كيف يكتشف علماء الفلك الكواكب الخارجية؟

في الجيل السابق، كانت فكرة وجود كوكب يدور حول نجم بعيد أمرًا ينتمي إلى الخيال العلمي. لكن منذ اكتشاف الكوكب الخارجي (exoplanet) الأول في عام 1988، وجدنا مئات منها، وتسارع معدل الاكتشاف بشكلٍ كبير بمرور الوقت.

 
في الشهر الماضي وفي إعلانٍ وحيد، كشف علماء الفلك في ناسا عن اكتشاف 715 كوكبا لم تكن معروفة سابقا في البيانات القادمة من تلسكوب كبلر الفضائي، مما رفع العدد الإجمالي للكواكب الخارجية المعروفة إلى 1771كوكبا. وبين تلك الكواكب، وُجدت كل أنواع الكواكب الخارجية، فبعضها كان يدور حول نجمين، وبعضها الآخر مليء بالماء، وبعضها يمتلك حجماً مشابهاً لحجم الأرض، والبعض الآخر فاق حجمه حجم المشتري بمرتين.
 
لكنّ القسم الأكبر من تلك الكواكب يشترك بشيء واحد وشائع الوجود بينها – مع وجود بضعة استثناءات- فكل تلك الكواكب كانت بعيدة جداً على أن نتمكن من رؤيتها حتى عند استخدام أقوى التلسكوبات. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يستطيع علماء الفلك معرفة وجودها؟
 
على مدار العقود القليلة الماضية، طوّر الباحثون عدداً متنوعاً من التقنيات القادرة على التقاط العديد من الكواكب الموجودة خارج نظامنا الشمسي، وبعد التأكد من اكتشافها، يتعلم العلماء المزيد عن خواص الكوكب. وفيما يلي نسرد الطرق الأساسية المستخدمة في اكتشاف الكواكب الخارجية حتى الآن:
 
  • العبور (Transit)
تخيّل النظر إلى كوكب صغير يدور حول نجم بعيد جداً. في بعض الأحيان، قد يعبر الكوكب في المكان الموجود بينك وبين نجمه ليقوم، ولفترة قصيرة من الزمن، بحجب الضوء النجمي. إذا ما حصل هذا الحجب عند تردد كافٍ، فقد تكون قادراً على استنتاج وجود الكوكب حتى لو لم تستطع رؤيته.

تُمثّل هذه الظاهرة جوهر طريقة العبور لاكتشاف الكواكب الخارجية، وحتى الآن، تُعتبر الطريقة الرئيسية في اكتشاف معظم الكواكب. بالطبع وبالنسبة للنجوم البعيدة، لا توجد أي طريقة للعين المجردة تستطيع من خلالها اكتشاف الخفوت الحاصل في كمية الضوء الذي نراه، ولذلك يعتمد العلماء على التلسكوبات -بشكلٍ خاص تلسكوب كبلر الفضائي- وعلى أجهزة أخرى لجمع وتحليل هذه البيانات. ولذلك، فإنّ "رؤية" كوكب خارجي بالنسبة لعالم الفلك باستخدام طريقة العبور تنتهي بالحصول على شيء كالموجود في الصورة التالية:

صورة توضحية لمدار كوكب حول نجم. حقوق الصورة: Nikola Smolenski
صورة توضحية لمدار كوكب حول نجم. حقوق الصورة: Nikola Smolenski
 
في بعض الحالات، بإمكان حالات عبور الكواكب في الفضاء الكائن بيننا وبين نجم الكوكب إعطاء علماء الفلك تقديرًا تقريبيًا لحجم الكوكب. إذا ما تمكنا من معرفة حجم النجم وبعد الكوكب عنه (يُمكن معرفة الأخير باستخدام طريقة كشف أخرى تُعرف بالسرعة القطرية والموجودة في هذا المقال)، ورصدنا قيام الكوكب بحجب نسبة مئوية معينة من ضوء النجم، نستطيع لاحقاً حساب نصف قطر الكوكب بالاعتماد على هذه القيم.

مع ذلك، هنالك بعض العيوب في هذه الطريقة، مثلاً: يجب أن يتحاذى الكوكب بشكلٍ صحيح مع خط نظرنا عند عبوره بيننا وبين النجم، وكلما كان مداره أبعد عن النجم، كلما كانت فرصة حصول هذا التحاذي أقل. توضح الحسابات أنّ فرصة تحاذي كوكب شبيه بالأرض ويدور حول نجمه عند مسافة مساوية لبعد الأرض عن الشمس تبلغ حوالي 0.47% حتى يستطيع الكوكب التسبب في حصول أي خفوت في ضوء النجم.

قد تقود هذه الطريقة أيضاً إلى الحصول على عدد أكبر من الأخطاء الإيجابية (false positives) وهي عمليات خفوت في الضوء النجمي يعتقد علماء الفلك أنها ناجمة عن عبور الكواكب، لكنها ليست كذلك في النهاية وإنما تنتج عن شيء آخر تماماً. وجدت إحدى الدراسات أن حوالي 35% من الكواكب الكبيرة التي تدور حول نجومٍ أخرى موجودة في بيانات كبلر هي في الواقع نتائج خادعة وغير حقيقية، والخفوت الحاصل في ضوء النجم في تلك الحالات كان ناجماً عن الغبار ومواد أخرى موجودة بيننا وبين النجم. وفي معظم الحالات، يُحاول علماء الفلك تأكيد اكتشاف الكواكب باستخدام هذه الطريقة مع مساعدة إحدى الطرق الأخرى التي سنذكرها فيما يلي.
 
  • اللمعان أو السطوع المداري (Orbital Brightness)
في بعض الأحيان، يتسبب دوران كوكب حول نجمه في زيادة كمية الضوء الواصل إلى الأرض بدلاً من تناقصها. وبشكلٍ عام، تتعلق هذه الحالات بالكواكب التي تدور عند مسافات قريبة جداً من نجومها، وبذلك تسخن تلك الكواكب إلى درجة تُصدر معها كميات من الإشعاع الحراري (thermal radiation) قابلة للرصد على الأرض.

على الرغم من عدم قدرتنا على التمييز بين هذا الإشعاع وبين إشعاع النجم، إلا أنه عندما يدور الكوكب في تحاذٍ صحيح فإنه سيكون مكشوفاً بالنسبة لنا على طول سلسلة من المراحل، هذه المراحل مشابهة لأطوار القمر. ويُمكن استخدام هذه الزيادات الدورية والنظامية في كمية الضوء النجمي التي تستقبلها التلسكوبات في تأكيد وجود كوكب ما.

وبشكلٍ مشابه لطريقة العبور، فمن الأكثر سهولة بكثير اكتشاف الكواكب الكبيرة التي تدور حول هذه النجوم باستخدام هذه التقنية. وعلى الرغم من اكتشاف مجموعة صغيرة من الكواكب بالاعتماد على هذه الطريقة لوحدها، إلا أنها قد تصير أكثر الطرق إنتاجيةً على المدى البعيد لأنها لا تتطلب من الكوكب الخارجي عبوره أمام نجمه عندما ننظر إليه من الأرض، مما يفتح مجالاً أوسع من الاكتشافات أمامنا.
 
 
  • السرعة القطرية (Radial Velocity)
لا بدَّ وأنك تعلمت في المدرسة أن النظام الشمسي مكون من نجمٍ ساكن محاط بكواكب، وكويكبات (asteroids)، وأجزاء حطامية أخرى تدور حوله. الحقيقة مختلفة قليلاً عن ذلك، وهي أكثر تعقيداً بقليل؛ فجراء السحب الثقالي (gravitational pull) للكواكب، يترنح النجم مبتعداً عن مركز جاذبية النظام بشكلٍ صغير، كما هو موضح في الصورة التالية:
 
صورة توضيحية. حقوق الصورة:Zhatt.
صورة توضيحية. حقوق الصورة:Zhatt.

ما يجري في الحقيقة هو التالي: إذا ما تمتع كوكب كبير بمقدارٍ كافٍ من الكتلة فقد يكون قادراً على سحب النجم نحوه، مما يتسبب في تحرك النجم مبتعداً قليلاً عن مركز النظام الشمسي. يُمكن استخدام هذه الانزياحات الدورية والتي يُمكن التنبؤ بها لموقع النجم في تأكيد وجود كوكب كبير بالقرب من النجم.

استفاد علماء الفلك من هذه الظاهرة لاكتشاف مئات الكواكب الخارجية. وحتى وقتٍ قريب، كانت هذه الطريقة هي المسؤول الرئيسي عن اكتشاف أكثر الكواكب الخارجية قبل أن تتفوق عليها طريقة العبور.

قد يبدو من الصعب جداً قياس هذه التحركات الصغيرة في مواقع نجوم تبعد عنا مئات السنين الضوئية، لكن تبيّن أنه بإمكان علماء الفلك اكتشافها عندما يتسارع النجم نحو الأرض (أو بعيداً عنها) عند سرعات منخفضة وتصل إلى متر واحد خلال كل ثانية، والفضل في ذلك يعود لتأثير دوبلر (Doppler effect).

تتضمن هذه الظاهرة في جوهرها أن الأمواج تظهر أكثر انزياحاً نحو أخذ ترددات أعلى بقليل عندما يتحرك الجسم الذي يُصدرها نحو الراصد، وتأخذ ترددات أقل بقليل عند تحركه بعيداً عن الراصد. ربما اختبرتَ هذا التأثير عند سماعك للصفير المرتفع لسيارة إسعاف تقترب منك وبعدها يبدأ هذا الصفير بالانخفاض أثناء مرورها بك وابتعادها عنك.

وباستبدال سيّارة الإسعاف بنجمٍ بعيد وصوت الصفّارة بالضوء الذي يُصدره، تكون قد فهمت الفكرة تماماً. وباستخدام أجهزة قياس الطيف (spectrometers) التي تقيس ترددات ضوئية معينة وصادرة عن النجوم، يستطيع علماء الفلك البحث عن الانزياحات الظاهرية (apparent shifts)، ليعرفوا بالتالي فيما إذا كان النجم يتحرك مقترباً منا أو ينجرف بعيداً عنا.

قد تساعد شدة تلك التحركات في إعطاء تقدير لكتلة الكوكب. وعند جمعها مع نصف قطر الكوكب (المحسوب بالاعتماد على طريقة العبور)، يسمح ذلك للعلماء بتحديد كثافة الكوكب، وبالتالي تركيبه، مثلاً: هل هو عملاق غازي (gas giant)، أو كوكب صخري (rocky planet).
 

هناك قيود على استخدام هذه الطريقة أيضاً؛ فمن الأكثر سهولةً إيجاد الكواكب الأكبر التي تدور حول النجوم الأصغر لأنه باستطاعة مثل هذه الكواكب التأثير بشكلٍ أقوى على حركة النجم، إذ سيكون من الصعب جدا اكتشاف تأثير الكواكب الصغيرة نسبياً والتي يُشبه حجمها حجم الأرض.
 
  • التصوير المباشر (Direct Imaging)
في بعض الحالات النادرة جداً، تمكّن علماء الفلك من اكتشاف الكواكب الخارجية باستخدام أبسط الوسائل وهي رؤيتها مباشرة.

صورة مُلتقطة في العام 2010 لكواكب فائقة الكتلة تدور حول النجم HR8799. حقوق الصورة:  NASA/JPL-Caltech/Palomar Observatory
صورة مُلتقطة في العام 2010 لكواكب فائقة الكتلة تدور حول النجم HR8799. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/Palomar Observatory
للعديد من الأسباب، تُعتبر هذه الحالات نادرة جداً؛ فحتى يكون المرء قادراً على التمييز بين الكوكب ونجمه، يحتاج إلى أن يكون الكوكب بعيدًا نسبياً عنه، على سبيل المثال فإن من السهل جداً تخيّل عدم إمكانية فصل كوكب كعطارد عن الشمس عند النظر إليه من مكانٍ بعيد. لكن إذا كان الكوكب بعيداً جداً عن نجمه، فإنه لن يعكس كمية كافية من الضوء النجمي حتي يُصبح مرئياً.

الكواكب الخارجية التي يُمكن رؤيتها باستخدام التلسكوبات هي الكواكب الكبيرة جداً (مثل المشتري) والساخنة جداً لأنها تُطلق إشعاعها الخاص في المجال تحت الأحمر، والذي يُمكن اكتشافه من قبل التلسكوبات واستخدامه للفصل بين تلك الكواكب ونجومها.

وفي هذا السياق، فإنّ اكتشاف الكواكب التي تدور حول الأقزام البنية (brown dwarfs) هو أمر يُمكن إجراؤه بسهولة باستخدام هذه الطريقة (الأقزام البنية أجسام لا تُصنف تقنياً على أنها نجوم لأنها ليست ساخنة وفائقة الكتلة إلى درجة كافية للسماح بتوليد تفاعلات الاندماج النووي، ولذلك فهي تُصدر كميات قليلة من الضوء).

استُخدم التصوير المباشر أيضاً في كشف بضعة كواكب متجولة (rogue planets) فائقة الكتلة -هي نوعٌ من الكواكب التي تتجول بحرية في الفضاء بدلاً من دورانها حول نجم ما.
 
 
  • مفعول العدسة الثقالية (Gravitational lensing)
تظهر كل الطرق السابقة الموجودة هنا منطقية لغير العلماء؛ لكنَّ استخدام مفعول العدسة الثقالية في اكتشاف مجموعة صغيرة من الكواكب الخارجية أمرٌ يتطلب القليل من التفكير النظري.
عملية محاكاة لمفعول العدسة الثقالية وتُوضح كيفية تضخيم الضوء القادم من مجرة بعيدة جراء مروره بالقرب من ثقب أسود. حقوق الصورة: Urbane Legend
عملية محاكاة لمفعول العدسة الثقالية وتُوضح كيفية تضخيم الضوء القادم من مجرة بعيدة جراء مروره بالقرب من ثقب أسود. حقوق الصورة: Urbane Legend

تخيّل وجود نجم بعيد جداً عنك، ووجود نجم آخر عند منتصف المسافة بينك وبين ذلك النجم. في لحظات نادرة جداً، قد يتحاذى النجمان معاً ليتداخلا تقريباً مع بعضهما في سماء الليل. عندما يحصل ذلك، تلعب قوة جاذبية النجم الأقرب إليك دور عدسة، حيث تُضخّم الضوء القادم من النجم البعيد أثناء مروره بالقرب من النجم القريب وقبل وصوله إليك.

 

لو كان لدى ذلك النجم كوكب ما يدور حوله عند مسافة قريبة وفي مدار يلعب دور العدسة الثقالية، ستُساهم جاذبية الكوكب بإضافة مساهمة صغيرة في عملية التضخيم، لكنّ تلك الإضافة قابلة للقياس. ولذلك في بعض الحالات النادرة، تمكّن علماء الفلك من تأكيد وجود كواكب بعيدة عبر دراسة الطريقة التي تَضَخّم من خلالها ضوء النجوم الأكثر بعداً.
 
مخطط يُوضح عدد الكواكب الخارجية المكتشفة بالنسبة للأعوام، ويُمثل اللون الأخضر طريقة العبور، والأزرق السرعة القطرية، والأحمر التصوير المباشر، والبرتقالي العدسة الثقالية. حقوق الصورة: Aldaron
مخطط يُوضح عدد الكواكب الخارجية المكتشفة بالنسبة للأعوام، ويُمثل اللون الأخضر طريقة العبور، والأزرق السرعة القطرية، والأحمر التصوير المباشر، والبرتقالي العدسة الثقالية. حقوق الصورة: Aldaron

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المفعول العدسي التثاقلي (gravitational lensing): المفعول العدسي التثاقلي: يُشير إلى توزع مادة (مثل العناقيد المجرية) موجودة بين مصدر بعيد والراصد، وهذه المادة قادرة على حرف الضوء القادم من المصدر أثناء تحركه نحو الراصد. ويُترجم أحياناً بالتعديس الثقالي أيضاً.
  • السرعة القطرية أو الشعاعية (Radial velocity): هي سرعة حركة الجسم اتجاه نصف القطر.
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات