أول الأدلّة على تصحيح في سرعة الضوء

 

عندما رصد فلكيون الضوء القادم من سوبرنوفا بعد 7.7 ساعة من وصول النيوترينوهات القادمة من نفس الحدث وللمرّة الأولى، تجاهلوا الأدلّة. الآن، يقول أحد الفيزيائيون أن سرعة الضوء لا بدّ وأن تكون أبطأ مما تنبأ به اينشتاين وقام هذا الفيزيائي بتطوير نظرية تشرح السبب.

 

خلال الساعات المبكرة من صباح 24 فبراير 1987، التقط كاشف نيوترينو مدفون عميقاً تحت جبل بلانك في شمال إيطاليا ارتفاعاً مفاجئاً في النيوترينوهات. بعد ذلك بثلاث ساعات، قامت كواشف نيوترينو أخرى في موقعين مختلفين بالتقاط اندفاع مشابه. بعد ذلك بحوالي 4.7 ساعة، لاحظ فلكيون، يدرسون سحابة ماجلان الكبرى التي تدور حول مجرتنا، لمعاناً طويل الأمد لنجم عملاق فائق أزرق يُعرف بـ Sanduleak-69 202، أثناء تحوّله إلى سوبرنوفا. منذ ذلك الوقت، أصبحت هذه السوبرنوفا، التي سُميت بـ SN 1987a، أكثر سوبرنوفا في التاريخ تمت دراستها بشكلٍ واسع.

 

ولكن حتى يومنا هذا، لازال هناك غموض كبير يُحيط بـ  SN 1987a، حيث قام الفيزيائيون الفلكيون بتناسي ذلك الغموض. تكوَّن الحدث من انفجارين بجسيمات النيوترينو وفصل بين هذين الانفجارين ثلاث ساعات وبعد ذلك بحوالي 4.7 ساعة، تبعهما إشارات بصرية أولى للحدث. تتحرك كل من النيوترينوهات والفوتونات بسرعة الضوء وبالتّالي يجب أن يصلا بشكلٍ متزامن إلينا، أي عند نفس الوقت تماماً. يكمن الغموض في السبب الكامن وراء هذا التّأخر الزمني الضخم والذي بلغ 7.7 ساعة بين الانفجار الأول للنيوترينوهات وبين وصول الفوتونات المرئية. اليوم، لدينا إجابة عن هذا السؤال والفضل في ذلك يعود إلى عمل James Franson  من جامعة ميريلاند في بالتيمور.

 

استخدم Franson قوانين ميكانيك الكم من أجل حساب سرعة الضوء الراحل عبر الكمون الثقالي العائد لكتلة درب التبانة. ووفقاً لـ Franson، لم يتم أخذ التأثيرات الصغيرة لميكانيك الكم بعين الاعتبار لأن كل الحسابات السابقة لسرعة الضوء اعتمدت على النسبية العامة. لكن هذه التأثيرات تصبح معتبرة عند مثل هذه المسافات الطويلة وضمن كتلة كبيرة ككتلة درب التبانة. يقول Franson أن تأثيرات ميكانيك الكم لا بد أن تُبطئ من سرعة الضوء في مثل هذا النّوع من الظّروف وتوصل إلى أن هذا الأمر يتطابق مع التأخر المرصود بشكلٍ أكبر منه بقليل أو أقل بقليل.

 

في البداية، لنوضح بعض الأساسيات المتعلقة بآليات السوبرنوفا. تبدأ السوبرنوفا بانهيار قلب نجم ما وتُولد كل من النيوترينوهات والفوتونات المرئية. على أية حال، تُؤخر كثافة القلب من عملية ولادة الفوتونات لمدة من الزمن تصل لحوالي 3 ساعات. وفي المقابل، تتفاعل النيوترينوهات بشكلٍ أضعف مع المادة وبالتالي ينشأ عن ذلك الأمر فروق بسيطة جداً.

 

يعتقد الكثير من الفيزيائيين الفلكيين أنه باستطاعة السوبرنوفات أيضاً أن تُعاني من انهيار آخر، ما يُولد انفجاراً إضافياً مكوناً من النيوترينوهات. ولذلك السّبب التقطت الكواشف الموجودة على الأرض انفجارين. لكن لايزال التّوقيت لغزاً حقيقياً.

 

كان على الفوتونات المرئيّة الوصول بعد حوالي 3 ساعات فقط من الانفجار الأول للنيوترينوهات بدلاً من وصولها بعد 4.7 ساعة من الانفجار الثاني. بغياب وجود أي تفسير، تجاهل الفيزيائيون الفلكيون هذا الانفجار ببساطة، إذ قالوا أن من المستحيل أن يكون هذا الانفجار مترافق مع السوبرنوفا ولابد أنه كان عبارة عن مصادفة محضة، هذا إن صرفنا النظر عن أن احتمال وقوع مثل هذه المصادفات يصل إلى قيمة تشبه 1 لكل 10000. تناول Franson  هذه المشكلة من زاوية مختلفة بصفته مفكر رائد في مجال قياسات التداخل وميكانيك الكم.

 

أشار Franson إلى أنه كان على الفيزيائيين الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات الكمون الثقالي على السلوك الكمّي للذرات الموجودة في المادة، إذ يُوجد تجارب لقياسات التداخل خاصة بهذا الموضوع. لذلك لا يبدو من الغريب الاعتقاد بأن الكمون الثقالي يمتلك ربما تأثيراً ما على الفوتونات. مضى تفكير Franson وفقاً لهذا المنطق. مع تحرك الفوتون عبر الفضاء، هناك فرصة محددة من أجل قيامه بتشكيل زوج الكترون-بوزيترون.

 

يظهر هذا الزوج إلى حيز الوجود لفترة قصيرة من الزمن وبعد ذلك يخضع لعملية إعادة الاتحاد من جديد ليُشكل فوتوناً آخر يستمر في طريقه على نفس المسار. هذه العملية معروفة بشكلٍ جيد وتُعرف باستقطاب الخلاء (Vacuum Polarisation). تنص فكرة Franson على أنه من المؤكد قيام الكمون الثقالي بالتأثير على زوج الالكترون- بوزيترون لأنها تمتلك كتلاً. يقول Franson، "بتعبير أبسط، يُغير الكمون الثقالي من طاقة زوج الالكترون-بوزيترون الافتراضي، الأمر الذي يؤدي بدروه إلى إنتاج تغير صغير في طاقة الفوتون".

 

ينتج عن ذلك تصحيح صغير في التردد الزاوي للفوتون وبالتالي في سرعته. في المقابل، لا تتأثر النيوترينوهات بالطريقة نفسها. ينتج تفاعلها مع الجسيمات الافتراضية عبر قوة ضعيفة وهذه القوة مهملة بالمقارنة مع سابقتها. لذلك، تتحرك النيوترينوهات عند سرعة الضوء ودون أي اضطراب حاصل في هذه السّرعة. يقول Franson، "تتضمن التأثيرات المماثلة في حالة النيوترينوهات التفاعل الضعيف وهذا التّفاعل صغير إلى درجة يمكن معها إهماله عند المقارنة ".

 

يتابع Franson عملية حساب قيمة هذا التأثير عند المسافات بين- المجرية التي تفصلنا عن SN1987a. يتضمن ذلك الأمر الأخذ بعين الاعتبار الكمون الثّقالي في إطار الوصف الالكتروديناميكي الكوانتي للفوتونات – عملية تقوم بشكلٍ أساسي بالجمع بين نظرية الكم والنسبيّة العامة. النتيجة مذهلة. تقترح الحسابات أن الفوتونات تأخرت بعامل يتناسب مع ثابت البنية الدقيقة (fine structure constant).

 

عندما يتم وضع الأرقام المرتبطة معاً ضمن المعادلات، يستنتج Franson أن التأثير الجديد يُمكن أن يأخذ بسهولة بعين الاعتبار التأخر المرصود والذي بلغ 4.7 ساعة. يقول Franson، ‘‘نتائج هذا النموذج منطقية وتتوافق مع المراقبات التجريبية للسوبرنوفا  SN1987a، والتي وصلت فيها النيوترينوهات الأولى قبل 7.7 ساعة من وصول أول الفوتونات.

 

هذا جزء مهم جداً من العمل، إذ يُعتبر تصحيح سرعة الضوء عند هذا النوع من المسافات الفلكية نتيجة كبيرة جداً ولهذه النتيجة عواقبها. يقول Franson أن هذا النوع من التفكير سيؤدي إلى تصحيح صغير في العزم المغناطيسي الشّاذ للالكترون وفي معدل تفكك (الاورثوبوزيترونيوم Orthopositronium (الاسم الذي يطلق على الكترون وبوزيترون يدوران حول بعضهما البعض

 

سيؤدي ذلك الأمر إلى بعض التجارب المثيرة في المستقبل. نشر Franson هذه الفكرة قبل بضعة أعوام ولكن تم نشرها مؤخراً في the New Journal of Physics. يجب أن يقدم هذا الأمر بعض الدّفع من أجل المضيّ قدماً. ما يحتاج إليه من أجل التأكد تماماً من أفكاره هو الحصول على المزيد من الأدلة حول الاختلاف الحاصل في أزمنة وصول النيوترينوهات والفوتونات القادمة من السوبرنوفات. القيام بذلك الأمر ليس صعباً جداً، لكنه ليس سهلاً أيضاً.

 

كذلكَ هناك مجموعة من التّجارب التي تقوم بقياس العزم المغناطيسي الشّاذ للإلكترون خلال تفكك الاورثوبوزيترونيوم. إذا كان محقاً –أي أن سرعة الضوء أبطأ مما تنبأ به اينشتاين –سيكون الأمر مدهشاً جداً. سنراقب ماذا سيحدث لاحقاً.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الاستقطاب (Polarisation): هو اتجاه الاهتزازات الموجودة في مستوي عمودي على مستوي انتشار الموجة، ومن الممكن أن يتكرر هذا المصطلح في العديد من المجالات الأخرى.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات