هل الثّقب الأسود العملاق الموجود في مركز مجرّتنا عبارة عن ثقب دوديّ؟

على الرغم من امتلاكنا لفكرة جيدة جداً تنص على أنّ مجرتنا تحتوي ثقباً أسوداً فائق الكتلة في مركزها، ولكن يُمكن لتفسير آخر إن وُجِد –رغم أنه أكثر غرابة –أن يشرح مراقباتنا المتعلقة بـ Sagittarius A. ربما يكون هذا الجسم ثقباً دوديّاً.

 

هذه الفكرة تعود إلى باحثين قاما باستكشاف هذه الاحتماليّة ضمن ورقة جديدة سُجلت في مخدّم الأوراق العلمية arXiv. على الرغم من أنّ عملهما نظري بشكلٍ خالص، إلا أنّ كلاً من Zilong Li وCosimo Bambi من جامعة فودان في شنغهاي حددا بصمة لإصدارٍ محدد يُحيط بثقبهما الدوديّ الافتراضي، وهي بصمة يُمكن كشفها بوساطة جهاز متطور سيُصبح متاح قريباً ضمن أقوى التلسكوبات في العالم.

 

Sagittarius A، أو Sgr A، هو منطقة موجودة في قلب درب التبّانة. تقوم هذه المنطقة بتوليد أمواج راديوية قوية ولطالما اشتبه الفلكيّون بأنها موقع لثقب أسود تبلغ كتلته 4 ملايين أضعاف كتلة شمسنا. على أيّة حال، لم يتم تأكيد وجود ثقب أسود في تلك المنطقة حتى مجيء الوقت الذي تمكن فيه الفلكيّون من تعقّب النجوم التي تدور عند مسافة قريبة من منطقة يُعتقد بأنها تشكل أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود. 

 

لكن تُشكل الثقوب السوداء فائقة الكتلة لغزاً. 


نعرف الآن ما هي الإشارة التي يُولدها ثقبنا الأسود فائق الكتلة، اكتشف الفلكيّون أن معظم المجرّات الأخرى تمتلك أيضاً ثقوباً سوداء فائقة الكتلة في مراكزها. حتى عند النّظر إلى أكثر المجرّات شباباً والموجودة عند أبعد المسافات الكونيّة، بدا أن تلك المجرّات تأوي هذه الثقوب السوداء العملاقة. 

 

من أجل أن يكتسب ثقب أسود ما مزيداً من الكتلة، من المنطقيّ أن نفكر بأنه يحتاج إلى الكثير من الوقت حتى يقوم بمراكمة الكتلة –حيث يقوم بالتهام الغاز بين-النجمي، النجوم والمواد المجريّة الأخرى. لكن من أجل شرح الثقوب السوداء فائقة الكتلة التي وُجدت في المجرّات الأكثر شباباً، لا بد من وجود شيء إضافي علينا أن نفهمه وهو كامن وراء آليّة النّمو السريعة لهذه الثقوب.

 

على أيّة حال، وفقاً لـ Li وBambi: من أجل شرح مراقباتنا الخاصّة بـ Sgr A وقلوب المجرّات الأخرى، يُمكن استدعاء نتيجة بارزة من نتائج نظرية النسبية العامة لاينشتاين من أجل ان تلعب دور البديل وبالتالي نلتف على لغز كيفية نمو الثقوب السوداء فائقة الكتلة لتصل إلى أحجام كبيرة بسرعة كبيرة جداً. 

 

كتب الباحثان: ‘‘في حين أن طبيعتها غريبة، على الأقل يمكن لبعض الأنواع من الثقوب الدودية WHs أن تؤلف مرشحين محتملين لتفسير الأجسام فائقة الكتلة الموجودة في مراكز المجرّات. لا تتمتع تلك الأجسام بسطح صلب، وبالتّالي ربّما تُحاكي وجود أفق حدث. لا بد وأنّها نتجت في المراحل المبكرة من عمر الكون ونمت خلال التضخم، ولذلك يُمكن تفسير وجودها حتى عند قيمٍ كبيرة جداً للانزياح نحو الأحمر‘‘. 

 

المجرّات التي تمتلك انزياحاً مرتفعاً نحو الأحمر هي المجرّات الأكثر شباباً التي يُمكننا رصدها، حيث سافر الضوء المجرّي لمليارات من الأعوام وبترددات انزاحت نحو الجزء الأكثر احمراراً من الطيف الكهرومغناطيسي.

 

يُمكن لنوع الثقب الدوديّ الذي يُحاكي الثقب الأسود أن يتشكل خلال الانفجار العظيم فقط، ممتلكاً كتلة تفوق كتلة شمسنا بمليارات الأضعاف، وربّما يُمكن له ان يفسّر السبب الكامن وراء امتلاك المجرّات المبكرة لثقوب سوداء فائقة الكتلة في مراكزها. ربما لا تكون ثقوب سوداء على الإطلاق. في الواقع، يُمكن أن تكون ثقوباً دودية عملاقة تربط مناطق مختلفة من الفضاء والزمان. (على الرغم من أن مسألة اجتياز هذه الثقوب تبقى لغزاً محيراً). 

 

ربما يبدو هذا الأمر كتسلية وألعاب نظرية تعود للخيال العلمي، لكن Li وBambi قاما بتحديد جهاز جديد قوي يُمكن أن يُستخدم من اجل تحليل الإصدارات القادمة من البلازما الفضائية الموجودة حول الثقب الأسود Sgr A، أو الثقب الدّوديّ الافتراضي. 

 

قريباً، سيتم تركيب GRAVITY على التلسكوب الكبير جداً (VLT) التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي الموجود في صحراء أتاكاما في تشيلي وسيتم استخدام هذا الجهاز من أجل رصد المركز المجري بدقّة غير مسبوقة. يأمل الباحثون تحليل بيانات الإصدار القادم من الغازات عالية الطاقة (أو البلازما) التي يُمكن إيجادها حول الجسم الموجود داخل Sgr A.

 

إذا كان هذا الجسم عبارة عن ثقب دوديّ، ستقوم البلازما بتوليد إشارة مختلفة كثيراً خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الثقب الدودي الافتراضي سيكون أصغر فيزيائياً من الثقب الأسود فائق الكتلة. 

 

من خلال محاكاة سائل من البلازما، التي تمّ احتجازها في الزمكان المنحني المحيط بثقب أسود وبثقب دودي، لاحظ Li وBambi إشارتين لإصدارين مختلفين كثيراً سينتجان عن الحالتين. سيولد الثقب الدودي "خطاً إصدارياً ضيقاً جداً"، في حين يُولد الثقب الأسود أطيافاً "عريضة ومشوّهة كنتيجة لتأثيرات النسبية العامة والخاصة"، وفقاً لما كتبه الباحثين. 

 

من النادر أن يتم دعم، أو نفي، مثل هذه النّظريات الغريبة باستخدام جهاز سيصبح جاهز للخدمة خلال عامين، لكن من المثير جداً معرفة فيما إذا كانت إصدارات البلازما حول الجسم الموجود في Sgr A مشابهة أكثر لحالة الثقب الأسود، أو لحالة الثقب الدوديّ، وعلى الرغم من وجود احتمالات ضئيلة، لكن إذا كانت الحالة الأخيرة هي الصحيحة، ربما نقوم بإعادة صياغة فهمنا للكون.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات