البحث عن المادة المضادة الضائعة: بداية مبشرة مع الكاشف Belle II


شَرَع الكاشف المحدَّث Belle II ومنذ الخامس والعشرين من آذار / مارس العام 2019 بقياس تصادمات الجسيمات المتولِّدة في المسرِّع SuperKEKB الموجود في اليابان. ويستطيع هذا المسرع توليد جسيمات يفوق عددها بخمسين ضعفًا ما كان يولده سلفه. تعني هذه الزيادة الكبيرة في البيانات فرصةً أكبر في تفسير عدم التماثل بين كميات المادة العادية والمادة المضادة الموجودتين في الكون.


تُوجَّه الإلكترونات في تجربة الكاشف Belle II لتُلاقي أجسامها المضادة، أي البوزيترونات وتصطدم بها. تتولد عن هذه التصادمات ميزونات B، والتي تتكون من اقتران كوارك مع كوارك مضاد. وقد تمكَّن العلماء في التجارب السابقة مثل Belle و BaBar من رصد اختلافٍ في سرعة تفكك ميزونات B عن مضاداتها. وتُعرف هذه الظاهرة بانتهاك التناظر في الشحنة والمماثلة CP violation. ولعل هذا الاختلاف يُشير إلى جواب السؤال عن سبب أن الكون مليءٌ بالمادة دون أي أثرٍ يُذكر للمادة المضادة، مع العلم أنهما – أي المادة والمادة المضادة – كانتا بالقدر نفسه عقِب الانفجار الكبير.


غير أن هانز غونتر موسير Hans-Günther Moser العالم في معهد ماكس بلانك للفيزياء يُشير إلى أن عدم التناظر المرصود سابقًا ضئيلٌ للغاية، وهذا ما يدفعنا للبحث عن آلياتٍ أخرى لها تأثير أكبر على عدم التناظر الحاصل، ولمَّا تُكتشف بعد. ولعل هذه الآليات تكون قادرةً على نسف النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات، الذي بقي صامدًا حتى يومنا هذا. ولكن وحتى نتمكن من القيام بذلك واكتشاف فيزياء جديدة ينبغي على العلماء تجميع كميات أكبر بكثير من البيانات التي جُمعت من قبل، وتحليلها بحيث تُعطي دليلًا إحصائيًا ذا دلالة.


ولتحقيق هذا الهدف أجريت عملية تحديث شاملة للمسرع KEK والكاشف Belle الذان بقيا يعملان طوال الفترة الممتدة من عام 1999 وحتى العام 2010. وأهم التحديثات الحاصلة هو زيادة اللمعان، الذي هو عدد الجسيمات المتصادمة في واحدة المساحة، أربعين ضعفًا.


وما كان العلماء ومعهم المهندسون والتقنيون ليحققوا هذا التطور في المسرع لولا تصغير مساحة حزمة الجسيمات تصغيرًا ملحوظًا، ومضاعفة عدد الجسيمات المتصادمة. وبهذا تزيد احتمالية أن يتصادم جسيمان مع بعضهما ازديادًا معتبرًا. وبهذا حصل العلماء على بياناتٍ أكثر بخمسين ضعفًا عليهم تحليلها ودراستها.


لكن لم تكن هذه الزيادة بالمجان، فقد ترافقت مع المزيد من التحديات في ضمان جودة البيانات التي يستطيع الكاشف التقاطها. فبعد نقطة الاصطدام بعُشر الميلي متر يتفكك الميزون B. ما يعني أن على الكاشف العمل بسرعةٍ ودقةٍ كبيرتين. وقد توصل العلماء إلى تحقيق ذلك بالاستعانة بكاشف نُقطي pixel يأخذ شكل الدوامة. ويعتبر هذا الكاشف من المكونات الكبيرة من الكاشف التي تم بناؤها في معهد ماكس بلانك للفيزياء. ويحتوي هذا الكاشف على ثمانية ملايين نقطة، ويستطيع التقاط 50 ألف صورة في الثانية الواحدة.


ويمثِّل البدء بأخذ القياسات بداية مرحلة التشغيل ونهاية مرحلة البناء التي استغرقت تسع سنوات، عمل خلالها العلماء والمهندسين على تحديث الكاشف، وسيستمر الكاشف بالعمل حتى الأول من تموز / يوليو من العام 2019 حيث سيتوقف مؤقتًا بغرض الصيانة، وسيُستأنف بعدها العمل مع مطلع تشرين الأول / أكتوبر.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات