التجارب على الجسيمات النانوية الطافية تكشف دور الاحتكاك على المستوى النانوي

في عام 1940، توقع هندريك كرامرز Hendrik Kramers (إلى اليسار) نظريًا أنه في نظام مزدوج جيد (أسفل المنتصف) غالبًا ما تحدث عمليات الانتقال بين الحالات المستقرة بمستوىً قليل من الاحتكاك (أعلى اليمين). وتظهر الخلفية جزءًا من نظام الليزر المستخدم لتأكيد تنبؤ كرامرز تجريبيًا. المصدر: Jan Gieseler; Image of H. Kramers courtesy of AIP Emilio Segrè Visual Archives, Goudsmit Collection

تتأثر الانتقالات التي تحدث في الأنظمة على المستوى النانوي، مثل التفاعل الكيميائي أو طي البروتين Protein folding بشدةٍ بالاحتكاك والضوضاء الحرارية. وقبل ما يقرب الثمانين عامًا، توقع الفيزيائي الهولندي هندريك كرامرز أن تحدث هذه الانتقالات في الغالب بوجود احتكاكٍ متوسطٍ، وهو تأثيرٌ يُعرف باسم تحول كرامرز Kramers turnover.

وقد قاس في الآونة الأخيرة فريقٌ من العلماء من جامعة ETH في زيورخ وICFO في برشلونة وجامعة فيينا هذا التأثير لجسيماتٍ محتجزةٍ بالليزر، مؤكدين مباشرةً تنبؤ كرامرز بالتجربة لأول مرة. وقد نُشرت النتائج في مجلة Nature.

في عام 1827، أدلى عالم النبات الإنكليزي روبرت براون Robert Brown بملاحظةٍ تبدو ضئيلة الأهمية، والتي اتضح أنها ستلعب دورًا محوريًا في تطوير النظرية الذرية المادية. وبالنظر إلى التجربة مجهريًا، لاحظ أن حبوب اللقاح التي تطفو على الماء كانت تهتز باستمرار كما لو كانت تحركها قوةٌ غير مرئيةٍ، وهي ظاهرةٌ تُعرف الآن باسم الحركة البراونية Brownian motion.

فهمنا فيما بعد أن الحركة غير المنتظمة لجزيئات حبوب اللقاح ناتجةٌ عن الضرب المتواصل لجزيئات الماء المحيطة بحبوب اللقاح. وكان قد قدم التحليل النظري لألبرت آينشتاين لهذه الظاهرة أدلةً حاسمةً على وجود الذرات.

ولاصطدام حبوب اللقاح مع جزيئات الماء أثران هامّان على حركة الحبوب، فمن ناحية، تولد الاحتكاك الذي يبطئ الجسيمات، وفي الوقت نفسه، يحافظ التهييج الحراري على حركة الجسيمات. وتنتج الحركة البراونية من توازن هذه القوى المتنافسة.

يؤثر الاحتكاك والحركة الحرارية الناجمة عن البيئة تأثيرًا عميقًا على الانتقالات بين الحالات التي تدوم طويلًا، مثل الانتقالات الطورية بين التجمد والانصهار. فالحالات التي تدوم طويلًا، مثل الحالات المختلفة للمادة أو عناصر كيميائية مميزة، يفصل بينها حاجز طاقة عالٍ كما هو موضحٌ في الرسم التوضيحي.

يمنع الحاجز بين الانخفاضين النظام الفيزيائي التحول الداخلي السريع بين الحالتين. ونتيجةً لذلك، يقضي النظام معظم وقته وحيد الطور في إحدى الحفر ونادرًا ما يقفز من انخفاضٍ إلى آخر. هذه التحولات مهمةٌ لكثيرٍ من العمليات في الطبيعة والتكنولوجيا، بدءًا من الانتقال بين الأطوار إلى التفاعلات الكيميائية وطي البروتينات.

تأثير الاحتكاك غير المتوقع على الانتقالات


إذًا، كم مرة تحدث مثل هذه الأحداث النادرة من عبور الحواجز؟ هذا هو السؤال الذي تناوله الفيزيائي الهولندي هندريك كرامرز من الناحية النظرية سابقًا في عام 1940. فباستخدام نظامٍ بسيطٍ، أظهر رياضيًّا أن المعدل الذي يحدث به معدل الانتقالات يتناقص بسرعة مع تزايد ارتفاع الحاجز.

وللمفاجأة، توقع كرامرز أن معدل الانتقال يعتمد أيضًا على الاحتكاك بطريقةٍ مثيرةٍ جدًا للاهتمام. وبالنسبة للاحتكاك الشديد، يتحرك النظام ببطء مما يؤدي إلى معدل انتقالٍ صغيرٍ. ومع تناقص الاحتكاك، يتحرك النظام بحريةٍ أكبر ويزداد معدل الانتقال.

غير أن معدل الانتقال يبدأ في الانخفاض مجددًا عند يكون الاحتكاك منخفضًا بما فيه الكفاية، لأنه في هذه الحالة يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لكي يحصل النظام من المحيط على طاقةٍ كافيةٍ للتغلب على الحاجز. ويُسمّى الحد الأقصى الناتج من معدل الانتقال عند الاحتكاك المتوسط بتحول كرامرز.

قياس تنبؤ كرامرز بالجسيمات النانوية المتعقبَّة بالليزر


وفي جهدٍ دوليٍّ مشتركٍ، نجح علماء من معهد ETH في زيوريخ و ICFO في برشلونة وجامعة فيينا الآن في مراقبة تحول كرامرز مباشرةً لجسيماتٍ نانونيةٍ طافيةٍ.

وفي تجربتهم، تُحتجز جسيماتٌ متناهيةٌ في الصغر (نانوية) في مصيدةٍ ليزريةٍ مع انخفاضين مفصولين بحاجز طاقة كما هو مبين في الرسم التوضيحي. وتمامًا كما هو الحال مع حبوب اللقاح التي لاحظها براون، تتصادم الجسيمات النانونية باستمرار مع الجزيئات المحيطة بها، وتدفع هذه التفاعلات العشوائية أحيانًا الجسيمات النانونية فوق الحاجز. 

ومن خلال مراقبة حركة الجسيمات النانونية مع الوقت، حدد العلماء المعدل الذي تقفز به الجسيمات النانونية بين الانخفاضين على مجالٍ واسعٍ من الاحتكاكات التي يمكن ضبطها بدقةٍ عن طريق ضبط ضغط الغاز حول الجسيمات النانونية.

ويؤكد المعدل الناتج من تجربتهم بوضوح التحول الذي توقعه كرامرز منذ ما يقارب 80 عامًا. يقول كريستوف ديلاجو Christoph Dellago، أحد واضعي الدراسة: "تحسن هذه النتائج من فهمنا للاحتكاك والحركة الحرارية على مستوىً نانويٍّ، وستكون مفيدةٌ في تصميم الأجهزة النانوية المستقبلية وبنائها".

Protein folding طي البروتين: عملية فيزيائية تحصل من خلالها السلاسل البروتينية على الطاقة اللازمة لتصبح بنيتها ثلاثية الأبعاد.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات