قد تشير الأعمدة المائية الغريبة على يوروبا إلى وجود

صورة فنية لأعمدة المياه النابعة من المحيط الجليدي لقمر المشتري أوروبا.

حقوق الصورة: NASA’s Conceptual Image Lab - Michael Lentz (USRA), Walt Feimer (KBRwyle), Bailee DesRocher (USRA) & NASA's Jet Propulsion Laboratory


 

في عام 2012 رصد تلسكوب هابل الفضائي عموداً خافتاً من المواد المُنبعثة من القطب الجنوبي لقمر المشتري يوروبا. منذ ذلك الحين، انبعثت أعمدةٌ خافتةٌ من القمر ملمحةً إلى أنّ المواد يمكن أن تنبعث إلى الفضاء من محيطه الجليدي الداخلي.

 

الآن، فحصت دراسة جديدة صوراً للقمر بحثاً عن دلائل على هذه المواد على يوروبا، لكنها لم تجد مؤشراتٍ واضحة على هذه الثورانات.

 

في عام 1995، وصلت مهمة غاليليو التابعة لوكالة ناسا إلى نظام المشتري وبدأت بحثاً مفصلاً للكواكب الغازية الضخمة وأقمارها، بما في ذلك يوروبا. كما زارت المركبتان الفضائيتان فوياجر ونيو هورايزونز التابعتين لناسا قمر يوروبا في طريقهما للخروج من النظام الشمسي. باستخدام البيانات التي جُمعت من قبل المهمات الثلاثة، تمكن بول شينك Paul Schenk، باحث في المعهد القمري الكواكبي في هيوستن، من تقصي دلائل على تغييراتٍ يمكن أن تشير إلى أنّ المواد الثائرة قد تسقطت مرة أخرى على السطح.

 

يمكن أن تساعدنا الأعمدة نفسها في الكشف عن معلومات عن المحيط المُخبأ تحت الجليد.

 

قال شينك لموقع  space.com عبر البريد الإلكتروني: "عادةً ما تحتوي أعمدة المواد المُنبعثة من الأجرام الجليدية على مجموعةٍ من الجسيمات المُختلفة بالحجم." تسحب الجاذبية أكبر وأثقل الجسيمات إلى السطح. أضاف شينك: "دائماً ما تختلف هذه الجسيمات عن تلك الموجودة على السطح بطريقة ما، إما من حيث تركيبها أو لونها أو حجمها وبالتالي سطوعها الظاهري. لذا توقعنا أن نرصد نوعاً من السطوع غير الطبيعي أو لوناً مميزاً بالقرب من المصادر أينما كانت."

 

لكن شينك لم يجد أي اختلافاتٍ في السطوع أو التركيب قد تشير إلى سقوط مواد المحيط على السطح بعد انبعاثها.

 

يمكن أن يعني النقص المفاجئ في الاختلافات أنّ نشاط الأعمدة كان مستمراً نسبياً على مدى العقود الثلاثة من رصد السطح، بحيث تمتزج الجسيمات المُنبعثة معاً بمرور الوقت دون ترك اختلافاتٍ واضحة. يقترح احتمالٌ آخر أنّ الأعمدة تُنتج رواسب "خفية" غير مرئية بواسطة الأدوات العلمية المُتاحة. أخيراً، يمكن أن تكون الأعمدة حدثاً فريداً من نوعه، أي أنها قد لا تكون أعمدةً على الإطلاق ولكن شيئاً لم يُرصد من قبل على العوالم الأخرى.

 

قال شينك: "نحن لا نعرف حقاً سبب عدم رؤيتنا علاماتٍ واضحةٍ للأعمدة على سطح يوروبا. علينا الذهاب إلى هناك لمعرفة ذلك."

 

الأعمدة الشبحية والعلامات المخفية


تظهر هذه الصورة الفنية كيف يمكن أن تنفجر أعمدة المياه عبر السطح الجليدي ليوروبا من أعماق المحيط الجليدي للقمر.  حقوق الصورة: NASA’s Conceptual Image Lab - Michael Lentz (USRA), Walt Feimer (KBRwyle), Bailee DesRocher (USRA) & NASA's Jet Propulsion Laboratory
تظهر هذه الصورة الفنية كيف يمكن أن تنفجر أعمدة المياه عبر السطح الجليدي ليوروبا من أعماق المحيط الجليدي للقمر. حقوق الصورة: NASA’s Conceptual Image Lab - Michael Lentz (USRA), Walt Feimer (KBRwyle), Bailee DesRocher (USRA) & NASA's Jet Propulsion Laboratory

على السطح، يبدو يوروبا عادياً إلى حدٍ ما، فهو عالم رمادي وأبيض مع آثار بقعٍ حمراء مثيرةٍ للاهتمام. القمر بأكمله مغطى بالجليد، ويخفي محيطاً أسفل سطحه. يمكن أن يوفر تفاعل المحيط مع الطبقات الصخرية تحته ملاذاً لتطور الحياة، خاصةً إذا كانت المحيطات تحتوي على منافس توصل الحرارة من باطن القمر.

 

منذ عام 2012، رصد هابل العديد من المؤشرات على حدوث نشاطٍ متفجر أثناء مرور القمر بين الأرض والمشتري. خلال مروره عدة مرات، حُجب الضوء المُنعكس عن المشتري بفعل البخار المُنبعث من سطح القمر.

 

يوروبا ليس أول قمر معروفٍ باحتوائه على أعمدة متفجرة. إذ يُعرف قمر زحل إنسيلادوس بمواده المُنبعثة من الشقوق المُشابهة في شكلها لـ "خطوط النمر" على قطبه الجنوبي. حلقت مهمة كاسيني التابعة لناسا عبر إحدى هذه الثورانات لجمع عيناتٍ من المواد مع أنها لم تكن مُصممةً أصلاً لجمعها وفحصها.

 

عندما تصل مهمة يوروبا كليبر التابعة لناسا إلى القمر في ثلاثينيات القرن الحالي، ستكون مستعدةً بشكلٍ أفضل لدراسة الأعمدة. ستحمل المركبة الفضائية أداة "المطياف الكتلي لاستكشاف الكواكب/يوروبا" (MASPEX) ، الذي سيجمع غازات الأعمدة من حول القمر ليحلل المواد المُنبعثة نحو الفضاء. للقيام بذلك، يجب أن تُحلق المركبة الفضائية قرب المناطق التي تخرج منها المواد. سيجعل تحديد تلك المناطق قبل وصول المركبة الفضائية مهمتها أكثر سهولة.


صورة فنية لأعمدة المياه النابعة من المحيط الجليدي لقمر المشتري أوروبا.  حقوق الصورة: NASA’s Conceptual Image Lab - Michael Lentz (USRA), Walt Feimer (KBRwyle), Bailee DesRocher (USRA) & NASA's Jet Propulsion Laboratory
صورة فنية لأعمدة المياه النابعة من المحيط الجليدي لقمر المشتري أوروبا. حقوق الصورة: NASA’s Conceptual Image Lab - Michael Lentz (USRA), Walt Feimer (KBRwyle), Bailee DesRocher (USRA) & NASA's Jet Propulsion Laboratory

أنشأ شينك، باستخدام الخرائط التي رسمتها المهمات الثلاثة، خرائط جديدةً لكشف آلية تطور السطح بمرور الوقت. ستظهر الملامح السطحية المتغيرة كميزاتٍ داكنة أو ساطعة كبيرة مُختلفة عن التضاريس غير المتغيرة على سطح القمر. لكن الخرائط الجديدة لم تكشف عن تغييرات رئيسية أكبر من 30 ميلاً (50 كيلومتراً) على السطح.

 

بعد ذلك، تحقق شينك بشكل خاص من مواقع الأعمدة المُرشحة، وهي المناطق التي حُددت بناءً على المكان الذي رُصدت فيه الأعمدة فوق يوروبا. كانت تغطية الصور لمواقع القطب الجنوبي التي حددها هابل ضعيفة، ولم تكن هناك ملامحٌ واضحة.

 

كتب شينك في بحثه الذي نُشر في 24 مارس/ آذار في مجلة Astrophysical Journal Letters: "قد لا تُنتج الأعمدة رواسب يمكن رصدها في التصوير الحالي. هذا ممكن إذا كانت أعمدة يوروبا عبارةً عن أعمدةٍ خفية مكونة من البخار فقط، لكن من الصعب تفسير فشل بخار الماء بالتبلور لإنتاج جسيمات مُعلقة بعد نفثها إلى الفضاء."

 

يجب أن يكون الفرق بالحجم بين الجسيمات المُنبعثة والجسيمات السطحية مختلفاً بما يكفي لرصده بواسطة المركبات الفضائية حتى لو كان ترسبها رقيقاً على السطح. مع ذلك، إذا كانت هذه الأعمدة المخفية شائعةً، فقد نحتاج إلى استخدام مطياف لرسم الخرائط بالأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية للكشف عنها. ستحمل مركبة كليبر كاميرا حساسة للأشعة فوق البنفسجية وقد تكون قادرةً على اكتشاف هذه الآثار.

 

فوضى على يوروبا


من المحتمل أن تنتج المناطق المعروفة باسم "تضاريس الفوضى" أعمدةً قصيرة الأجل وقد تخفي آثارها. تنتشر المئات من هذه المناطق عبر سطح القمر الذي يحتوي على قباب وكتل شبيهة بالجبال الجليدية. عندما تسخن الطبقة السفلية من الجليد السطحي نتيجة تفاعلات المد والجزر بين المشتري ويوروبا، يتعرض السطح للضغط وينبعج منتجاً شقوق إجهاد. يضعف جليد الجزء العلوي وتنبعج القشرة وتنزلق للأسفل، مشكلةً كتلاً جليديةً كبيرة.

 

قال شينك أنّ هذه الأحداث العنيفة يمكن أن تُخرج ماءً سائلاً على السطح لفترات زمنية قصيرة. يمكن أن يغلي هذا الماء لإنتاج أعمدة موضعية من بلورات بخار الماء المتجمد. هناك مؤشرات باهتة حول التضاريس يمكن أن تكون ناتجةً عن أعمدة.

 

قال شينك: "قد نكون نرصد العلامات على نطاق كيلومترات قليلة على شكل هالات سوداء حول بعض تضاريس الفوضى، لكننا لسنا متأكدين."

 

الاحتمال الآخر هو أنَ الشقوق الواسعة التي تمتد لأكثر من 600 ميل (1000 كيلومتر) عبر سطح يوروبا قد تكون تنفث المواد. تحتوي الشقوق من حين لآخر على حواف مزدوجة تضم مواداً مُحمرةً داكنة تغطي الأسطح حتى 6 أميال (10 كيلومترات) على طول الجوانب. أشارت الأبحاث السابقة إلى أنّ المواد المُحمرة اللامعة على طول الجوانب يمكن أن تنتج عن المواد المتفجرة من الشقوق، مثل نفاثات بخار الماء من الشقوق المركزية على طول الحواف المزدوجة على قمر إنسيلادوس.

 

التقط تلسكوب هابل الفضائي صوراً لأعمدة يوروبا في 2014 و2016 المُنبعثة من نفس المنطقة على القمر.  حقوق الصورة: NASA/ESA/W. Sparks (STScI)/USGS Astrogeology Science Center
التقط تلسكوب هابل الفضائي صوراً لأعمدة يوروبا في 2014 و2016 المُنبعثة من نفس المنطقة على القمر. حقوق الصورة: NASA/ESA/W. Sparks (STScI)/USGS Astrogeology Science Center

 

قال شينك: "إذا كانت المواد المُحمرة الداكنة التي تحيط بالحواف المزدوجة على يوروبا هي نِتاج مواد الأعمدة المُنبعثة، مثل تلك الموجودة على إنسيلادوس، فسيكون منظرها مذهلاً." خلال الثورانات، ستطلق الحواف مواداً على معظم طولها تقريباً، ما سيُنتج ستائر طويلةً من الغاز والجسيمات ترتفع عدة كيلومترات إلى الفضاء فوق الحواف، على الرغم من أنه من غير المحتمل أن تنفجر جميعها في نفس الوقت.

 

أضاف شينك: "سيكون من المشوق الوقوف هناك في بدلةٍ فضائية لمشاهدة هذه الأحداث على طول الحواف التي تمتد نحو الأفق."

 

تسلط النتائج الجديدة الضوء على الكمية المحدودة والجودة المنخفضة لصور القمر. تخطط مركبة كليبر لإجراء تقصي واسع النطاق لنشاط الأعمدة، أملاً بتحقيق نجاحٍ أكبر. حتى ذلك الحين، قد تبقى طبيعة الأعمدة مجهولة، وفقاً لشينك.

 

"مهما كان ما يحدث على يوروبا، فنحن لم نتوصل إلى حقيقته بعد."


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات