أداة جديدة لتصميم المواد ما فوق الطبيعية

قد تصبح المواد ما فوق الطبيعية خلال وقتٍ قصير شيئاً أساسياً في التطبيقات التكنولوجيا، وقد ينتقل هاري بوتر وبدلة التخفي خاصته من عالم الكتب والخيال إلى عالم الواقع، فالخصائص الكهرومغناطيسية المميزة لهذه المواد عند المستويات النانوية تُساعد في فتح الباب أمام الكثير من التطبيقات المستقبلية المذهلة، انطلاقاً من عالم المجاهر ووصولاً إلى الاختفاء وعالم الحواسب عالية السرعة.



تُقدم المواد ما فوق الطبيعية (Metamaterials)– بنيات نانوية تعتمد على خصائص كهرومغناطيسية غير موجودة في الطبيعة لهندستها-آفاق مستقبلية مثيرة، مثل مجاهر بصرية عالية الدقة وحواسب بصرية عالية السرعة. لكن من أجل إدراك الإمكانيات الشاسعة التي تُتيحها هذه المواد، يجب على الباحثين ترك فهمهم الحالي للفيزياء الأساسية وراءهم؛ الأمر الذي يستلزم توقع الخصائص البصرية اللاخطية بدقة -يعني أن التفاعل مع الضوء يغيّر خصائص المادة- على سبيل المثال، يخرج الضوء من المادة بتردد مغاير مما كان عليه عندما دخل.

 

باستعمال نظرية حديثة حول التشتت اللاخطي للضوء (nonlinear light scattering) عندما يخترق البنيات النانوية، بيّن علماء من قسم الطاقة لمختبر (لورانس بيركلي) الوطني في الولايات المتحدة وآخرون من (بيركلي) بجامعة كاليفورنيا (UC)، أنه من الممكن التنبؤ بالخصائص البصرية اللاخطية للمواد ما فوق الطبيعية.

 

قال سيانغ جانغ (Xiang Zhang)، وهو مدير قسم علوم المواد في مختبر (بيركلي) وخبير ومَرجع عالمي في مجال هندسة المواد ما فوق الطبيعية، كما أنه قاد هذا البحث: ''تكمن المسألة الرئيسية في قدرة الإنسان على تحديد السلوك اللاخطي للمواد ما فوق الطبيعية بالاعتماد على سلوكها الخطي الغريب. أظهرنا أنه يمكن التنبؤ بالحساسية اللاخطية النسبية لأصناف واسعة من المواد ما فوق الطبيعية باستخدام نظرية تشتت لا خطي شاملة. وسيمكننا هذا من تصميم مواد ما فوق طبيعية ولاخطية قوية بطريقة فعالة، لتطبيقات مهمة مثل استشعار رامان الشامل وانتاج الفوتونات المتشابكة وتحويل التردد".

 

إن البروفسور (جانغ)، الذي يحتل كرسي Ernest S. Kuh في بيركلي (UC) بالإضافة إلى كونه عضو في معهد كافلي للعلوم النانوية والطاقة (Kavli ENSI)، هو مؤلف مقال يصف هذا البحث في مجلة Nature Materials، ويحمل عنوان (توقع الخصائص اللاخطية للمواد ما فوق الطبيعية من استجابتها الخطية). والمؤلفون الآخرون هم كفين أوبرين (Kevin O'Brien) وهيم سوشوسكي (Haim Suchowski) وجونسك رهو (Junsuk Rho) وألساندرو سالاندرينو (Alessandro Salandrino) وبوباكر كانط (Boubacar Kante) وسياوبو يين (Xiaobo Yin).

 

ترجع الخصائص الكهرومغناطيسية الفريدة للمواد ما فوق الطبيعية إلى بنيتها الفيزيائية عوضاً عن تركيبها الكيميائي. وتزود هذه البنية مثلا، بعض المواد ما فوق الطبيعية بمعامل انكسار سالب، وهو خاصية بصرية حيث ينتشر الطور الأمامي للضوء الذي يخترق المادة في اتجاه عكسي نحو المصدر. أما بالنسبة للمواد الطبيعية، فإن طور الضوء الأمامي يبتعد دائما عن مصدره أثناء الانتشار.

 

استغل (جانغ) وفريقه الخصائص البصرية الخطية للمواد ما فوق طبيعية سابقا، من أجل صنع أول ''عباءة التخفي'' في العالم ومحاكاة الثقوب السوداء. حديثا، استعملوا مادة ما فوق طبيعية ولا خطية ذات معامل انكسار يساوي الصفر، لصنع ضوء في طور ''لا خطي وخالي من التباين''، أي أن الموجات الضوئية انتقلت داخل المادة، مكتسِبة قوة في كل الاتجاهات. ورغم ذلك، تبقى هندسة المواد ما فوق الطبيعية اللاخطية في مرحلة بدائية، مع غياب علاقة بين الخصائص الخطية واللاخطية.

 

طوال العقود الماضية، قدّر العلماء الخصائص البصرية اللاخطية في البلورات الطبيعية باستعمال صيغة تُعرف بقاعدة ميلر (Miller's rule)، نسبة للفيزيائي روبيرت ميلر (Robert Miller) الذي ألفها. وفي هذه الدراسة الجديدة، اكتشف (جانغ) وفريقه أن قاعدة ميلر غير صالحة لمجموعة من المواد ما فوق الطبيعية؛ وهذه هي النقطة السلبية. لكن في المقابل هناك خبر جيد، لأن نظرية التشتت اللاخطي للضوء، التي طورتها العالمة الألمانية سيلفي روك (Sylvie Roke) للبنيات النانوية صالحة.

 

يقول (كفين أوبرين)، مؤلف أساسي مشترك في ورقة بحث Nature Materials وعضو في مجموعة بحث (جانغ): ''بالاعتماد على الخصائص الخطية، تُحْسب القطبية اللاخطية ونمط البنية النانوية في التوافق الثاني. وجدنا أن الانبعاث اللاخطي يتناسب مع التكامل المتداخل، ولا تحدده فقط الاستجابة الخطية''.

 

قيّم (جانغ) و (أوبرين) و (سوشوسكي) إلى جانب المشاركين الآخرين في هذا البحث، قاعدة ميلر ونظرية التشتت اللاخطي للضوء من خلال مقارنة توقعاتهم مع النتائج التجريبية، التي حُصل عليها باستعمال مجهر ماسح لا خطي ومتّحد البؤر (nonlinear stage-scanning confocal microscope).

 

يقول (أوبرين): ''إن الفحص بمجهر ماسح لا خطي ومتّحد البؤر عملية حاسمة، لأنها تمكننا من قياس الانبعاثات القادمة من آلاف البنيات النانوية المختلفة بسرعة، بينما تقللّ من احتمال وقوع الخطأ النظاميّ، مثل تغيرات اتجاه الحزمة الضوئية، المترافقة في غالب الأحيان مع ضبط طول موجة ليزر فائق السرعة".

 

استعمل الباحثون الفحص المجهري متّحد البؤر لرصد انتاج التوافق الثاني من مصفوفات المواد ما فوق الطبيعية التي تحولت هندستها من شكل قضيب متماثل إلى شكل غير متماثل. والتوافق الثاني للضوء هو خاصية لا خطية، تتمثل في تتفاعل الفوتونات الموجودة على نفس التردد مع مواد لاخطية لإنتاج فوتونات جديدة ذات طاقة مضاعفة ونصف طول موجة الفوتونات الأصلية. وكان اكتشاف إنتاج التوافق البصري الثاني عام 1961 هو منطلق علم البصريات اللاخطية الحديثة.

 

ثم أضاف (أوبرين): ''تظهر نتائجنا أن نظرية التشتت اللاخطي للضوء قد تكون جهازا قيّما لتصميم المواد ما فوق الطبيعية اللاخطية، ليس بالنسبة للاستجابات البصرية اللاخطية من الدرجة الثانية فحسب، بل بالنسبة لعالية الدرجة منها كذلك، وعلى مجال واسع لطول الموجات. حاليا، نستخدم هذه التقنيات التجريبية والنظرية لاستكشاف عمليات لا خطية أخرى في المواد ما فوق الطبيعية، مثل التضخيم البارامتري وانتاج الفوتونات المتشابكة.''

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المواد الخارقة (Metamaterials): أو المواد ما فوق الطبيعية، وهي مواد صناعية ومُهندسة بطريقة تجعلها تمتلك خواصاً غير موجودة في الطبيعة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات