يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
هل سيحل الضوء مكان الأسلاك على رقائق السيليكون؟

مصدر الصورة: CC0 Public Domain

تحقّقت زيادةٌ هائلةٌ في أداء الحوسبة في العقود الأخيرة من خلال ضغط مزيد من الترانزستورات في حيّزٍ أصغر على رقائق دقيقةٍ.

ومع ذلك، فقد عنى هذا التقليص أيضًا تجميع الأسلاك داخل المعالجات الدقيقة بشكلٍ أكثر إحكامًا من أيِّ وقتٍ مضى، ما يؤدي إلى آثارٍ مثل خسارة الإشارة بين المكوّنات، ما يمكن أن يُبطئ الاتصالات بين أجزاءٍ مختلفةٍ من الشريحة. هذا التأخير، والمعروف باسم عنق زجاجة الاتصال الداخلي "interconnect bottleneck"، يصبح مشكلةً متزايدةً في أنظمة الحوسبة عالية السرعة.

ووفقًا لبابلو جاريلو هيريرو Pablo Jarillo-Herrero، أستاذ الفيزياء المشارك من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "إحدى طرق التحايل على عنق زجاجة الاتصال الداخلي interconnect bottleneck هي استخدام الضوء بدلًا من الأسلاك للاتصال بين أجزاء مختلفة من الشريحة. وهذه ليست مهمةً سهلةً، حيث إن السيليكون، وهو المادة المستخدمة لصناعة الرقائق، لا يصدر الضوء بسهولة".

وفي أطروحةٍ نُشرت في دورية Nature Nanotechnology، يصف الباحثون باعثًا وكاشفًا للضوء يمكن دمجه في رقائق سيليكون من أنصاف النواقل المكمّلة لأكاسيد المعادن Complementary Metal-Oxide Semiconductor ويُرمز لها اختصارًا CMOS. المؤلّف الأول للأطروحة هو الأستاذ الدكتور يا-تشينغ بي Ya-Qing Bie من MIT، وقد انضم إليه جاريلو هيريرو وفريقٌ متعدد التخصصات بما في ذلك ديرك إنغلوند Dirk Englund، وهو أستاذٌ مساعدٌ في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

صُنع الجهاز من مادةٍ من أنصاف النواقل تُدعى ديتيليورايد المولبيدينيوم (وهي مركبٌ يتألف من المولبيدينيوم بنسبة 27.32% والتيلورايد بنسبة 72.68% وصيغتها MO Te 2) تنتمي هذه المادة من أنصاف النواقل الرقيقة جدًّا إلى مجموعةٍ ناشئةٍ من المواد تُعرف باسم الكالكوجينات الثنائية للمعادن الانتقالية ثنائية الأبعاد dichalcogen (هي العناصر الواقعة في المجموعة السادسة عشرة، وهي كافة عناصر المجموعة عدا الأكسجين والكبريت) والكالكوجينات هي كافة عناصر المجموعة.

ويقول جاريلو هيريرو: "خلافًا لأنصاف النواقل التقليدية، يمكن أن تتجمع المادة أعلى رقائق السيليكون. لطالما حاول الباحثون العثور على موادَّ متوافقةٍ مع السيليكون، لجعل الإلكترونيات الضوئية والاتصالات البصرية على رقاقةٍ، ولكن حتى الآن ثبت أن هذا صعبٌ جدًّا. فعلى سبيل المثال، إن زرنيخيد الغاليوم جيدٌ جدًّا للبصريات، ولكن لا يمكن أن يُزرع على السيليكون بسهولةٍ، وذلك لعدم توافق هذين المركبين من أنصاف النواقل".

ويقول جاريلو هيريرو: "وعلى النقيض من ذلك، يمكن لديتيليورايد المولبيدينيوم ثنائي الأبعاد الاتصال ميكانيكيًا بأيّ مادةٍ". ومن الصعوبات الأخرى المتمثّلة بدمج أنصاف نواقلَ أخرى مع السيليكون هي أن المواد عادةً ما تصدر الضوء في نطاقٍ مرئيٍّ، ولكن السيليكون عند هذه الأطوال الموجيّة يمتصّ الضوء ببساطةٍ.

يصدر ديتيلورايد الموليبدينوم الضوء في نطاق الأشعة تحت الحمراء، والتي لا يمتصها السيليكون، وهذا يعني أنه يمكن استخدامها للاتصالات على الرقاقة. ولاستخدام المادة كباعثٍ للضوء، كان على الباحثين في البداية تحويله إلى وصلة ثنائي (ديود P-N)، وهو مكونٌ يكون فيه أحد الأطراف، وهو P، مشحونًا إيجابيًا، في حين أن الطرف الآخر، الجانب N، سالب الشحنة.

في أنصاف النواقل التقليدية، يحدث ذلك عادةً عن طريق إدخال الشوائب الكيميائية في المادة. مع هذا الصنف الجديد من المواد ثنائية الأبعاد، يمكن القيام بذلك ببساطةٍ عن طريق تطبيق جهدٍ عبر أقطاب البوابة المعدنية الموضوعة جنبًا إلى جنبٍ أعلى المادة.

يقول جاريلو-هيريرو: "هذا إنجازٌ كبيرٌ، لأنه يعني أننا لا نحتاج إدخال الشوائب الكيميائية في المادة للحصول على الديود، إذ يمكننا تحقيق ذلك كهربائيًا". وبمجرّد الحصول على الديود، مرّر الباحثون تيارًا عبر الجهاز، مما تسبّب في انبعاث الضوء منه.

يقول جاريلو-هيريرو: "إذًا فمن خلال استخدام الثنائيات المصنوعة من ديتيلورايد الموليبدينوم سنتمكن من تصنيع ثنائياتٍ باعثةٍ للضوء (LEDs) متوافقةٍ مع رقائق السيليكون". ويمكن أيضًا تغيير الجهاز للعمل بمثابة كاشف ضوئي "photodetector"، عن طريق عكس قطبية الجهد المطبّق على الجهاز. وهذا يؤدي إلى توقف توصيل الكهرباء إلى أن يُسلّط الضوء عليه ثانيةً، عندها يمرّ التيار من جديد. وبهذه الطريقة، ستتمكن هذه الأجهزة من العمل على كلٍّ من إرسال الإشارات الضوئية واستقبالها.

وكما يصرح هيريرو: "الجهاز هو إثباتٌ للمفهوم، ولا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيّن القيام به قبل تطوير التكنولوجيا لتصبح منتَجًا تجاريًا". ويقوم الباحثون الآن بالبحث عن موادَّ أخرى يمكن استخدامها للاتصالات الضوئية على الرقاقات.

ويستطرد هيريرو: "على سبيل المثال، تعمل معظم أنظمة الاتصالات باستخدام ضوءٍ بطولٍ موجيٍّ يبلغ 1.3 أو 1.5 ميكرومتر، لكن ديتيلورايد الموليبدينوم يصدر الضوء بطولٍ موجيٍّ يبلغ 1.1 ميكرومتر. ما يجعله مناسبًا للاستخدام في رقائق السيليكون الموجودة في أجهزة الكمبيوتر، ولكنه غير ملائم لأنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية".

يتابع جاريلو: "نرغب بشدةٍ بتطوير مادةٍ مماثلةٍ يمكنها أن تصدر الضوء وتكشفه عند طول موجي 1.3 أو 1.5 ميكرومتر، حيث تعمل الاتصالات من خلال الألياف البصرية". ولتحقيق هذه الغاية، يتحرّى الباحثون مادةً أخرى رقيقةً جدًّا تُسمى الفوسفور الأسود، يمكن ضبطها لإصدار الضوء عند أطوالٍ موجيةٍ مختلفةٍ عن طريق تغيير عدد الطبقات المستخدمة. و يتطلعون إلى تطوير الأجهزة مع العدد اللازم من الطبقات للسماح لها بإصدار الضوء عند هذين الطولين الموجيين مع بقائها متوافقةً مع السيليكون.

ويختم جاريلو-هيريرو: "الأمل هو أنه إذا تمكننا من التواصل على الرقاقة عبر الإشارات الضوئية بدلًا من الإشارات الإلكترونية، سنصبح قادرين على القيام بذلك بسرعةٍ أكبر، بينما نستهلك طاقةً أقل".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أشباه الموصلات (أو أنصاف النواقل) (semiconductor): وهي مواد ذات مقاومة كهربائية ديناميكية بمجال بين مقاومة الموصلات ومقاومة العوازل، بحيث ينتقل التيار الكهربائي فيها عبر تدفق الالكترونات إلى القطب الموجب وتدفق للثقوب باتجاه القطب السالب (الثقب هنا موضع لإلكترون متحرّر)، من أهم تطبيقاتها: الترانزستور والثنائيات الباعثة للضوء

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات