ظهور فراشة في محاكاة كمومية

إن لقدرة المعالجة الحاسوبية للبتات الكمومية أو الكيوبت (qubits) آثارًا عميقةً على مجالاتٍ عدةٍ في العلوم والهندسة. تُظهر الصورة رقاقة فائقة الموصلية (مساحتها الكلية 1 سمنتيمتر مربع) تتضمن 9 كيوبت في مصفوفة أحادية البعد. تطبق نبضات ميكروية من أجل التحكم في حالة وتفاعل الكيوبتات وديناميكية النظام. تعتبر هذه الأنظمة فائقة الناقلية التي تعتمد على وصلة جوزيفسون Josephson-junction مثال على التطبيق الفيزيائي للحوسبة الكمومية ومعالجة المحاكاة. حقوق الصورة: Erik Lucero, Google.

تساعد المحاكيات الكمومية Quantum simulators، وهي حواسيبُ كموميةٌ خاصة، الباحثين في التعرف على المواد ذات الخواص الجديدة والمفيدة. وقد خطونا نحو هذا المستقبل المثير بفضل التعاون بين غوغل وباحثين من جامعات كاليفورنيا وسنغافورة واليونان.

استخدم الفريق فوتونات من شريحة غوغل الكمومية من أجل محاكاة النمط الجميل والمفاجئ لـ "فراشة هوفستاتر Hofstadter butterfly"، وهي بنية "فراكتالية" fractal structure تميز سلوك الإلكترونات في الحقول المغناطيسية القوية.

نُشرت هذه النتائج في 1 ديسمبر في مجلة Science، وتبين كيف بدأت المحاكيات الكمومية بتحقيق أقصى إمكانياتها كأدواتٍ قويةٍ جدًا. ويقول ديميتريس أنجيلاكي Dimitris Angelakis، من مركز التكنولوجيا الكمومية في جامعة سنغافورة الوطنية: "لطالما راودتنا فكرة استخدام الفوتونات من أجل محاكاة وفهم الطبيعة بشكلٍ أفضل. وتعاوننا يضع ذلك محل التنفيذ".

نفّذ هذا العمل الشركاء من غوغل وجامعة كاليفورنيا سانتا باربرا وجامعة سنغافورة الوطنية وجامعة كريت التقنية في اليونان، على سلسلةٍ من تسعة بتات كمومية فائقة الموصلية خاصة بغوغل.

وأظهرت كيف يمكن للمحاكيات الكمومية أن تنتج أنماطًا معقدةً وغريبةً من السلوك الكمومي. سيمكّن هذا الباحثين من محاكاة، ومن ثم هندسة، موادَّ بخواصَّ موصلةٍ إلكترونيةٍ غريبةٍ، ولربما فتح الطريق أمام تطبيقاتٍ جديدةٍ.

 من المتوقع أن تكون لقوة المعالجة الحاسوبية للبتات الكمومية تأثيراتٌ عميقةٌ على مختلف مجالات العلوم والهندسة.  باستخدام تسعة بتات كمومية فائقة الموصلية، تمكن باحثون من غوغل وجامعة كاليفورنيا سانتا باربرا وجامعة سنغافورة الوطنية وجامعة كريت التقنية، من محاكاة طيف الطاقة المعقد الذي تم التنبؤ به للإلكترونات ثنائية البعد في حقل مغناطيسي، ويُدعى بفراشة هوفستاتر. هذا الرسم التوضيحي مبني على بياناتٍ تجريبيةٍ. حقوق الصورة: Visual Science/Google
 من المتوقع أن تكون لقوة المعالجة الحاسوبية للبتات الكمومية تأثيراتٌ عميقةٌ على مختلف مجالات العلوم والهندسة. باستخدام تسعة بتات كمومية فائقة الموصلية، تمكن باحثون من غوغل وجامعة كاليفورنيا سانتا باربرا وجامعة سنغافورة الوطنية وجامعة كريت التقنية، من محاكاة طيف الطاقة المعقد الذي تم التنبؤ به للإلكترونات ثنائية البعد في حقل مغناطيسي، ويُدعى بفراشة هوفستاتر. هذا الرسم التوضيحي مبني على بياناتٍ تجريبيةٍ. حقوق الصورة: Visual Science/Google


ويقول بيدرام روشان Pedram Roushan مهندس إلكترونيات كمومية من غوغل: "باستخدام شرائح مماثلةٍ لتلك المستخدمة في هذه التجربة، نحن مهتمون بدراسة مشاكل في جوهر المادة المكثفة، والميكانيكا الإحصائية، والحركيات غير المتوازنة".

ظهرت فراشة هوفستاتر للمرة الأولى في عام 1976، في حساباتٍ للإلكترونات في مادةٍ ثنائية البعد ضمن حقلٍ مغناطيسيٍّ قويٍّ. ترسم الفراشة الانقسامات والتحولات في مستويات طاقة الإلكترونات عند تغير شدة الحقل. 

وفي هذه المحاكاة الكمومية، لعبت الفوتونات دور الإلكترونات بينما وفرت بوابات البتات الكمومية نظائر للحقل المغناطيسي. وظهر نمط الفراشة في قياسات الفريق.

اعتمدت التجربة على ابتكار الفريق تقنية جديدة للتحليل الطيفي وأسموها "hit and listen". ترسم التقنية مستويات الطاقة لجزيئات الضوء، أي الفوتونات الميكروية المخزنة في الكيوبتات التسعة. ويشرح أنجيلاكي: "تشبه تقنيتنا قرع الجرس. الصوت الذي تصدره هو توضع فائق (تراكب) لكل النغمات الأساسية.

من خلال قرعه في أوضاعٍ مختلفةٍ لعدة مراتٍ والاستماع للنغم لمدةٍ زمنيةٍ كافيةٍ، يمكن فصل النغمات الخفية. ونحن نفعل نفس الشيء مع الشريحة الكمومية، من خلال ضربها بالفوتونات ومن ثم تتبع تطورها مع الزمن". كما ضرب الفريق فوتونين معًا، وجعلوا البتات الكمومية غير منتظمةٍ، أي برمجوا بعض العشوائية في خصائصها، من أجل دراسة الظاهرة المعقدة المعروفة باسم "توطين العديد من الأجسام many-body localization".

إن هذا هو انتقال طور كمومي شبيه بتغيير الطور الذي يحصل عندما يتجمد الماء، ويحدد ذلك إذا ما كانت المواد موصلة أو عازلة. ووجد الفريق بشائر ظاهرة توطين العديد من الأجسام من خلال تطبيق تقنيتهم "hit and listen" على عدة أنظمة تشمل على الاضطراب والتفاعل.

قد يوفر فهم هذه الظواهر طريقًا آخر لتصميم موادّ جديدةٍ مفيدةٍ بخواص موصلةٍ غريبةٍ، لكن يسعى الفيزيائيون بشكلٍ عامٍ لمحاكاة مثل هذه السيناريوهات المعقدة. ومنذ الخمسينيات كان من المتوقع أن الفوضى في المادة قد تؤدي إلى إعاقة حركة الإلكترونات عبرها، سُمّي ذلك بالتوطين. لكن إذا كانت الجسيمات تتفاعل مع بعضها البعض تصبح المشكلة "متعددة الأجسام" ويصبح من الصعب جدًا محاكاتها. أما بالنسبة لفوتونين فقط عبر تسعة بتات كمومية، يمكن للفريق استخدام أجهزة الكمبيوتر العادية لمحاكاة أيّ سلوكٍ يتوقعون، ووجدوا توافقًا جيدًا مع نتائج تجربتهم. لكن أضف بضعة كيوبتات أخرى وتصبح المسألة مستعصيةً على الآلات الكلاسيكية.

من شأن ذلك أن يجعل من فكرة محاكيات كمومية أكبر مثيرةً جدًا بالنسبة للعلماء، فقد يتمكنون من معالجة مسائل لن تتمكن منها حواسيب اليوم الفائقة. ويختم روشان: "يبقى فهم الأطوار الكمومية أحد ألغاز الفيزياء التي لم تُحل".
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • البت الكمومي (الكيوبت) (qubit): هو أصغر وحدة معلومات كمية، وهو الذي يقابل البت في الحواسيب العادية، ويستعمل في حقل الحوسبة الكمية.

اترك تعليقاً () تعليقات