أصواتٌ من المريخ: زرع ميكروفونات على مركبة بيرسيفيرانس التابعة لناسا لسماع الكوكب الأحمر

رسمٌ تخطيطيّ لمركبة بيرسيفيرانس Perseverance التابعة لوكالة ناسا NASA يُظهر مواقع اثنين من الميكروفونات. (حقوق الصورة: © NASA / JPL-Caltech ).

لأول مرةٍ على الإطلاق، يأمل مصممو مهمة مركبة بيرسيفيرانس Perseverance أن يجمع المسبار التابع لوكالة ناسا NASA أصوات المريخ بدءًا من لحظة هبوط المركبة الفضائية عبر الغلاف الجوي إلى الموقع الذي ستحطّ فيه في فوهة جيزيرو Jezero Crater.



ستحطّ بيرسيفيرانس في 18 شباط/فبراير عام 2021 خلال هبوطٍ متسلسل محفوفٍ بالمخاطر مشابهٍ لتسلسل هبوط سابقتها مركبة كيوريوسيتي Curiosity، والتي نجت بعد سبع دقائقٍ من الهبوط المرعب في عام 2012 باستخدام المظلات ورافعةٍ سماوية؛ سوف تلتقط الميكروفونات الموجودة على متن بيرسيفيرانس أصوات هذا الهبوط الملحميّ، لتساعد بعد ذلك في توجيه العربة الجوالة خلال تحقيقاتها العلمية على سطح المريخ.

يمثّل الميكروفونان المرتبطان بمسبار بيرسيفيرانس آلية قدرة المركبة على سماع أصوات كوكب المريخ عند وصولها إليه، وليس مجرّد رؤيته ولمسه وتحليله كيميائيًا كما فعل أسلافها من المركبات السابقة.

سيطير أحد الميكروفونات فوق نظام الدخول والهبوط (EDL) الخاص بمسبار بيرسيفيرانس، وسيستمع المهندسون إلى الأمر بينما تنبثق مظلات المركبة في الغلاف الجوي الرقيق للمريخ مستهدفةً بدقة المكان الذي تريد أن تهبط فيه على السطح.

توضع "أدمغة" ميكروفون نظام الدخول والهبوط بأمان في جسم العربة الجوالة، وتتواصل مع "الأذن" على جانب جسم العربة، وستستمع هذه الأذن إلى اندفاع الرياح والغبار أثناء عملية الهبوط المحفوفة بالمخاطر، وقد تسمع الاحتكاك الجوي الذي تتعرض له المركبة الفضائية.

من المحتمل أن يكون هذا الميكروفون قصير العمر، وفقًا لوثيقةٍ صادرةٍ عن وكالة ناسا، لأنّ تصنيعه تمّ باستخدام أجهزةٍ اعتياديةٍ اشتُريت من متجرٍ عاديّ، ويتوقع فريق بيرسيفيرانس أن يسمع ميكروفون نظام الدخول والهبوط، الهبوط بحدّ ذاته فقط، على الرغم من أنه قد يسمع الرياح ويلتقط بعض أصوات العربة الجوالة مثل دوران العجلات والمحركات ومضخات الحرارة إذا ما نجا من الهبوط الصعب.

يعدّ الميكروفون الثاني جزءًا من نظام سوبركام SuperCam، والذي سيطلق الليزر على الصخور لاختراقها وفحص تركيبتها، ويتمثل أحد أهداف سوبر كام في تحديد المركبّات العضوية التي يمكن أن تكون مرتبطة بالحياة الماضية على المريخ، ما يجعل الأداة ضرورية لهدف مركبة بيرسيفيرانس الأكبر ألا وهو معرفة مدى ملاءمة المريخ للميكروبات أي الأحياء الدقيقة في الماضي القديم.

سيعطي الميكروفون الثاني للعلماء معلوماتٍ إضافية حول ما يدرسه نظام سوبركام، وفقًا لنفس الوثيقة الصادرة عن ناسا؛ تماماً كما يبخّر ليزر الجهاز الصخور ليصنع شيئًا ما لتقوم أدوات تسجيل الضوء في سوبركام بدراسته، كذلك فإن التبخير سيخلق موجة صدمة أي فرقعة، وسيسجلها الميكروفون من موقعه الآمن على العربة الجوالة نفسها، ومن خلال تحليل هذه الفرقعة، يمكن للعلماء قياس صلابة الصخور المتبخرة، ما يوفر أدلةً حول تكوينها.

ووفقًا لوكالة ناسا، يمكن ضبط ميكروفون سوبركام لمدة 3.5 دقيقة تقريبًا في كلّ مرة خلال هذه الملاحظات العلمية الاعتيادية، ويتوقع العلماء أن الليزر الذي يبخر أهدافه لن يكون الصوت الوحيد الذي يلتقطه الميكروفون، وقد تتضمن أصوات الضوضاء الأخرى المسموعة التي ستُلتقط كشطَ حبيبات الرمل على سطح المريخ، وتوجيه الرياح حول الصاري المتجول، وربما إن كانت المركبة الجوالة في المكان المناسب في الوقت المناسب فقد تلتقط أصوات عصف الدوامات الترابية على مسافةٍ قريبةٍ، والتي تكون المركبات السابقة قد شاهدتها من قبل لكنها لم تسمعها.

قد يلتقط الميكروفون أيضًا أصوات أنشطة مركبة بيرسيفيرانس، مثل دوران عجلاتها في الغبار أو تحريك ذراعها أو أجهزتها وآليات أخذ العينات المستخدمة؛ تعني آلية تنصّت الميكروفون أنه في حالة فشل أحد هذه الأنظمة فإنه يمكن للأصوات المسجلة أن تساعد المهندسين في تشخيص الخطأ الذي حدث والتخفيف منه، إلى جانب الصور القياسية ومقاطع الفيديو التي سيرسلها المسبار من السطح.

في حين نجحت ثماني مركباتٍ فضائية سابقة في الوصول بأمان إلى سطح المريخ، لم يتمكن أيٌّ منها من نشر الميكروفونات، فإما أنّ هذه التكنولوجيا لم تكن على متن المركبة الفضائية في المقام الأول أو أن المعدات أو المركبة الفضائية فشلت في تحقيق الأمر.

سجّلت مركبة الإنزال إنسايت InSight التابعة لوكالة ناسا سابقًا أصوات رياح المريخ في عام 2018، لكن ذلك لم يكن تسجيلًا صوتيًا حقيقيًا، وبدلًا من ذلك، فقد صنع مستشعر ضغط الهواء ومقياس الزلازل على متن المركبة الصوتَ، وزيّفه، وتلاعب بالبيانات.

أُطلِقت الميكروفونات إلى المريخ مرتين من قبل، وُضع أحدهما على متن مهمة مركبة مارس بولار لاندر Mars Polar Lander التابعة لوكالة ناسا، والتي تحطمت أثناء الهبوط في عام 1999، وطار الميكروفون المريخيّ الآخر مع مركبة فينيكس Phoenix التي هبطت بشكلٍ مثاليّ في عام 2008، لكن ناسا أوقفت الميكروفون قبل الهبوط بسبب مشاكلَ فنيةٍ.

قالت جمعية الكواكب الأميركيّة The Planetary Society التي صممت الميكروفون على مركبة مارس بولار لاندر في بيانٍ لها أنها حريصة على سماع أصوات المريخ أخيرًا بعد الانتظار الطويل وصبرٍ دام لأكثر من عشرين عامًا.

صرّح غريغ ديلوري Greg Delory، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة أجهزة الفضاء هيليوسبيس Heliospace، في البيان: "لقد تمكنّا من رؤية المريخ من وجهة نظر المسبار منذ فترةٍ طويلة"، وقدّم ديلوري المشورة لفريق ميكروفون سوبركام وساعد في تصميم ميكروفون مارس 1999/Mars 1999 التابع لجمعية الكواكب الأميركيّة، وأضاف قائلًا: "إنه لأمرٌ لا يُصدّق أن نكون قادرين على إضافةِ حسٍ آخر لفهمنا للمريخ".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات