وفقاً لأحدث وأدق قياس للمادة المضادة، فإن الكون لا ينبغي أن يوجد!

أظهرت نتائج دراسة أجريت حديثاً لمقارنة البصمات الطيفية لمجموعة من ذرات الهيدروجين مع مجموعة من ذرات الهيدروجين المضاد أنهما متطابقتان جداً، حيث كانت نسبة الخطأ أو الاختلاف في هذه النتائج لا تتجاوز 2 بالتريليون.

وإن تبين فيما بعد أنها مختلفة قليلًا (2 في الترليون)، فقد يكون لدى الفيزيائيين أخيراً طريقة لتفسير سبب احتواء كوننا على مادة أكثر من المادة المضادة. ولكن برغم أهمية هذه النتائج، إلا أن واحداً من أكبر ألغاز العلم لا يزال بلا حل.

لقد كان الاكتشاف نفسه محطمًا للأرقام القياسية بالفعل، إذ قيست الأمواج الضوئية لحوالي 15000 ذرة من الهيدروجين المضاد في تحليل غير مسبوق لخصائصها الطيفية.

ويمثل تصنيع كل ذرات الهيدروجين المضاد بحد ذاته إنجازاً كبيراً للتكنولوجيا، ناهيك عن حصرها، وقياس تردد موجات الضوء المنبعثة منها. وقد مر حوالي 18 شهرًا منذ أن نجح علماء الفيزياء في CERN في قياس البصمات الطيفية للهيدروجين المضاد لأول مرة، ولم يمضِ سوى تسعة أشهر مذ أن تابعوا بحثهم بقياس الضوء المنبعث من أقل من 200 ذرة من المادة المضادة.

وفي كلتا الحالتين، قام الفيزيائيون بقياس تردد الضوء الناتج عندما قفز البوزيترون المضاد للهيدروجين جيئةً وذهاباً بين موقعين، وحسب قياساتهم، كان نفس تردد الضوء الناتج عن حركة إلكترون الهيدروجين بين نفس المواضع. وتمثل هذه الدراسة الأخيرة قفزة كبيرة إلى الأمام في التكنولوجيا، وتقلل الخطأ في القياس من أربعة في الـ 10000 إلى 2 في التريليون فقط.

والآن، يمكننا أن نكون أكثر ثقة من أي وقت مضى بأن عكس الشحنة على هيدروجين (في كون مماثل لكنّه معاكس) لا يغير طريقة إشعاعه للضوء، وهذه واحدة من الأخبار الجيّدة والسيئة في الوقت نفسه. فالخبر الجيّد هو أنّ هذا الاكتشاف يساعد على تحديد المكان الذي يتحطم فيه التناظر في فيزياء الجسيمات بمقدار وحدتي حجم، ويعد التناظر أمراً هاماً عندما يتعلق الأمر بفهم السبب الذي يجعل الكون يبدو على هذا النحو، خاصة عندما ننظر إلى أشياء مثل شحنة الجسيم ومكانه وزمانه.

تخيل كونًا مختلفًا تنعكس فيه كل هذه الأشياء، كأن يكون كل ما هو سالبٌ موجباً، وتنعكس الاتجاهات، ويعود الزمن إلى الوراء، هل سينتهي بنا المطاف في كون يشبه الكون الذي نعيش فيه اليوم؟

لقد أظهرت التجارب السابقة أن هناك بعض الاختلافات البسيطة في كيفية عمل القوى على مستوى الجسيم إذا قمنا فقط بعكس الشحنات أو تغيير الاتجاهات، لكن كون المادة المضادة المعكوس (كالمرآة) تمامًا - حيث يرجع الزمن إلى الوراء- يجب أن يبدو مثل كوننا فيما يتعلق بقوانين الفيزياء تعلى الأقل. لذا، فإن وضع حدود جديدة لما نطلق عليه ثبات الشحنة - التشابه - الزمن (charge-parity-time (CPT عندما نقلب الهيدروجين إلى الهيدروجين المضاد هو أمر مفيد إذا كنت فيزيائياً تدرس تناظر الجسيمات.

أما الأخبار السيئة، فهي أنّ عالمنا قد بدأ بكميتين متساويتين من المادة والمادة المضادة في نفس المكان، وعلى المستوى النظريّ، فإنّ وجود هؤلاء الشركاء المتناظرين إلى جانب بعضهم يعني أنهما سيفنيان بعضهما البعض، الأمر الذي لن يترك أي شيء لتكوين الكواكب والشموس والبشر.

إذا كان هناك اختلاف بسيط بين المادة والمادة المضادة (إذا كان هذا المزيج المثالي من الـ CPT قد انتُهك بأقل ما يمكن) فقد يكون لدينا طريقة لتفسير الوفرة التي لدينا الآن من المواد المتبقية لصنع كون من المجرات، ولكن إذا كان هناك اختلاف من هذا القبيل، وهذه التجربة لم تشهد ذلك، فهذا يعني أنه أصغر من 2 لكل تريليون، أو أننا نعمل في الاتجاه الخاطئ. ويبقى هناك طريق محتمل آخر جدير بالاستكشاف ينطوي على جسيم النيوترينو الشبحي، والذي يُعتقد أنه في ذات الوقت يمثل جسيمه المضاد نفسه، وتُجرى حاليًا عدد من التجارب واسعة النطاق في هذا الاتجاه. وإن وُجدت المادة والمادة المضادة في جسيم واحد، فإن العوامل التي تدفع النيوترينو لأن يتخذ شكلاً دون الآخر قد تساعد في تفسير انتشار المادة في عالمنا، ولكن إن لم نحصل على نتائج من ذلك، فقد نحتاج إلى الانتظار لفترة أطول لمعرفة سبب وجودنا.

نشر هذا البحث في مجلة Nature.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التعادلية (parity): مُصطلح يُستخدم في فيزياء الجسيمات ويشير إلى خاصية تناظر لكميات فيزيائية، أو العمليات العكوسة مكانياً. وهناك التعادلية الزوجية (even parity)، والتعادلية الفردية (odd parity).

اترك تعليقاً () تعليقات