تأكيد جديد للنسبية العامة

إن كنت تريد التمحيص حقاً في حدود نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين، فهناك أساس تجريبي عليك معرفته على الرغم من بُعدِه قليلاً.

يحتضن مركز مجرتنا الذي يبعد 26 ألف سنة ضوئية تقريباً عن الأرض ثقباً أسوداً هائلاً ذي كتلة تُعادل 4 ملايين مرة كتلة الشمس، ولأول مرة الآن يرصد العلماء بدقة مدارات النجوم حول هذا الفراغ العملاق حيث تشير النتائج إلى أن آينشتاين كان على حق طوال الوقت.

تنبأت جاذبية نيوتن قبل آينشتاين بقليل أنّ الأجسام الفلكية تدور حول بعضها البعض بحيث تتناسب قوة الجذب مع كتلة كل منها، ولكن النسبية العامة لآينشتاين التي توصل إليها عام 1915 افترضت أن الجاذبية أكثر تعقيداً من ذلك، حيث تنتج عن انحناء المكان والزمان، فوفقاً لآينشتاين تحني الأجسام الضخمة كالنجوم والكواكب نسيج الزمكان من حولها بنفس الطريقة التي تحني فيها كرة البولينج الثقيلة غشاء الترامبولين، وقد ساعدت هذه الفكرة في شرح عدة أمور بما في ذلك مدار عطارد غير المتناسق حول الشمس. 

ولكن الآن، وبعد أكثر من 100 عام على الاختبار الأوّلي للنسبية العامة، تحقق باحثون من المرصد الأوروبي الجنوبي فيما إذا كانت النظرية تصمد أمام ظاهرةٍ أكثر تحدياً، موقع الجاذبية الأكثر قوةً في مجرتنا ألا وهو الثقب الأسود الهائل في مركز مجرة درب التبانة والمعروف أيضاً باسم ساجيتارياس أ (Sagittarius A). 

قام الباحثون بتحليل بيانات 20 عاماً من الرصد بواسطة التلسكوب الكبير جداً (VLT) ومصادر أخرى لتحليل حركة ثلاث نجومٍ حول ساجيتارياس أ Sagittarius A، وتبين أن حركة أحد هذه النجوم المسمى (S2) لا تتوافق مع تنبؤات جاذبية نيوتن.

حيث يدور (S2) والذي تعادل كتلته 15 ضعف كتلة شمسنا حول ساجيتارياس أ في مدار إهليجي مرةً كل 16 عاماً تقريباً، ومرّة في كل دورة، حيث يمر النجم على مسافةٍ قريبةٍ جداً من الثقب الأسود الهائل، بحوالي 17 ساعة ضوئية وهي تُعادل 120 ضعف المسافة بين الشمس والأرض، إذ يؤثّر هذا القرب الشديد على مسار (S2) حول ساجيتارياس أ مُحدِثاً انحرافاً حذقاً (كما هو واضح في الصورة أدناه) في كل دورةٍ، وهذا ما لا يتوافق مع فيزياء نيوتن، إنما يتوافق مع النسبية العامة لآينشتاين.

قال أندرياس إيكارت Andreas Eckart من جامعة كولونيا في ألمانيا لموقع Gizmodo: "إن هذا اختبار تطابق في الأساس الآن، فقد تفحصنا البيانات بما توقعناه حسب النسبية العامة، ورأينا مؤشرات قوية جداً على حصولنا على الجواب المتوقع."

إنها نتيجةٌ هائلة، ولكن كما صرّح أحد الباحثين، فإنها نتيجة تمهيديةٌ فقط في الوقت الحالي، وذلك بسبب الدقة المحدودة التي توفرها بيانات الرصد القديمة المستخدمة في الدراسة، وحقيقة أنه ليس من السهل رصد الظواهر التي تحدث على بُعد 26 ألف سنة ضوئية.

وتابع إيكارت: "لاختبار ما إذا كان هناك انتهاك للنسبية العامة، يجب أن يكون لديك إشارة أفضل بكثير إلى نسبة الضوضاء".

ولكن لحسن الحظ هناك مؤشر أملٍ، فلن ننتظر طويلاً قبل حصولنا على فرصةٍ لاختبار أطروحة آينشتاين بشكلٍ نهائي، ففي عام 2018 سيمر النجم على أقرب مسافة له من ساجيتايتاريس أ، كما سيكون بامكان العلماء رصده.


هذه المرة، سيكون لدينا لمحة أفضل من أي وقتٍ مضى عن الأقواس المدارية، وذلك بفضل أداة الجاذبية المتقدمة التي من شأنها تمكين التلسكوب الكبير جداً (VLT) من قياس حركة النجم على نحو أدق مما كان ممكناً حتى الآن، وبعبارة أخرى، النجم موائم، ونحن نملك التقنيات، والفُرص أفضل مايمكن.

نشرت النتائج في مجلة الفيزياء الفلكية (The Astrophysical Journal).

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات