاً الأمر الذي سيكون منطقياً برأي نيمو إذا وجد محيط جوفيّ.


إضافة لذلك، يتمّ وصم بلوتو بهذه الفوالق التوسعية الغريبة التي تقترح أنّ سطحه دُفع خارجاً بقوة قد يكون مصدرها محيط مائي توسّع نتيجة تجمّده ليغدو ماءً جليدياً أقل كثافة، وربما نتيجة كابوس راود "كتهولهو" وهذه مجرد تساؤلات لا أكثر. 


على أي حال، هذا هو سبب وجود سبوتنيك بلانيتيا. يقول كين: "إذا كان الأمر مجرّد محيط تجمد للخارج، فإن توجهات الفوالق ستكون عشوائية، أما عندما نأخذ بالاعتبار إعادة توجه بلوتو سيتشكل ضغط أيضاً ويكون التوجه واحداً". 

النتيجة: فوالق بلوتو تتفرع خارجةً من سبوتنيك بلانيتيا وإعادة التوجه صفر أساس. إذاً ما سبب أهمية قيام قلب بلوتو الثقيل بجذبه نحو محور مدّي؟ حسناً، مع توفّر دليل إضافي على وجود محيط مائي أصبح لدى الباحثين البلوتونيين دافع أكبر للإصرار على إرسال مكوك إلى هناك لإثبات وجوده، لكنه أيضاً يمنح العلماء سبباً إضافياً للاستمرار في البحث أكثر وأكثر في الفضاء.


يقول كين: "هذا دليل آخر يبيّن أنه كلما زرنا عدداً أكبر من أجسام حزام كايبر Kuiper belt كلما وجدنا أنها نشطة للغاية". ومن وجهة نظر جيولوجية، قد يكون بلوتو وقلبه باردين وجليديين لكنهما ليسا ميتين قطعاً.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الزّخم الزاوي (كمية الحركة الزاوية) (angular momentum): هي كمية فيزيائية تساوي حاصل ضرب كتلة جسم ما يدور في مدار ما بسرعته ونصف قطر مداره. وطبقا لمبدأ حفظ الزخم الزاوي، يجب أن يبقى الزخم الزاوي لأي جسم دائر ثابتا في جميع نقاط المدار، بمعنى أنها كمية محفوظة فيزيائيا فلا يمكن أن تفنى أو تنشأ من العدم. وإذا كان المدار اهليلجيا فإن نصف القطر سيتغير، وبما أن الكتلة ثابتة، وحسب المبدأ السابق، فان السرعة ستتغير، هذا يعني أن الكواكب في المدارات الاهليلجية ستكون أسرع عند الحضيض وأبطأ عند الأوج، وتمتلك الأجسام التي تدور حول نفسها أيضا زخما زاويا مغزليا.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات