يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
محرك إيروسبايك يتجه إلى الفضاء بعد انتظار طويل

أُجرِي اختبارٌ لِزَوجٍ من المحركات من طراز إيروسبايك XRS-2200، اللذان تم بناؤهما لبرنامج (X-33) في 6 آب/أغسطس 2001، في مركز ستنيس الفضائي (Stennis Space Center) التابع لوكالة ناسا في مدينة ميسيسيبي.


حقوق الصورة: NASA’s Marshall Space Flight Center


يُعدُّ محرك إيروسبايك (aerospike engine) فكرة قديمة العهد، وقد اختبرت وكالة ناسا الفكرة مطولاً على الأرض في الماضي، وكانت تتمنى أن تدمجها إلى المكوك الفضائي وبرنامج فينتيور ستار (Venture Star) الرامي إلى إنتاج جيلٍ ثانٍ من مركبات الإطلاق (مركبة يمكنها بلوغ المدار بمرحلةٍ واحدة). ولكن بسبب تقييداتٍ على الميزانية، جُهِّز المكوك الفضائي بفوهاتٍ على شكل الجرس بدلاً من ذلك، ولم يبصر برنامج فينتيور ستار ضوء النهار.

رغم ذلك ينتعش محرك إيروسبايك من جديد بفضل شركة الفضاء الجوي آركا (ARCA) الموجودة في ولاية نيو مكسيكو، إذ إن الشركة ستُجري عملية تحليقٍ تجريبية لمحرك إيروسبايك في شهر آب/أغسطس القادم مستخدمةً صاروخها ديمونستراتور 3 (Demonstrator 3)، وسيشكل ذلك أول رحلة تحليقٍ فضائيٍّ للمحرك، وإذا سار كل شيء على ما يرام فستشكل التجربة خطوةً كبيرةً نحو إنشاء أسطولٍ من الصواريخ القادرة على بلوغ المدار بمرحلةٍ واحدة (Single-Stage-To-Orbit أو SSTO).

ما يجعل محرك إيروسبايك جذاباً هو أنه يقدم قوة دفع (thrust) فعالة على نطاق واسع من الارتفاعات، ويتسم بكفاءة أفضل من المحركات الحالية كذلك، إذ لا تنتج الفوهات التقليدية الجرسية الشكل قوة دفع يمكن الاعتماد عليها إلا في مستوى سطح البحر، حيث إنها لا تستطيع الاستفادة من انخفاض الضغط الجوي بعد ارتفاعها إلى علو أكبر من ذلك؛ لأنها تحبس الغازات.

وفي المقابل، يمكن لعوادم محرك إيروسبايك أن تستمر في الاتساع من مستوى سطح البحر إلى الفضاء، مما يضمن كفاءة في استهلاك الوقود ودرجة عالية من الدفع النوعي في جميع مستويات التحليق، وقد سبق وأن نظمت شركة آركا ووكالة ناسا اختبارات أرضية وفراغية للمحرك، وأثناء ذلك ترغبان في جمع بيانات حول أدائه أثناء التحليق أيضاً، وهنا تكمن أهمية اختبار صاروخ ديمونستراتور 3.

بالإضافة إلى اختبار كفاءة المحرك، ستُختبَر تقنيته لتخزين الوقود فائق البرودة. يعتمد المحرك أساساً على التركيز المتحلل بنسبة 70% لفوق أكسيد الهيدروجين (بيروكسيد الهيدروجين) بدرجة حرارة لا تتعدى 250 درجة مئوية لتوليد قوة الدفع. تُنتج هذه العملية منتجَين ثانويين هما الأوكسجين والماء، الأمر الذي يجعل محرك إيروسبايك أكثر الصواريخ صداقةً للبيئة إلى الآن.

 

تصور فني لعربة اختبار الصاروخ إيروسبايك ديمونستراتور 3، وصاروخ هاس 2CA.   حقوق الصورة: ARCA
تصور فني لعربة اختبار الصاروخ إيروسبايك ديمونستراتور 3، وصاروخ هاس 2CA. حقوق الصورة: ARCA

 

وكما قال المدير التنفيذي لشركة آركا دوميترو بوبيسكو (Dumitru Popescu) في بيان حديث: "سنظهر الإمكانيات الملفتة لمحرك إيروسبايك عن طريق إرسال صاروخ ديمونستراتور 3 إلى الفضاء، مستخدمين محركاً فائق البرودة تبلغ درجة حرارته 250 درجة مئوية فقط بدلاً من 3500 درجة مئوية في قاعة التفاعل، مقروناً بتكنولوجيا إيروسبايك".

يتمثل الهدف هنا في نهاية المطاف في إظهار أن الصواريخ التي تبلغ المدار بمرحلة واحدة قابلة للإنجاز، الأمر الذي تستكشفه شركة آركا بصاروخها التجريبي هاس 2CA (Haas 2CA). وتَستخدم مركبة الإطلاق هذه والتي تُعدُّ الإضافة الأحدث لعائلة هاس الصاروخية -المسماة تيمناً برائد دراسة وتصميم الصواريخ (rocketry) النمساوي الروماني كونراد هاس (Conrad Haas)- تستخدم مادتي فوق أكسيد الهيدروجين والكيروسين كوقود، ويمكنها توليد 22,900 كيلوغرام من قوة الدفع في مستوى سطح البحر و333,565 كيلوغراماً تقريباً في الخلاء.


 


مقارنةً بالصواريخ متعددة المراحل، تقدم الصواريخ التي تبلغ المدار بمرحلة واحدة تكاليف أدنى ومرونة أكبر عندما يتعلق الأمر بإطلاق الحملات الصغيرة إلى المدار، ووفقاً لتقديرات شركة سبيس ووركس (Space Works)، ومديرية يوروستات (Eurostat) التابعة للمفوضية الأوروبية، سينمو هذا السوق للأقمار الصناعية الصغيرة بقدر 5.3 مليار دولار أثناء العقد القادم، لذلك ستتمكن شركات الفضاء الجوي التي يمكنها تقديم أسعار إطلاق منافسة ومرونة من استغلال هذا النمو.

وقد كشفت الشركة عن صاروخ هاس 2CA في شهر آذار/مارس من عام 2017 في مقرها في مدينة لاس كروسيس في ولاية نيو مكسيكو. وتتمنى شركة آركا أن تنفّذ أول عملية إطلاق تجريبية لصاروخ هاس 2CA في عام 2018 من منشأة والوبس للطيران (Wallops Flight Facility) التابعة لوكالة ناسا في ولاية فرجينيا، ولكن قبل أن يصبح حصول ذلك ممكناً، يجب على الشركة أن تتأكد من وصول أداء محرك إيروسبايك إلى مستوى التوقعات.

كما شرح بوبيسكو: "يمثل صاروخ هاس 2CA المصمم لبلوغ المدار بمرحلة واحدة بداية جيل جديد من المركبات الفضائية التي شكّلها الابتكار، وستكون أسعارها منخفضة. سنجيب على أحد أقدم أسئلة صناعة الصواريخ: هل يتمكن محرك إيروسبايك وهو يحلق من تقديم التعويض الضغطي الذي يولده التباين في الارتفاع ومن تقديم الأداء المتوقع عن طريق توفير الوقود؟ نريد متابعة الأمر بالبدء من حيث توقفت وكالة ناسا، وإثبات أن هذه التكنولوجيا هي فعلاً الطريق الذي ينبغي اتباعه لرحلات التحليق الفضائي".

ستتضمن عملية التحليق التجريبية، التي ستحصل في سبيس بورت أمريكا (Spaceport America) في صحراء ولاية نيو مكسيكو، عملية تحليق فضائي دون المدار لإيصال صاروخ ديمونستراتور 3 إلى ارتفاع 100 كيلومتر، وإذا نجحت عملية التحليق هذه، فستثبت شركة آركا أن تكنولوجيا المحركات الخاصة بها قادرة على تحمل ظروف الطيران، وأن الصواريخ التي تبلغ المدار بمرحلة واحدة قابلة للإنجاز، وأن المحركات فائقة البرودة المقرونة بتكنولوجيا إيروسبايك ستفسح المجال لصواريخ دون المدار صديقة للبيئة.
 

تصور فني لصاروخ هاس 2C خلال صعوده إلى المدار. حقوق الصورة: ARCA
تصور فني لصاروخ هاس 2C خلال صعوده إلى المدار. حقوق الصورة: ARCA


كذلك سيُعدُّ الاختبار مَعْلَماً على الطريق بالنسبة لصناعة الفضاء الجوي التجارية التي تأسست على طموحات بجعل الوصول إلى الفضاء أسهل، وتخفيض الأسعار المرتبطة بعمليات الإطلاق الفردية. وكما أكد بوبيسكو، لا تنطوي الطريقة الأفضل للقيام بذلك على مجرد تحسين الأفكار الموجودة، وإنما على الاستفادة من التكنولوجيا الرائدة والمجربة لإنشاء تكنولوجيا جديدة.

عبر عن ذلك قائلاً: "نحن واثقون من أن الجمع بين محرك إيروسبايك وخزانات وقود مصنوعة من المواد المركبة والوقود الكثيف سيخفف من تكاليف عمليات الإطلاق المدارية ودون المدارية بشكل ملحوظ، ونؤمن فعلاً بأن الحل الذي سيخفض من أسعار التحليق الفضائي هو الابتكار وليست محاولة زيادة كفاءة التكنولوجيا القديمة قليلاً، فلن يولد ذلك انخفاضات ملحوظة في سعر عمليات الإطلاق الفضائية وإنما تحسينات صغيرة فقط. وانطلاقاً من هذه الفلسفة، نتوقع أن نزيد من القيمة المسجلة لشركتنا من 20 مليون دولار حالياً إلى 200 مليون دولار على الأقل بحلول عام 2019".

يُعدُّ تطوير الصواريخ التي تبلغ المدار بمرحلة واحدة طريقة واحدة فقط من الطرق التي تعتمدها صناعة الفضاء الجوي التجارية لجعل استكشاف الفضاء أكثر اقتصاداً. وتتضمن الأمثلة الأخرى تطوير شركة سبيس إكس للصواريخ الصالحة لإعادة الاستخدام، واستخدام شركة روﻛﻴﺖ ﻻب للمواد الخفيفة في إنشاء صواريخ تُستخدم مرة واحدة.

لا تسمح هذه التدابير بفتح المدار الأرضي المنخفض للتجارة فقط، وإنما تُقدم فرصاً اعتُقِد سابقاً أن توفرها في الوقت الحالي مستحيل، مثل منشآت الطاقة الشمسية القائمة في الفضاء والمساكن الفضائية!

تابعونا لتسمعوا المزيد عن هذا الموضوع وعن اختبارات قادمة أخرى، وتأكدوا من أنكم تتفرجون على هذا الفيديو لتحضيرات شركة آركا لعملية التحليق التجريبية القادمة لمحرك إيروسبايك:

 


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات