ناسا تحطم حاجزاً جديداً في مجال الرحلات الأسرع من الصوت

تقترب وكالة ناسا الفضائيّة -بفضل التّصميم الأوليّ الهادئ لتكنولوجيا (السّوبرسونيك) QuSST الأسرع من الصّوت- أكثر من أيّ وقت مضى من جعل مخطّطات رحلات الطّيران ذاتِ الهدير الصّوتيّ المنخفض (Low-Boom Flight Demonstration (LBFD أمراً واقعاً، بعد أن قضت عقوداً من أبحاثها حول طيران السّوبر سونيك في إنتاجِ تصميمٍ فريدٍ لطائرة X-plane القادمة، بما في ذلك العديد من الجهود في إطار مشروع تكنولوجيا السّوبر سونيك التّجاريّ CST) Commercial Supersonic Technology).

تناولت تلك الجهود -والّتي يُجرى عدد منها في مركز بحوث أرمسترونغ لرحلات الطّيران التّابع لوكالة ناسا- أبحاثاً في عدد من المجالات الّتي تتعلّق بتكنولوجيا السّوبر سونيك، بما في ذلك استخدام تكنولوجيا التّصوير المتطوّرة لدراسة موجات الصّدمة، إضافة إلى الاستعانة بطائرات F-15 لاختبار طرق تحسين كفاءة الرّحلات الجوّيّة، ودمج عدّة شاشاتِ عرضٍ لمساعدة الطّيارين على رصد التّأثيراتِ الصّوتية لطائرة السّوبر سونيك، ومراقبة آثار البيئة على الهدير الصّوتيّ.

يصبّ كلّ مجال من مجالات البحث في تحقيق هدف مشروع تكنولوجيا السّوبر سونيك التّجاريّCST، والتّصميم الأوليّ لتكنولوجيا السّوبر سونيك الهادئة QuSST التّابعين لوكالة ناسا، حيث يتضمّن في نهاية المطاف استعراض رحلاتِ طيران السّوبر سونيك الهادئة على الأرض.

وخَطَت ناسا في نيسان/أبريل عام 2016 خطوةً أخرى نحو تطوير طائرة سوبر سونيك هادئة، وذلك إثر مجموعةٍ من رحلاتِ الطيران الأولى النّاجحة في سلسلة تُقدّم خلفيّةً من مادة السّكليرين الموجَّهة الّتي تنتظر نيل براءة اختراع باستخدام تكنولوجيا الأجرام السماوية BOSCO، مستخدمةً الشّمس بكفاءة كخلفيّة لالتقاط صورٍ فريدة من نوعها وقابلةٍ للقياس لموجات الصّدمة.

أُجريت الاختبارات الّتي انطلقت من مركز أبحاث أرمسترونغ بناءً على اختبارات وكالة ناسا الأخيرة للتّقدّم في فنّ تصوير(السكليرين) الفوتوغرافيّ، وهو أسلوبٌ لتحويل مميّزات الجريان غير المرئيّ والهام إلى مرئيّ، وعلى الرغم من أنّ استخدامه يعود إلى أكثر من قرن، إلّا أنّ الأبحاث الّتي أجرتها الوكالة مؤخّراً مكّنت من تطبيقه في مجال الطّيران، كما عززت بشكل كبير تفاصيل الصّور التي أمكن الحصول عليها، ففي هذه الحالة، التقطت السكليرين الّتي طوّرتها ناسا البيانات المصورة لموجات الصّدمة والناجمة عن طائرة T-38 الأسرع من الصّوت، والخاصة بمدرسة اختبار الطّيارين في القّوات الجويّة الأمريكيّة.

 ونتيجة لهذا البحث، تُشاهَد طائرات السوبر سونيك بوضوح مميز أمام الخلفيّة الشّمسية، بالإضافة إلى أنّ مراقبة التّغيّرات في كثافة الهواء تجعل التّفاصيل أكثر وضوحاً، كما سيساعد تصوير أنماط تدفّق موجات الصّدمة المعقّدة النّاجمة عن طائرات السوبر سونيك الباحثين على التّحقّق من صحّة أدوات التّصميم الحسابيّة المستخدمة لتطوير استعراض رحلات الطّيران ذات الهدير الصّوتيّ المنخفض.

وبدأت وكالة ناسا أيضاً في أيّار 2017 سلسلة من رحلات طيران السّوبر سونيك لاختبار الجهود المبذولة في تحسين كفاءة الرّحلات الجوّيّة لطائرات السوبر سونيك المستقبلية في السّرعات الأكبر من سرعة الصّوت حيث تكون قوّة المقاومة Drag الّتي ينبغي التّغلب عليها كبيرة، وتشكل مقاومة الاحتكاك أكثر من نصف قوة المقاومة الإجماليّة؛ بسبب التّفاعل الحاصل بين تيّار الهواء وسطح الطّائرة حيث ستكشف سلسلة الرّحلات الجوّيّة الخاصّة عن سبل للحدّ من الاحتكاك، وزيادة الكفاءة من خلال استخدام أساليبَ مبتكرةٍ وجديدةٍ لإنجاز تدفّق انسيابي لجناح راجع.

وستَعتَمدُ طائرات السوبر سونيك المستقبلية لتحقيق هديرٍ صوتيّ منخفض كطائرات العرض ذات الهدير الصّوتيّ المنخفض التابعة لوكالة ناسا ستعتمد على تصميم جناح راجع لطيران بسرعات تفوق سرعة الصّوت دون أن ينتج عن ذلك هدير صوتيّ عالٍ، وفي العموم، ينتج التّصميم الرّاجع للجناح تدفقاً عرضيّاً، وهو اسم يُطلق على اضطرابات تدفق الهواء، يمتد على امتداد الجناح منتجاً تدفقاً مضطربا وزيادةً في الاحتكاك فضلاً عن ارتفاع استهلاك الوقود في نهاية المطاف.

ويقول بريت باورBrett Pauer مدير المشروع الفرعي CST: "في الحالة الطّبيعية، لا يحدث للأجنحة الرّاجعة كثير من التّدفق الصّفحيّ عند السّرعات الأكبر من الصّوت، لذا ولخلق تدفق أقلّ اضطراباً على الجناح، قمنا بوضع عناصرَ صغيرةٍ خشنةٍ موزّعةٍ على طول الحافّة الأماميّة، حيث يمكن للعناصر الصّغيرة الخشنة DREs أن تخلق اضطراباتٍ صغيرةً تؤدّي إلى امتدادٍ أكبرَ لتدفّق صفحي".

وقد تمخّض تطوّر الأدوات والمعدات أيضاً عن أبحاث ناسا في السّوبر سونيك، حيث طار طيارو ناسا في كانون الثاني/ديسمبر 2016، باستخدام شاشة عرضٍ تقود إلى المواقع الصّحيحة الّتي يضرب فيها الهدير الصّوتي الأرض، واستمرت سلسلة الرحلات، الّتي تعد المرحلة الثانية لمشروع الطّيران مع شاشات الهدير الصّوتي التّفاعليّ في مقصورة الطّيار، أو CISBoomDA، من المرحلة الأولى للمشروع، فتمكن مهندسو اختبار الطّيران فقط من مشاهدة الشاشة مع القدرة على مراقبة مواقع الهدير الصّوتي الخاص بطائراتهم.

يمكن لطياريّ الطّائرة تحسين التّحكم بالأصوات الصّاخبة من مواقعَ أو تجمّعات محدّدة مزعجة على الأرض، ويوضح باور ذلك بقوله: "إنّ شاشة العرض موجودةٌ لتقليل آثارِ الهديرِ الصّوتيّ على الأرض، وعموماً لا يسبّب الهدير الصّوتيّ الصّاخب أضراراً في الارتفاعات الكبيرة، لكنّه يمكن أن يزعج النّاس، ونحن نريد التّحقّق من كوننا طاقماً جويّاً ماهراً في أعين الجمهور، كما يسمح استخدام هذه البرمجيات للطّيارين بزيادة رحلاتهم الجوّيّة، دون إزعاج النّاس على الأرض إن استخدمت على النّحو الصحيح".

تُظهر شاشة العرض مواقعَ الهدير الصّوتي اعتماداً على تتبّع مسارِ الطّائرة وارتفاعها، وقد صُنعت اعتماداً على خوارزميّة صممها كين بلوتكين Ken Plotkin في مختبرات وايل Wyle. كما ستُستخدم شاشة العرض بشكلٍ غير محدود في مساعدة وكالة ناسا بالتّقدّم في أبحاث تكنولوجيا السّوبر سونيك بطريقة تقلّل الإزعاج الحاصل على الأرض، وستقدم معلوماتٍ إرشاديّة مفصّلة لمستقبل أبحاث تكنولوجيا السّوبر سونيك.

يقول الباحث والطّيار في وكالة ناسا نيل لارسون Nile Larson: "إن التّحليق مع شاشة العرض CISBoomDA كان مثيراً للاهتمام حقّاً، وكان وجودها في قمرة القيادة أمراً عظيماً، أعتقد أنّها أداةٌ قيّمة للمستقبل، في الواقع، لقد طلبت أن يُسمح لي بالبدء في استخدام شاشة العرض في رحلاتي، فقط حتى أستطيع الاستمرار فيها بكفاءة".

أخيراً، فإن أبحاث ناسا في السّوبر سونيك والّتي بدأت مسبقاً في مراكزَ عديدةٍ للوكالة، تمتد إلى مديريّات عديدة تابعة لها، ففي آب/ أغسطس 2017، استضاف مركز كيندي للفضاء التّابع لناسا السّلسلة الثّانية من رحلات طيران الاضطراب الجوّيّ ذات الهدير الصّوتي SonicBAT، وهي امتداد لرحلات الطّيران البحثيّة لتكنولوجيا السّوبر سونيك النّاجحة الّتي أُجريت عام 2016 في قاعدة إدواردز الجوية، وقد اتخذت السلسلة الثّانية لمشروع رحلات الطيران KSC من مركز أبحاث كينيدي موقعاً لها لتكون قادرة على دراسة كيفيّة تأثير الظّروف الجوّيّة الرّطبة على الهدير الصّوتي.

تساعد SonicBAT باحثي وكالة ناسا على فهمٍ أفضلَ لكيفيّة تأثير اضطراب الأجواء في الارتفاع المنخفض على الهدير الصّوتيّ، وهو ناتج عن طيران الطّائرة بسرعاتٍ أكبرَ من سرعة من الصّوت. بالإضافة إلى ذلك تعدّ سلسلة رحلات الطّيران مبادرة رئيسيّة للتّحقّق من صحّة الأدوات والنّماذج الّتي سيتم استخدامها في تطوير طائرات السّوبر سونيك الهادئة في المستقبل، والّتي ستنتج هديرًا ناعماً سلساً بدلاً من الهدير الصّوتيّ العالي.

وقد أتاحت رحلات الطّيران SonicBAT في فلوريدا، فرصةً نادرة للدّمج بين علم الطّيران وعمليات التّشغيل الفضائيّة التّابعة لوكالة ناسا، أما بالنّسبة لمركز كيندي فكانت فرصةً لتأطير تحوّله إلى قاعدة متعدّدة الاستخدامات لإطلاق المركبات الفضائيّة.

يقول باور: "يُظهر ذلك أنّنا جميعاً في ناسا نسعى لتحقيق الهدف ذاته، ونرغب بالعمل سويّاً ومساعدة بعضنا البعض في أيّة مهمّة ممكنة للوكالة، سواء أكانت فضائية، وهي ما نقوم به كثيراً في مراكز الطّيران التابعة لنا، أو بحثيّة كأن تقدم المساعدة في علوم الطيران. وأعتقد أنه يوجد قدر كبير من التعاون حتّى أنّه أكثر مما هو متوقع بين المراكز المختلفة".

وأضاف بيتر كوين Peter Coen مدير مشروع CST: "يبدو لي أنّ عبارة (ناسا واحدة) هي أفضل طريقة لوصف روح التّعاون الّتي مكّنت الفرق من الوصول عبر الوكالة واستقبال نوع من الدّعم تماماً كالدّعم الّذي تلقته SonicBAT من مركز كيندي للفضاء".

وتُعتبر أبحاث تكنولوجيا السّوبر سونيك التّابعة لوكالة ناسا بحدّ ذاتها مبادرةً متعدّدة المراكز لدفع حدود علم الطّيران نحو الأمام، فأبحاث التّدفق الصّفيحيّ للجناح الراجع والّتي تجري في مركز أبحاث أرمسترونغ لرحلات الطّيران ناتجةٌ عن اختبار نفق الرّياح النّاجح في مركز أبحاث لانغلي في فرجينيا، كما لا تزال النّماذج الفرعيّة لـ LBFD تخضع لاختبار نفق رياحٍ مماثل في مركز أبحاث غلين في أوهايو ومركز أبحاث لانغلي في فرجينيا، كما كان مركز أميس للبحوث التّابع لوكالة ناسا مساهماً في المساعدة على تطوير تقنيّات التّصوير سكليرين المتقدمة، ومن المؤكّد أنّ الخطوات القادمة النّاجمة عن الإنجازات الرّائعة الّتي أحرزتها وكالة ناسا في جميع أنحاء البلاد، ستكون مذهلة فعلاً.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات