النمط المجرد © refresh (PIX) / Fotolia
كل منا له تجاربه الخاصة أو ما يعتز به كأغنية مفضلة -على سبيل المثال- ذات قيمة خاصة عندنا، و تعني لنا الكثير.
وقد درس بعض الباحثين كيفية اختلاف إدراكنا قيمة الأشياء عندما نتناول أدوية مخلة بالعقل تـُسمى أدوية LSD (ثنائي إيثيلاميد حمض الليسرجيك) ، وقد تتبع الباحثون الإحساس بـ" قيمة الأشياء" ليصلوا في النهاية إلى بعض المواد الكيميائية العصبية وبعض المستقبلات في الدماغ. نشرت نتائج البحث في دورية Current Biology في 26 كانون الثاني/يناير 2017.
تزيد هذه النتائج وتثري معلوماتنا عن أساسيات التجارب البشرية. كما يقول الباحثون إنها تشير إلى أهداف جديدة محتملة قد تستهدفها الأدوية لعلاج الأمراض النفسية أو أمراض الرهاب (الخوف) ، والتي تكون على شكل اختلالات تحدث في عزو الشخص صلات خاصة لبعض التجارب الحسية أو الدلائل الحسية.
تقول كاترين بريلر Katrin Preller من مشفى جامعة زيوريخ للطب النفسي : " تزيد النتائج التي توصلنا إليها درجة فهمنا كيفية عزو الدماغ أهميةً للأشياء. والآن نحن نعلم أي المستقبلات، والناقلات العصبية، والمناطق الدماغية الذي له علاقة بإدراكنا القيمة الخاصة للبيئة من حولنا ومدى ارتباطنا بها "
وتوضح بريلر أن الدراسات السابقة أظهرت أن الـ LSD يغير من عزوِ عقولنا القيمة والصلة الشخصية للبيئة من حولنا. كما أنه يغير من طريقة إدراك الأشخاص لأنفسهم؛ حيث إن التمييز بين الذات وبين العالم المحيط يصير ضبابيًا وأقل وضوحًا عند تناول الـ LSD. ولكنه لم يكن من الواضح تمامًا أي أجزاء الدماغ وأي النواقل العصبية بالتحديد منوط به ذلك.
في البداية، عملت بريلر وزملاؤها على تأكيد وجود الآثار الاعتيادية للـLSD على حالة الوعي، والمزاج، والتوتر للأشخاص المشاركين في الدراسة. وقد وجدوا أن هذه الآثار المخلة بالعقل للـ LSD اختفت عندما تناول الأشخاص دواءً آخر يُسمى كيتانسيرين ketanserin والذي يحجب قدرة الـ LSD على العمل عن أحد أنواع مستقبلات السيروتونين، والتي تسمى 5-HT2A. وقالت بريلر إن هذه النتيجة كانت بمثابة مفاجأة لهم؛ إذ إنه من المعروف أن الـ LSD يعمل على مستقبلات الدوبامين وليس السيروتونين.
ومن أجل استكشاف تأثير الـ LSD على طريقة عزو الأشخاص المعاني والقيم للأشياء في العالم من حولهم، صنف الباحثون المشاركين في الدراسة إلى ثلاثة أقسام: قسمٍ تناول دواءً كاذبًا، وقسمٍ تناول الـ LSD، وقسم ثالث تناول الـ LSD مع الكيتانسيرين. ثم طلب الباحثون منهم أن يرتبوا القيم الخاصة المرتبطة بسلسلة من الأغاني.
و كان المشاركون قد أخبروا الباحثين عند بداية الدراسة عمّا لبعض هذه الأغاني من قيمة خاصة بالنسبة لهم ، وأن بعضها كان ذا قيمة محايدة بالنسبة لهم، وبعضها الآخر كان بلا قيمة خاصة بالنسبة لهم.
وجد الباحثون أن الأغاني التي كانت في السابق بلا قيمة خاصة للمشاركين أخذت قيمة خاصةً عندما صار هؤلاء الأشخاص تحت تأثير الـ LSD. وقد قل هذا الأثر عندما أُعطي الباحثون الدواء الآخر الذي يبطل تأثير الـ LSD على مستقبلات السيروتونين. كما ربطت دراسات تصوير الدماغ الاختلاف في عزو القيمة هذا ببعض المناطق المحددة في الدماغ.
تقول بريلر: "بربطنا التصوير الوظيفي للدماغ بالتقييم السلوكي الدقيق، عن طريق استخدامنا صيغة تجريبية لفحص الصلة الشخصية أو القيمة الخاصة للأغاني، كنا قادرين على توضيح الأسس الحيوية العصبية التي تتعلق بمعالجة الصلة الخاصة في الدماغ.
وقد وجدنا أن عزو القيمة الخاصة للأشياء وتعديل الـ LSD لذلك له علاقة بمستقبلات السيروتونين 5-HT2A، وكذلك بالتراكيب الدماغية القشرية الموجودة قرب منتصف الدماغ، والتي كانت ذات علاقة وثيقة بإدراك الشخص لذاته".
كما تقول بريلر إنهم الآن يخططون لاستشكاف ما إذا كانوا سيرصدون نفس الأثر في الاستجابة للمحفزات البصرية أو اللمسية. كما يأملون أن يستكشفوا علاقة هذه النتائج بالاختلالات في عزو المعاني والقيم الخاصة عند الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية.
وتوضح بريلر هنا: "يبدو أن التحفيز الزائد لمستقبلات الـ 5-HT2A هو السبب في حدوث مشاكل في وضوح حدود الشخص/الأنا عند بعض الأشخاص، ومشاكل في المعالجة الدماغية لعزو الأشياء للنفس، وما ينتج عنها من خلل في إدراك القيمة الخاصة للأشياء وفي عزو الصلة الخاصة للأشياء والتجارب، وهو ما نراه في بعض الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية. وبالتالي، من المهم أن نأخذ هذه المستقبلة العصبية بالاعتبار على أنها هدف محتمل لعلاج الأمراض النفسية التي تتميز باختلافات في عزو الصلة الخاصة للأشياء".