لغز النجوم المفقودة

 

بفضل تلسكوب هابل الفضائي، أصبحت أحد أكثر المواطن الكونية غموضاً أكثر إثارة للحيرة؛ إذ تُظهر الأرصاد الجديدة للعناقيد الكروية الموجودة في مجرة صغيرة أنها مشابهة لتلك العناقيد الموجودة في مجرتنا درب التبانة، وهذا يُحتِّم انها تشكلت بطريقة مُشابهة. تتنبأ إحدى النظريات الرائدة حول كيفية تشكل العناقيد بأن العناقيد الكروية تتواجد مُحتضَنة بين كميات كبيرة من النجوم القديمة. ولكن هذه النجوم القديمة و بالرغم من انها منتشرة في مجرتنا درب التبانة إلا أنها ليست موجودة في هذه المجرة الصغيرة وبالتالي يزداد الغموض عُمقاً.

 

العناقيد الكروية عبارة عن كرات كبيرة من النجوم تدور حول مراكز المجرات، ولكن يمكنها التواجد بعيدة جداً عنها، وهي لا تزال واحدة من أكبر الأسرار الكونية. وقد اُعتقد مرة أنها مكونة من مجموعة واحدة من النجوم التي تشكلت معاً. بيدَ أن الأبحاث أظهرت أن الكثير من العناقيد الكروية في درب التبانة لديها تواريخ تَشكُل أكثر تعقيداً وتشكلت ضمن مجموعتين متميزتين من النجوم على الأقل.

 

حوالي نصف النجوم من تلك المجموعات هي من الجيل الأول من نجوم عادية والتي يُعتقد أنها تشكلت أولا، ويشكل النصف الآخر جيل ثان من النجوم الملوثة بعناصر كيميائية مختلفة. تحتوي النجوم الملوثة على وجه الخصوص نيتروجين أكثر بـ 50- 100 مرة من نجوم الجيل الأول، ونسبة النجوم الملوثة في العناقيد الكروية المتواجدة في درب التبانة أعلى بكثير مما توقعه علماء الفلك، وهذا يُوحي بأن جزءاً كبيراً من مجموعة الجيل النجمي الأول مفقود، والتفسير السائد لهذا هو أن العناقيد احتوت فيما مضى العديد من النجوم ولكن طُرد جزء كبير من نجوم الجيل الأول من العنقود في وقت ما في الماضي.

 

هذا التفسير منطقي للعناقيد الكروية في درب التبانة، حيث بمقدور النجوم المقذوفة الاختفاء بسهولة بين العديد من النجوم المتشابهة والقديمة في هالة واسعة، ولكن الأرصاد الجديدة والتي تنظر إلى مثل هذا النوع من العناقيد في مجرة صغيرة ،وَضعت هذه النظرية موضع تساؤل.

 

استخدم علماء الفلك كاميرا تلسكوب هابل واسعة الحقل 3 (أو اختصاراً WFC3) من أجل رصد أربع عناقيد كروية في مجرة صغيرة مجاورة تعرف باسم Fornax Dwarf Spheroidal galaxy. يقول سورين لارسن(Søren Larsen) من جامعة رادبود في نيميغن-هولندا، والمؤلف الرئيسي للورقة العلمية الجديدة: "نحن على علمٍ بأنّ عناقيد درب التبانة أكثر تعقيداً مما كان يعتقد في الأصل وهناك نظريات لتفسير السبب ، ولكن لكي نختبر نظرياتنا حول كيفية تشكل هذه العناقيد بشكل حقيقي نحن بحاجة لمعرفة ما يحدث في بيئات أخرى. لم نعرف من قبل فيما إذا كانت العناقيد الكروية في المجرات الصغيرة تحوي أجيال متعددة أم لا ، ولكن تُظهر أرصادنا بوضوح أنها تحتوي العديد من الأجيال فعلاً".

 

أظهرت أرصاد علماء الفلك المفصلة لعناقيد Fornax الأربعة أنها تحتوي على مجموعة ثانية من النجوم الملوثة أيضاً ،كما وأشارت إلى أن تشكلها كان بطريقة مشابهة لبعضها البعض، وعملية تشكلها مشابهة أيضاً لتلك العناقيد الموجودة في درب التبانة. على وجه التحديد، إستخدم علماء الفلك أرصاد هابل لقياس كمية النيتروجين في النجوم العنقودية، ووجدوا أن حوالي نصف النجوم في كل عنقود ملوثة بنفس المستوى الذي يُشاهد في العناقيد الكروية في درب التبانة.

 

تعني هذه النسبة العالية لنجوم الجيل الثاني الملوث أن تَشَكُل العناقيد الكروية في Fornax يجب أن يُشمل بنفس النظرية كما لو كانت في درب التبانة. بناءاً على عدد النجوم الملوثة في هذه العناقيد، فإنه يتوجب على هذه العناقيد أن تكون أضخم بعشر مرات في الماضي، وذلك قبل طردها لأعداد كبيرة من نجوم الجيل الأول وتقلص حجمها لتصل إلى الحجم الحالي. ولكن على عكس مجرة درب التبانة، فإن المجرة التي تستضيف هذه العناقيد لا تحوي ما يكفي من النجوم القديمة لتعتبر مسؤولة عن العدد الهائل الذي من المفترض أنه تمَّ نفيه من العناقيد.

 

ويوضح فرانك "Frank Grundahl " من جامعة آرهوس في الدنمارك والمشارك في تأليف الورقة العلمية: "لو كانت هذه النجوم المطرودة هناك، فمن المفترض أن نراها، ولكن نحن لانراها! . إذا ليس بإمكان نظرياتنا الرائدة حول التشكل أن تكون صحيحة. لا يوجد مكان باستطاعة Fornax أن تُخفي فيه النجوم المطرودة، لذا يبدو أنه ليس بمقدور العناقيد أن تكون كبيرة جداً في الماضي".

تعني هذه النتائج أن نظرية رائدة حول كيفية تشكُل عناقيد كروية وذات أجيال مختلطة لا يمكن أن تكون صحيحة ويتوجب على علماء الفلك التفكير مرة أخرى حول كيفية مجيء هذه الأجسام الغامضة إلى الوجود في درب التبانة والأماكن الأبعد.

وردت تفاصيل هذا العمل الجديد في ورقة نشرت يوم 20 نوفمبر عام 2014 في مجلة الفيزياء الفلكية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المجرة (galaxy): عبارة عن أحد مكونات كوننا. تتكون المجرة من الغاز وعدد كبير (في العادة، أكثر من مليون) من النجوم التي ترتبط مع بعضها البعض، بوساطة قوة الجاذبية. و عندما تبدأ الكلمة بحرف كبير، تُشير Galaxy إلى مجرتنا درب التبانة. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات