بطاريات وأجهزة إلكترونية جديدة مصنوعة من الورق

بطارية مبنية من الورق والبكتيريا قابلة للطي وللتحلل العضوي تفتح آفاقاً جديدة في مجال الإلكترونيات. حقوق الصورة: سيكهون شوي/جامعة بينجامتن Seokheun Choi/Binghamton University، CC BY-ND

كما يبدو، فإنه في كل بضعة أشهر هناك هاتف محمول أو حاسب محمول (لابتوب) أو جهاز لوحي (تابلت) جديد يُطرح في الأسواق، لنجد طوابير من الناس تصطف أمام المحال التجارية لشرائه. وبينما يساهم الإنتاج المستمر للمواد الإلكترونية الجديدة والمتطورة في النجاح الهائل لشركات مثل آبل Apple، فإن هذه الإلكترونيات في الحقيقة مضرة للبيئة.

تحوي الإلكترونيات المعاصرة دارات كهربائية لُحِمَت عليها العديد من القطع البلاستيكية والمعدنية. بعض هذه المواد سامة، أو تتحلل فيما بعد إلى موادَّ سامة. هنالك جهود لدعم إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية، بتحصيل المواد التي من الممكن إعادة استخدامها والتخلص من الباقي بالطريقة المناسبة، ولكن سنتهي المطاف بمعظم الأجهزة كجزءٍ من كومة النفايات الإلكترونية المتزايدة في مكب النفايات.

عوضًا عن التخلص من المزيد من الأجهزة، فإنّ هناك فرصة لتصنيع إلكترونيات قابلةٍ للتحلل بيولوجيًا، لذلك يتجه الكثير من الباحثين نحو مجال الإلكترونيات المبنية من الورق والتي تُدعى "الإلكترونيات الورقية Papertronics" نظرًا لكونها مرنة إلى حدّ أنها قابلةٌ للطيّ كما أنها تتميز بالاستدامة وانخفاض التكلفة وهي غير مضرةٍ بالبيئة.

ولكن لتكون حقًا صديقةً للبيئة، فان الإلكترونيات الورقية لا يمكن أن تستخدم البطاريات التقليدية المصنوعة من المعادن والحموض القوية، لتخزين وتفريغ الكهرباء. بناءً على ذلك، طوّر الباحث سيكهون شوي Sekheun Choi والكيميائية أومونمي صادق Omwunmi Sadik بطاريةً ورقية قابلة لإعادة التدوير والتحلل البيولوجي، بالإضافة إلى أنها تتمتع بالموثوقية الكافية حتى تُستخدم بالفعل. السرّ في تطوريها هو البكتيريا.

طوّر الباحث شوي في الماضي بطاريات مطاوعة، وأخرى تعمل باللُّعاب، وغيرها. واستنتج عند بحثه عن طريقة لإمداد الإلكترونبات الورقية بالطاقة أنّه من المنطقي محاولة صنع بطارية من الورق. لحسن الحظ، يُعدّ الورق مادةً جيدةً لتُصنع منها البطاريات وذلك كونه مطاوعًا، وعازلًا جيدًا (مما يجعله منصةً مناسبةً لحمل العناصر الإلكترونية)، وقادرًا على امتصاص وتحرير السوائل بسهولة. أضاف شوي البوليمرات (وهي بوليمرات الحموض الأسيدية ومادة بيروميليتيك ديانهايدرايد فينيلينيدياماين pyromellitic dianhydride-p-phenylenediamine)، وذلك لتحسين تلك الخواص الكهربائية.

بعد ذلك، لتخزين الطاقة في البطارية أضاف الباحثان البكتيريا، وذلك عوضًا عن المواد المعدنية والأسيد التي تتفاعل كيميائيًا لتوليد الإلكترونات. عندما يبدأ تصنيع هذه البطاريات تجاريًا ستُستخدم البكيتريا التي لا تشكل خطرًا على الإنسان والبيئة وتقلل احتمال حدوث أيّ نوعٍ من التلوث.

مجموعة من البطاريات المطويّة يمكنها أن تغذي الأجهزة الإلكترونية الورقية. حقوق الصورة: سيكهون شوي/جامعة بينجامت Seokheun Choi/Binghamton University, CC BY-ND
مجموعة من البطاريات المطويّة يمكنها أن تغذي الأجهزة الإلكترونية الورقية. حقوق الصورة: سيكهون شوي/جامعة بينجامت Seokheun Choi/Binghamton University, CC BY-ND


تلتصق البكتيريا بالورق بسبب خشونته ونفوذيته، وتولد طاقتها عن طريق تحليل أي مادة عضوية متوفرة تقريبًا، متضمنة مواد التربة أو الفضلات السائلة. في الوقت الحالي، تُجهًّز هذه المواد المصدرية المستخدمة وتُضمَّن يدويًا مع البطارية، ولكن من الممكن أن تأتي من البيئة أيضًا. يُنتِج هذا التفاعل الكيميائي الإلكترونات. بشكلٍ عام في تفاعلات البكتيريا، فإن تلك الإلكترونات ترتبط بالأكسجين، ولكن بُنيت هذه البطارية بحيث تحدّ من تواجد الأوكسجين وتضع قطب كهربائي محله (في عملية التفاعل مع الإلكترونات)، بمعنى أنه يمكن في هذه الحالة التحكم بتدفق الإلكترونات واستخدامه لتزويد الأجهزة بالطّاقة.

كان هنالك قلقٌ من انتشار الأكسجين داخل الورق ومقاطعته لتدفق الإلكترونات بين البكتريا مما يُقلّل من فعالية البطارية، إلا أن الباحثَين وجدا أنه رغم حدوث ذلك فإن تأثيره ضعيف. سبب ذلك هو ارتباط عدد كبير من خلايا البكتريا ارتباطًا وثيقًا بألياف الورق مما يشكل عائقًا بيولوجيًا متعدد الطبقات يحمي التفاعلات الكيميائية من أغلب ذرات الأكسجين.

سعى الباحثان أيضًا إلى تطوير البطارية بحيث تكون قابلةً للتحلل بيولوجيًا. حُقِّق ذلك بكون البكتريا الموجودة في البطارية (بمجرد انتهائها من إنتاج الطاقة) قادرة على تحليل الورق والبوليمرات إلى عناصرَ غير ضارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن البطارية قادرةٌ على التحلل بيولوجيًا في الماء بسهولةٍ دون الحاجة إلى وجود معدات خاصة أو حتى بكتريا للمساعدة في ذلك.

تتميز بنية الورق البوليميري بكونها خفيفة الوزن ومنخفضة السعر ومطاوعة. تعطي هذه المطاوعة القدرةَ للبطارية على الانثناء مثل قطعة الورق العادية، وكذلك إمكانية تجميع مجموعة من البطاريات فوق بعضها البعض، مما يمكنّنا من الحصول على طاقة بطارية أكثر ضمن مساحات صغيرة.

من الممكن أن تكون الإلكترونيات الورقية مفيدةً بشكلٍ خاص في المناطق البعيدة والمعزولة ذات الموارد المحدودة لكونها تُزَوَّد بالطاقة عن طريق البكتيريا التي تستطيع البقاء في أقسى الظروف وتُحَلِّل تقريبًا أي مادة لتوليد الإلكترونات. كما أنها لا تحتاج بالضرورة إلى وجود شبكةٍ كهربائيةٍ قويةٍ حتى تعمل. علاوةً على ذلك، على الرغم من أن البطاريات الورقية مصممة بحيث يمكن تحللها بيولوجيًا والتخلص منها بعد الاستعمال، فمن الممكن إعادة تدوير المواد التي صُنعت منها وإنشاء بطاريات جديدة من الورق المعاد تدويره.

على الرغم من الأهمية الكبيرة للبطاريات الورقية البيولوجية والآفاق الجديدة التي تفتحها أمام الأجهزة الإلكترونية المستقبلية، فإن عملية صناعتها بسيطةٌ جدًا. يمكن دمج البوليمرات والبكتريا بالورق باستخدام إجرائيات التصنيع التقليدية، بما فيها الطباعة على اللفات (عملية تصنيع الإلكترونيات باستخدام لفات من البلاستيك أو الرقائق المعدنية المرنة)، أو طباعة الشاشة، أو عن طريق طباعتها أو صبها على الورق مباشرةً.

يمكن إضافة مواد أخرى للبطاريات الورقية كالمعادن وأنصاف النواقل والعوازل والجسيمات الذرية. تعطي هذه المواد (وغيرها) المزيد من الخائص والإمكانيات للأجهزة المبنية على الورق، مما يفتح مجالاتٍ واسعةً للأجيال القادمة من الإلكترونيات.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات