ما هو شكل الكون؟

إنه الكون، المنزل الوحيد الذي عرفناه، وبفضل قوانينه الفيزيائية الجوهرية، والثوابت المعروفة للطبيعة، وكرات النار المقذوفة المكونة من المعدن الثقيل والتي تدعى سوبرنوفا، نعتبر نحن مخلوقات ضئيلة تتشبث بكرة صخرية دائمة الدوران في زاوية بعيدة من المكان والزمان. 


ألا ترى أنه من الفظاظة أنك لا تعلم الكثير عن الكون ذاته؟ فمثلاً، ماذا كنا سنرى إن كان باستطاعتنا النظر إليه من الخارج؟ ظلاماً مطبقاً؟ أم بحراً من الفقاعات؟ أم كوناً كالثلج؟ أم متاهة فئران؟ أم كرةً زجاجية بين يدي كائنات فضائية ضخمة الأبعاد؟ أم غلافاً لألبوم جديد لموسيقى البروغ روك؟


إن الإجابة كما يبدو أبسط وأغرب من جميع تلك الخيارات، فشكل الكون هو مسألة نحب الخوض فيها مع اختلاق كل ضروب الحماقات. تصف النصوص الدينية الهندوسية الكون على أنه يبدو مثل بيضة كونية، بينما يعتقد الجينيون [1] بأنه يبدو مثل شكل الإنسان، أما الرِواقيون الإغريق فقد رأوا الكون مثل جزيرة منفردة تسبح في فراغ لا متناهٍ من نوع آخر، وقد كان أرسطو يؤمن بأنه كان يتكون من سلسلة محدودة من أجسام كروية متحدة المركز، أو ربما أنها ببساطة "تتقوقع كلما اتجهت إلى الأسفل" .


يعود الفضل إلى عبقرية أينشتاين الرياضية في أن علماء الكونيات يستطيعون اختبار صحة نماذج متعددة تصف شكل الكون وقواقعه ومتاهاته وكلّ شيء آخر.


ويفضل العلماء أخذ ثلاثة أشكال رئيسية بالحسبان وهي

الشكل المنحني الإيجابي، والشكل المنحني السلبي، والشكل المسطح، ونحن نعلم أنه يتواجد ضمن أربعة أبعاد على الأقل، ولذلك فإن أيّاً من هذه الأشِكال التي نتحدث عنها ستكون محتوية على هندسة الجنون التي تتميز بها أعمال الرعب اللوفكرافتي[2]، إذاً فلتطلق العنان لجنونك، نعم، نعم، أحلام كاثولو! 


إذا كان شكل الكون منحنياً إيجابياً فسيبدو ذلك تقريباً مثل كرة رباعية الأبعاد، وسيكون هذا الشكل محدوداً في الفضاء، إلا أن حافته لا يمكن إدراكها، وفي الواقع، إذا ما كان هنالك جزيئان بعيدان عن بعضهما البعض يسافران في خطين مستقيمين، فسيتقاطعان على الأرجح قبل وصولهما لمكان انطلاقهما. 


إليك تجربة يمكنك تطبيقها في المنزل، أمسك ببالون وارسم عليه خطاً مستقيماً باستخدام قلمٍ خطاط، عندها سيلتقي الخط مع نقطة انطلاقه، وإذا ما رسمت خطاً ثانياً على الجانب المعاكس من البالون فستحصل على نفس النتيجة، وسيتقاطع مع الخط الأول قبل التقائه مع طرفه الآخر مجدداً. وهذا الشكل من أشكال الكون، والذي يسهل علينا تخيله في ثلاثة أبعاد، سيظهر فقط في حال احتواء الكون على كمية ضخمة محددة من الطاقة. 


ومن أجل أن يكون الكون منحنياً أو مغلقاً إيجابياً، عليه أن يتوقف عن التمدد، وهو الأمر الذي سيحدث فقط في حال احتوائه على طاقة كافية لتسليم الجاذبية زمام الأمور، إلا أن المراقبات الحالية في علم الكونيات تشير إلى أن الكون آخذ في التمدد إلى الأبد. ولذلك، فسنستبعد في الوقت الراهن السيناريو سهل التخيل. 


وإذا كان شكل الكون منحنياً سلبياً فسيبدو مثل سرج حصان ذي أربعة أبعاد، وسيكون مفتوحاً، حيث لا يوجد حدود للمكان والزمان، كما أنه سيحتوي على كمية ضئيلة من الطاقة والتي لن توقف التمدد. 


كما أنه في هذا الشكل، إذا ما كان هنالك جزيئان يسافران في خطين مستقيمين، فإنهما لن يلتقيا أبداً؛ في الواقع سيستمران في التباعد عن بعضهما البعض بينما يتصاعد الوقت اللامحدود. 


أما إذا ما تبين أن الكون يحتوي على كمية قليلة من الطاقة في منطقة خصلات الذهب Goldilocks، تتذبذب بين الأطراف على نحو خطر، فسيبدأ بالانفجار بعد مدة غير محدودة من الزمن. وهذا ما يدعى بالكون المسطح، حيث تستمر الجزيئات في بالسير في طريقها اليسير في مسارات متوازية مستقيمة، فهي لا تلتقي مطلقاً، فضلاً عن أنها لا تتباعد كذلك. 


الكرة، سرج الحصان، والسطح المستوي، كلها أشياء يمكن تخيلها بسهولة، كما أن هنالك خيارات أخرى مثل كرة القدم أو الدونات أو آلة البوق. 


فكرة القدم تبدو أقرب إلى الكون الكروي، إلا أنه كون ذو علامة مميزة، وهي أنه يشبه قاعة من المرايا مطبوعة على الخلفية الميكروية للكون. 


أما الدونات فهي تشبه الكون المسطح، إلا أنه يكون متصلاً في أماكن متعددة، حيث يعتقد بعض العلماء أن البقع الكبيرة الدافئة في الخلفية الميكروية للكون قد تكون دليلاً على هذا النوع من الأشكال اللذيذة. 


وأخيراً، نصل إلى آلة البوق، وهي طريقة أخرى لتصور الكون المنحني سلبياً، فهو يبدو مثل سرج حصان منحنٍ ليدخل في أنبوب طويل مع نهاية واحدة واسعة ونهاية أخرى ضيقة، حيث أن أحداً ما ممن يقطنون في النهاية الضيقة سيرى الكون ضيقاً، وسيكون له بعدين فقط، بينما سيكون بمقدور شخص آخر ممن يقطنون في النهاية الواسعة أن يسافر بعيداً قبل أن يجد نفسه قد التف وأصبح في الطريق المعاكس من دون معرفة السبب. 

إذا، فأيها هو الشكل الصحيح؟ هل يبدو كوننا مثل برتقالة أم كعكة؟ هل يبدو مثل رقائق شيبس برينغلز؟ أو مثل شريحة جبنة؟ أو مثل قطعة نقود معدنية أو آلة موسيقية نفخية؟ كما أن العلماء لم يستبعدوا بعد أكثر الاقتراحات سخافة وهو الشكل المنحني سلبياً مثل السرج أو آلة البوق. 

بيانات wamp الخاصة بالخلفية الكونية الميكروية
بيانات wamp الخاصة بالخلفية الكونية الميكروية


سيدعي الخصوم أننا لن نعرف الشكل الحقيقي للكون مطلقاً، ولعل هؤلاء الخصوم ليسوا بالأمر السهل، حيث أن شغلهم الشاغل هو خلق العوائق. إذاً، لنحاول إيجاد أًصدقاء أفضل.


بالعودة إلى أحدث بيانات مرصد بلانك الفضائي، والمنشورة في شباط 2015، فإن شكل الكون على الأرجح هو... مسطح، فهو محدود بشكل لا محدود، كما أنه ليس منحنٍ تماماً وإنما فيه القليل من الانحناء، وهو يحتوي على كمية قليلة محددة من الطاقة التي توفرها كل من المادة المظلمة والطاقة المظلمة. 


أعلم بأن الأمر مربكٌ وممل، ولكن إليك ما آمل أنك ستدركه من كل ما سبق. إنه لمن المذهل أنه لا يمكننا إلا أن نخمن شكل كوننا الرائع، ولكن هنالك أشخاص عباقرة يعملون من دون كلل من أجل مساعدتنا على فهمه، وهو أحد الأمور التي تجعلني أشعر بسعادة أكبر عند الحديث عن الكون وعلم الفضاء في كل أسبوع، فأنا متشوق ولا أستطيع الانتظار لأرى الخطوة المقبلة. 


إذا، فماذا تعتقد؟ هل ترى الكون المسطح مملاً؟ حسناً، فكيف تود أن يكون شكل الكون، مع أخذ مجموعة الخيارات الواسعة من الخيارات بعين الاعتبار؟

ملاحظات 


[1]الجينيون: أتباع الطائفة الجينية، وهي طائفة دينية فلسفية يشكل أتباعها أقلية في الهند. 


[2]اللوفكرافتي Lovecraftian: نوع من أنواع قصص الرعب التي تركز الرعب الكوني والخوف من المجهول، وهي تنسب إلى المؤلف الأمريكي هوارد فيليبس لوفكرافت.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات