باحثون يستخدمون بيانات حقيقية بدلاً من النظرية لقياس الكون

لأول مرة ، قاس الباحثون مسافات كبيرة في الكون باستخدام بيانات حقيقية، بدلًا من الحسابات المتعلقة بالنظرية النسبية العامة .
قام فريق بحث من إمبريال كوليدج في لندن وجامعة برشلونة باستخدام بيانات من مسوح فلكية لقياس المسافة النموذجية، والتي تعتبر أمراً أساسيًا في فهمنا لتوسع الكون.
تم توقع حجم هذه "المسطرة النموذجية" سابقا من النماذج النظرية فقط، والتي تعتمد على النظرية النسبية العامة لشرح الجاذبية في المقاييس الكبيرة. الدراسة الجديدة هي الأولى من نوعها التي تقيس ذلك باستخدام البيانات المرصودة. المسطرة النموذجية هي شيء له نفس الحجم المادي دائماً وبالتالي عند إجراء مقارنة بين حجمه الفعلي مع حجمه في السماء فإنه سيوفر قياس المسافة بينه وبين الأرض.

قال البروفيسور آلان هيفنز (Alan Heavens) من قسم الفيزياء، في إمبريال كوليدج بلندن ، و الذي قاد الدراسة: "تشيرأبحاثنا إلى أن الأساليب الحالية لقياس المسافة في الكون هي أكثر تعقيدا مما كانت تحتاج إلى أن تكون"، "تقليدياً في علم الكون، النسبية العامة تلعب دورا مركزياً في معظم النماذج والتفسيرات، و لقد أثبتنا أن البيانات الحالية هي قوية بما فيه الكفاية لقياس الشكل الهندسي للكون، وتاريخ توسعه دون الاعتماد على الحسابات المتعلقة بنظرية النسبية العامة."
ويضيف: "نحن نأمل أن يكون هذا النهج القائم على البيانات بشكل أكثر إلى جانب الثروة المتزايدة من بيانات الرصد قادرين على توفير قياسات أكثر دقة من شأنها أن تكون مفيدة للمشاريع المستقبلية التي تُخطط للإجابة على الأسئلة الكبرى حول تسارع الكون والطاقة المظلمة".

المسطرة النموذجية التي تمَّ قياسها في هذا البحث هي مستوى إهتزاز الباريون الصوتي؛ وهو نمط خاص مطبوع في عناقيد المادة الناجمة عن التغيرات الصغيرة في الكثافة خلال المراحل المبكرة جداً من عمر الكون (بعد حوالي 400 ألف سنة فقط على الانفجار العظيم).
يُمثل طول هذا النمط، الذي هو نفسه اليوم كما كان سابقاً، مستوى إهتزاز الباريون الصوتي.
وقد أنجز الفريق حساب طول يبلغ 143) Megaparsecs  ما يقرب من 480 مليون سنة ضوئية ) وهذه الحسابات تشبه التوقعات المقبولة للمسافة المحسوبة نظريًا من النماذج القائمة على أساس النسبية العامة.

 تم نشر نتائج الأبحاث في Physical Review Letters ، والتي تشير إلى أنه من الممكن قياس المسافات الكونية بشكل مستقل عن النماذج التي تعتمد على نظرية النسبية العامة. حلت نظرية آينشتاين في النسبية العامة محل قانون نيوتن لتصبح هي التفسير المقبول لسلوك الجاذبية في المقاييس الكبيرة، وتقوم العديد من نماذج الفيزياء الفلكية الهامة على النسبية العامة، بما في ذلك تلك التي تتعامل مع توسع الكون والثقوب السوداء. ولكن هناك بعض القضايا حول النسبية العامة لم تحل. 

يتضمن هذا الأمر فقدانها للإنسجام مع قوانين الفيزياء الكمومية والحاجة إلى إستقرائها عند العديد من الأحجام في المستويات من أجل تطبيقها على الإعدادات الكونية. لم يتم استقراء أي من القوانين الفيزيائية الأخرى إلى هذا الحد دون الحاجة إلى أي تعديل ولذلك تبقى افتراضاتها محلاً لسؤال مفتوح.

وقال المؤلف المشارك للدراسة البروفيسور راؤول خيمينيز (Raul Jimenez ) من جامعة برشلونة: "إن الشكوك حول النسبية العامة قد دفعتنا إلى تطوير أساليب لإشتقاق مزيد من القياسات المباشرة للكون، بدلاً من الاعتماد بدرجة كبيرة على الإستدلالات من النماذج. وضعنا لدراستنا عدد قليل جداً من الإفتراضات النظرية، مثل: التماثل في الكون، وتاريخ التوسع السلس ".

و أضاف المؤلف المشارك البروفيسور ليسيا فيرد (Licia Verde) من جامعة برشلونة: "هناك فرق كبير بين قياس المسافة واستنتاج قيمتها بشكل غير مباشر. عادة في علم الكون نستطيع استخدام الخيار الثاني فقط، وهذه الدراسة هي من الحالات النادرة والثمينة حيث تمكنا من قياس المسافة مباشرة. معظم البيانات في علم الكون تفترض أن نظرية النسبية العامة تعمل في كل مكان وينطبق الأمر على المقاييس الكبيرة للغاية، مما يعني أننا عادة نستقرء الأرقام من وجهة نظرنا الآمنة. لذلك من المُطمئن اكتشاف أنه يمكننا الإدلاء ببيانات قوية ومهمة من دون الإعتماد على نظرية النسبية العامة والتي تتطابق مع تصريحات سابقة. مما يعطي الثقة في أن الملاحظات التي تنتج عن مراقبتنا للكون، و التي تبدو غريبة و محيرة قد تكون واقعية وسليمة".

استخدم البحث البيانات الحالية من الدراسات الاستقصائية الفلكية على سطوع النجوم المتفجرة (السوبرنوفا)، وعلى النمط المنتظم في تجميع المادة (التذبذبات الصوتية الباريونية) لقياس حجم هذه المسطرة النموذجية . المادة التي أنشأت هذه المسطرة النموذجية تشكلت بعد حوالي 400،000 سنة من الانفجار الكبير. وكانت هذه الفترة من الوقت لا تزال فيزياء الكون بسيطة نسبياً لذلك لم يكن الباحثون بحاجة إلى مراعاة مفاهيم "غريبة" مثل الطاقة المظلمة في قياساتهم.

يقول الاستاذ هيفنز: " قد استخدمنا في هذه الدراسة قياسات نظيفة جدًا". ويوضح: "النظرية التي نطبقها أتت بعد وقت قصير نسبياً من الانفجار الكبير عندما كانت الفيزياء أيضا نظيفة. هذا يعني أن الطريقة التي نملكها للقياس دقيقة لأنها مبنية على ملاحظات من الكون. الفيزياء الفلكية هو مجال نشط بشكل لا يصدق و متغير أيضًا، و دعمه للنماذج المختلفة يتغيير أيضًا. حتى عندما يتم التخلي عن النماذج، ستبقى قياسات الكون موجودة. و إذا كان باستطاعتنا الإعتماد على القياسات المباشرة المبنية على الملاحظات الحقيقية بدلاً من النماذج النظرية فإن هذا سيكون خبراَ ساراً لعلم الكون والفيزياء الفلكية ".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات