يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
هل تستحق نظرية الأوتار كل هذا العناء؟

في نظرية الأوتار، تستبدل الأوتار متناهية الصغر الجسيمات دون الذرية التقليدية. (حقوق الصورة: © Michael Taylor | shutterstock).

بعد مرور 60 عاماً من نشأتها، لم تسفر هذه النظرية الجميلة عن العديد من النتائج الملموسة.

تتمتع نظرية الأوتار بمسيرة طويلة وموقرة؛ حيث استخدمت في ستينيات القرن المنصرم في محاولة شرح القوة النووية القوية strong nuclear force، أما الآن فقد نمت وأصبحت إحدى النظريات المرشحة لتكون "نظرية كل شيء" Theory of everything: إطار واحد موحد لفهم كل الأشياء في الكون وحوله. جاذبية كمومية؟ نظرية الأوتار. كتلة الإلكترون؟ نظرية الأوتار. مقدار القوة؟ نظرية الأوتار. الطاقة المظلمة؟ نظرية الأوتار. سرعة الضوء؟ نظرية الأوتار.

إنها فكرة مغرية وجميلة، ولكن لقد مضى 60 عاماً دون أن نحصل منها على أية نتيجة أو "نظرية نهائية" أو أي تنبؤات بإمكاننا اختبارها من خلال إجراء التجارب في الكون الواقعي. هل حان الوقت للتخلي عن هذه الفكرة؟

 


البحث عن الوحدة


إن هناك سبب وراء تمسك قلوب وعقول الكثير من الفيزيائيين والرياضيين بنظرية الأوتار لمدى عقود، وهذا السبب يتعلق بالجاذبية. لقد ثبت أن دمج الجاذبية مع فهمنا لميكانيكا الكم أمر صعب للغاية-حتى أن ألبرت أينشتاين نفسه لم يتمكن من فعلها. ولكن على الرغم من كل محاولاتنا، لم نتمكن من صياغة وصف كمومي ناجح للجاذبية، ففي كل مرة نحاول فيها ذلك، تتشابك الرياضيات في عقدة من اللانهاية، مما يجعل التنبؤات مستحيلة.

ولكن في سبعينيات القرن العشرين، اكتشف مؤسسو النظريات شيئًا رائعًا، فقد كان هناك تنبؤ عام لما يدعى بالجرافتون Graviton مدفوناً بداخل رياضيات نظرية الأوتار، وهو حامل لقوة الجاذبية، وبما أن نظرية الأوتار هي- بطبيعة بنيتها -نظرية كمومية، فهذا يعني أنها توفر نظرية كمية للجاذبية بشكل تلقائي.

إنها معضلة محيرة للغاية، حيث أنها النظرية الوحيدة للفيزياء الأساسية التي تتضمن الجاذبية، وإن نظرية الأوتار الأصلية لم تكن تحاول حتى!

مع ذلك، وبعد مرور عقود، لم يتمكن أحد من التوصل إلى وصف كامل لنظرية الأوتار. كل ما لدينا هو مجرد مقاربات متنوعة نأمل أن تصف لنا النظرية النهائية (وتلميحات لإطار شامل يعرف باسم "نظرية-إم")، ولكن ولا واحدة من تلك المقاربات لديها القدرة على تقديم تنبؤات فعلية لما قد نراه في تجارب المصادم أو في الكون.

وحتى بعد كل هذه العقود والإغواء في الوصول إلى نظرية موحدة للفيزياء إلا أن نظرية الأوتار لم تستكمل بعد.

المنظر


إن أحد التحديات العديدة التي تطرحها نظرية الأوتار يتمثل في تنبؤها بوجود أبعاد إضافية في عالمنا معقودة وملتفة على نفسها ضمن أحجام صغيرة للغاية، ويكفي القول أنه ثمة العديد من الطرق التي يمكن لهذه الأبعاد أن تتداخل فيها-حوالي 10,100,000 طريقة، وبما أن الترتيب الخاص للأبعاد الإضافية يحدد كيفية اهتزاز الأوتار، والطريقة التي تهتز بها الأوتار تحدد كيفية تصرفها (مما يؤدي إلى تنوع القوى والجسيمات في العالم)، فإن واحداً فقط من تلك الترتيبات التي لا تعد ولا تحصى للأبعاد الإضافية يمكن أن يتوافق مع كوننا.

ولكن أي واحدة منها؟

في الوقت الراهن، سيكون من المستحيل الجزم باستخدام نظرية الأوتار بحد ذاتها-فنحن نفتقر إلى التطور والفهم الكافيين لاختيار أحد تلك الترتيبات وتحديد كيفية اهتزاز الأوتار، وبالتالي معرفة "نكهة" الكون المقابلة لذلك الترتيب.

بما أن نظرية الأوتار لا تستطيع أن تخبرنا عن الكون الذي تفضله على ما يبدو، فإن بعض مؤسسي النظريات قد افترضوا مؤخرًا إمكانية تفضيلها لجميع الأكوان، وهو ما يسمى "المنظر" Landscape.

إن المنظر هو عبارة عن أكوان متعددة تمثل جميع الترتيبات الممكنة، والتي يبلغ عددها 10,100,000 للأبعاد المجهرية، وبالتالي جميع ترتيبات الواقع المادي والتي يبلغ عددها أيضاً 10,100,000. إن هذا يعني وجود أكوان أخرى، وكوننا مجرد واحد من بين هذه الأكوان التي لا تحصى تقريبًا.

فكيف انتهى بنا المطاف في هذا الكون، وليس في كون آخر؟ تتمثل الحجة هنا في ما يسمى بالمبدأ الإنساني Anthropic Principle، والذي يقترح أن كوننا هو كما هو، لأنه لو كان مختلفًا (على سبيل المثال: ذو سرعة ضوء مختلفة أو كتلة أكبر للإلكترون)، فإن الحياة-على الأقل كما نفهمها-ستكون مستحيلة، ونحن لن نكون موجودين بالأساس حتى نطرح هذه الأسئلة الهامة والكبيرة.

إذا بدا لك هذا مشبعا ولكن غير مرضٍ، مثل تناول كيس كامل من رقائق البطاطس، فأنت لست وحدك. إن اللجوء إلى الحجة الفلسفية باعتبارها النتيجة النهائية التي تم الحصول عليها بشق الأنفس والعمل لمدى عقود في نظرية الأوتار تجعل العديد من الفيزيائيين يشعرون بعدم الرضا.

تماثل مكان دي سيتر المضاد ونظرية الحقل الإمتثالي The AdS/CFT correspondence.

إن الحقيقة هي أن معظم مؤسسي نظرية الأوتار لم يعودوا يعملون على مسألة التوحيد، فقد جذب اهتمام المجتمع العلمي علاقة مثيرة للاهتمام تسمى "تماثل مكان دي سيتر المضاد ونظرية الحقل الإمتثالي" The AdS/CFT correspondence. لا، إنها ليست تقنية محاسبية جديدة، إنها علاقة مقترحة بين نسخة من نظرية الأوتار التي تتواجد في كون خماسي الأبعاد مع ثابت كوني cosmological constant سلبي، ونظرية الحقل الإمتثالي conformal field theory ذات أربعة أبعاد متواجدة على حدود ذلك الكون.

بالمختصر المفيد، يمكن معالجة بعض المشاكل الشائكة في الفيزياء من خلال الرياضيات التي تم تطويرها على مدى عقود من الاستقصاء في نظرية الأوتار، وفي حين أن هذا لا يحل مشاكل نظرية الأوتار نفسها، إلا أنه يسمح على الأقل بتوظيف كل تلك الآلات بما يفيد، ويساعد بالتحقيق في العديد من المشاكل، مثل لغز معلومات الثقب الأسود والفيزياء الغريبة لبلازما كوارك-غلوون quark-gluon plasmas.

وهذا شيء هام بالتأكيد إذا افترضنا أنه يمكن إثبات التماثلات، وأن تؤتي النتائج المستندة إلى نظرية الأوتار ثمارها.

ولكن إذا كان هذا هو كل ما سنحصل عليه بعد عقود من العمل على نظرية الأوتار-مجرد مقاربات لما نأمل بأن يكون التفسير الحقيقي للعالم، وهو منظر للأكوان المتعددة، ومجموعة أدوات لحل بعض المشكلات-فهل حان الوقت للعمل على شيء آخر؟

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الثابت الكوني (cosmological constant): هذا الثابت لازمٌ لتفسير السبب في أن تمدد الكون يبدو متسارعا. ويُنسب هذا التسارع إلى المفعول العدسي (gravitational lensing) لأنه يجعل العالم أكبر. المصدر: العلوم الأأمريكية.

اترك تعليقاً () تعليقات