هل يُمكننا السفر من سيدني إلى لندن في ثلاث ساعاتٍ فقط؟
سيساعد تطوير نوعٍ جديدٍ من السيراميك القادر على مقاومة درجات الحرارة المرتفعة جدًا في القضاء على عقبةٍ رئيسيةٍ تعيق تحقيق حلم السفر الجوي بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت.
يوجد الكثير من الاستخدامات الممكنة للمواد القادرة على تحمل درجة الحرارة البالغة 3000 درجةٍ مئويةٍ (حوالي 5400 درجة فهرنهايت)، وخصوصًا في التقنيات العسكرية والفضائية.
صمّم باحثون من جامعة مانشستر University of Manchester وجامعة الجنوب الأوسط Central South University أو اختصارًا CSU في الصين، طلاءً من السيراميك يقاوم مشكلتين من أكبر المشاكل الناجمة عن التعرّض لدرجات الحرارة المرتفعة، وهي السحل ablation والأكسدة oxidation.
ويُقصد بالسّحل تعريض المادة إلى درجة حرارةٍ مرتفعةٍ بما فيه الكفاية، مما يؤدي إلى تذبذب جزيئاتها وتفكّكها وتناقصها، وخصوصًا إذا كانت سرعة هذه الجزيئات كبيرة.
أما الأكسدة فهي التفاعل مع الأوكسجين الذي ينتج عنه تغيير في البنية الجزيئية.
ولكي تتحرك الطائرة بسرعةٍ تفوق سرعة الصوت دون احتراقها، ستحتاج إلى حماية أجزائها من درجات الحرارة العالية الناجمة عن ضغط الهواء ومن الاحتكاك مع الهواء وخصوصًا حوافها الأمامية.
ومن المحتمل أن تصل درجات الحرارة إلى 3000 درجةٍ مئويةٍ (5400 درجة فهرنهايت)، عند سرعاتٍ تفوق سرعة الصوت والتي تتراوح بين 6174 و 12348 كيلومترًا في الساعة (من 3836 إلى 7673 ميل في الساعة).
سيُحدِث سفر الركاب من لندن إلى نيويورك في غضون ساعتين ثورةً في عالم النقل الجوي، وهو حلمٌ يمكن القول أن بالإمكان تحقيقه في العقد القادم.
وبغض النظر عن كون الأمر مجديًا تجاريًا، وخاصةً أن ذكريات كونكورد Concorde لا تزال في أذهاننا، فإن مشكلة الحرارة المزعجة هي إحدى القضايا التقنية العديدة التي تحتاج إلى حل.
ويتمثّل الحل الحالي لهذه المشكلة في تغطية الطائرة بالسيراميك فائق الحرارة ultra-high temperature ceramics أو اختصارًا UHTCs، وهو عبارةٌ عن مادةٍ صلبةٍ غير معدنيةٍ تبقى مستقرةً في درجات الحرارة التي تتجاوز 2000 درجةً مئويةً (أي حوالي 3600 درجة فهرنهايت).
ويستخدم كربيد الزركونيوم (Zirconium carbide (ZrC، وهو سيراميك فائق الحرارة، عادةً في تغطية ريشة المثقب وأجزاء المحرّك وأقسامٍ من المَركبات الأسرع من الصوت.
ويُعتبر ثنائي بوريد الزركونيوم (Zirconium diboride (ZrB2 مركبًا آخر يمكن استخدامه في طلاء الطائرات المقاوم لدرجات الحرارة المرتفعة، وبالإضافة إلى كونه مقاومًا للأكسدة عند درجات الحرارة التي تصل الى 1500 درجةٍ مئويةٍ (2700 درجة فهرنهايت)، فهو أيضًا منخفض الكثافة وقليل التكلفة نسبيًا.
ولسوء الحظ، فإن البورون boron الموجود في ثنائي بوريد الزركونيوم ZrB2 يجعله عرضةً للسّحل عند تأكسد ذراته، وفي حال تضرّر جزءٌ من هذه المادة فإن النتائج ستكون كارثيةً.
وهذا ما لا نريده عند التحليق جوًا بسرعة الصوت Mach 5.
وَجد هذا البحث مادةً واعدةً بشكلٍ جديدٍ من كربيد السيراميك carbide ceramic، تقاوم درجات الحرارة المرتفعة الناتجة عن التحليق جوًا بسرعةٍ تتجاوز سرعة الصوت.
ويقول الباحث الرئيسي بينغ شياو Ping Xiao من جامعة مانشستر: "إن السيراميك فائق الحرارة الحالي المرشَّح استخدامه في البيئات شديدة الظروف محدودٌ، ومن الأجدر البحث عن سيراميك أحادي الطور جديدٍ أفضل من حيث قلة تبخره ومقاومته للأكسدة".
ويتابع قائلًا: "بالإضافة إلى ذلك، فقد تبيّن أن إدخال هذا السيراميك إلى موادٍ مركبةٍ ذات مادةٍ رابطةٍ من الكربون المعزّزة بألياف الكربون carbon fibre- reinforced carbon matrix composites، قد يكون وسيلةً فعّالةً لتحسين مقاومة الصدمات الحرارية".
يتكوّن الطلاء من خليط الكربيد الرباعي quaternary carbide الذي يتكون من الزركون zircon، والتيتانيوم titanium، والكربون carbon، والبورون boron، حيث يترسّب على مركب الكربون من خلال عمليةٍ تُسمّى تسرّبٌ مصهورٌ تفاعليٌّ reactive melt infiltration.
وعلى الرغم من أنّ لدى هذه المادة خصائص مماثلةً لغيرها من السيراميك فائق الحرارة، إلا أنّ تركيز البورون المنخفض نسبيًا يجعلها أقل عرضةً للسّحل في حين تساعد بنية الكربون على منع الصدمة الحرارية التي تفكك المواد مثل ثنائي بوريد الزركونيوم.
وكتب الباحثون في تقريرهم: "تشير النتائج التجريبية المعروضة هنا إلى أنّ طلاء الكربيد يقاوم السّحل بشكلٍ أفضل عند درجات الحرارة التي تتراوح بين 2000 و3000 درجةٍ مئويةٍ من السيراميك فائق الحرارة المرشَّح استخدامه حاليًا مثل الكربيد الذي أساسه الزركونيوم، ومركبات ثنائي البوريد والمركبات الأخرى ذات درجات الحرارة المرتفعة.
في الواقع إن المادة الجديدة أفضل بـِ 12 مرةً من ثنائي بورويد الزركونيوم في مقاومة السّحل.
ولكن هذا لا يعني أننا سنقوم بالتسوّق قريبًا في نصف الكرة الآخر بعد الظهيرة. من المرجَّح أن هذا النوع من التقنية سيُستخدم في التطبيقات العسكرية أو الفضائية قبل تمكّننا من ركوب الطائرات الأسرع من الصوت. ومع ذلك، فهذه خطوةٌ نحو تحقيق هذا الحلم.
نشر هذا البحث في Natural Communications.