دواء مضاد للسرطان يعالج الأعراض الاجتماعية في مرض التوحد

استعاد الدواء romidpsin التعبير الجيني عبر آلية جينية، وخفف بذلك من العجز الاجتماعي عند عيناتٍ من حيواناتٍ تعاني من التوحد. التاريخ :12 آذار/مارس 2018. المصدر: جامعة بوفالو Buffalo

تعدّ الصعوبات الاجتماعية من ضمن التحدّيات الأكثر تدميرًا التي ترافق تشخيص اضطراب طيف التوحد ASD. لا يوجد حاليًا علاج لهذا العَرَض الأساسي لـ ASD. وقد كشف بحثٌ جديد في جامعة بوفالو عن أوّل دليل على أنّه من الممكن استخدام مركب واحد للتخفيف من الأعراض السلوكية، وذلك عن طريق استهداف مجموعات الجينات المسؤولة عن هذا المرض.

وأظهر البحث الذي نُشِر في دورية Nature Neuroscience أنَّ استخدام الدواء روميدبسين لفترة قصيرة وبجرعة منخفضة قد أصلح العجز الاجتماعي لدى النماذج الحيوانية التي تعاني من التوحد وبشكل دائم. والروميدبسين هو دواء لعلاج السرطان معتمد من قبل إدارة الأغذية والأدوية Food and Drug Administration، وقد طبّق العلماء العلاج لمدة ثلاثة أيام، تمكن الدواء خلالها من عكس العيوب الاجتماعية لدى الفئران التي لديها نقص في جين يدعى شانك3 Shank 3، الذي يعد بدوره عامل خطر هام للإصابة بـ ASD.

واستمر هذا التأثير لثلاثة أسابيع، حيث امتد من فترة الشباب إلى مرحلة المراهقة المتأخرة، التي تعدّ بدورها مرحلة حساسة لتطوّر مهارات التواصل الاجتماعي. ويقول الباحثون بما أنَّ ذلك يعادل عدة سنواتٍ لدى البشر، فإنّ الآثار المترتبة على مثل هكذا علاج يمكن أن تكون طويلة الأمد.

 تأثير عميق وذو أثر مطوّل


تقول زِن يان Zhen Yan الحاصلة على الدكتوراه، والأستاذة في قسم علم وظائف الأعضاء والفيزياء الحيوية في كلية جاكوب للطب Jacobs School of Medicine والعلوم الطبية الحيوية في UB والكاتبة الأولى في هذه الدراسة: "اكتشفنا مركبًا جزيئيًا صغيرًا يُظهر تأثيرًا عميقًا وطويل الأمد على الخلل الاجتماعي الشبيه بالتوحد بدون آثار جانبية ظاهرة للعيان، في حين فشلت العديد من المركبات المستخدمة حاليًا لعلاج مجموعة متنوعة من الأمراض النفسية في إظهار فعالية العلاج لهذا العَرَض الأساسي للتوحد".

وتستند الدراسة إلى أبحاثٍ سابقة لها تعود لعام 2015، حيث كشف هذا العمل كيف يعطِّل غياب الجين شانك 3 الاتصالات العصبية من خلال تأثيره على وظيفة المستقبل (NMDA (n-methyl-D-aspartate العامل الحاسم في تنظيم الإدراك والمشاعر. وبذلك يسبب غياب الجين عيبًا في التواصل الاجتماعي وهذا شائعٌ في الـ ASD.

كما وجد علماء UB في هذا البحث الجديد أنَّه من الممكن عكس هذه العوائق الاجتماعية عبر تناول جرعة صغيرة من الـ romidepsin، الذي وبدوره يستعيد التعبير والوظيفة الجينية عبر آلية فوق جينية، حيث أنَّ تأثيرات تسلسلات أخرى غير الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين DNA تُحدِث تغيرات في الجينات.

ونوّهت يان إلى أنَّ دراسات علم الوراثة البشرية تشير إلى أنَّ التشوهات فوق الجينية قد تلعب دورًا رئيسيًا في اضطرابات طيف التوحد. كما أن يان كانت قد أسست شركة ناشئة تسمى ASDDR بهدف متابعة هذه النتائج الواعدة، كما أنها حصلت على منحة نقل تكنولوجيا الأعمال الصغيرة Small Business Technology Transfer بملبغٍ يزيد عن 770,000 دولار من المعاهد الوطنية للصحة The National Institutes of Health في الصيف الماضي.

Epigenetics في ASD 


وضّحت يان أنَّ العديد من الطفرات في الـASD هي نتيجة عوامل إعادة قولبة الكروماتين chromatin، والتي تشارك في تغيير بنية الكروماتين بشكل حيوي. أما الكروماتين فهو معقد المادة الوراثية الذي يتكثف ليشكل الكروموسومات ضمن نواة الخلية.

وتقول يان: "ومما يدعم فكرة تغيير الهدف من الأدوية فوق الجينية المستخدمة في علاج السرطان لاستخدامها في علاجاتٍ محددة الهدف في التوحّد، هو التراكب الواسع بين الجينات المسؤولة عن مرضي التوحد والسرطان، التي يعدُّ الكثير منها عامل لإعادة قولبة الكروماتين".

اكتشفت يان وزملاؤها أنَّ المواد المنظّمة للكروماتين التي تتحكم في كيفية وصول المادة الوراثية إلى آلة النسخ في الخلية، ما هي إلا مفتاح علاج العيوب الاجتماعية في ASD، ولكنَّ التحدي كان في معرفة كيفية التأثير على عوامل الخطر الرئيسة معًا. وتوضّح يان: "ينطوي التوحد على فقدان الكثير من الجينات. وبهدف إصلاح الخلل الاجتماعي الحاصل يتوجب على المركب أن يؤثّر على عددٍ من الجينات المشاركة في عملية التواصل بين الخلايا العصبية".

وللقيام بذلك، لجأ الفريق إلى نوعٍ من المواد المقولبة للكروماتين التي تسمى معدِّلات الهيستون Histone. فهي تعدِّل البروتينات المدعوة Histones، التي بدورها تساعد في تنظيم المادة الوراثية في النواة بهدف تنظيم التعبير الجيني. ورغم أنَّ العديد من الجينات تتغير في التوحّد إلّا أنَّ علماء UB وجدوا مُعدِّلًا للهستون والذي قد يكون فعالًا.

 تخفيف الكروماتين


وعلى وجه الخصوص كان العلماء مهتمين بـ هيستون دي اسيتيلاز Histone deacetylase واختصارًا HDAC. وهي عائلة من معدّلات الهستون التي تشارك بشكل حاسم في إعادة قولبة بنية الكروماتين وتنظيم نسخ الجينات المستهدفة.

تقول يان: "يكون HDAC2 في نموذج التوحّد مرتفعًا بشكل غير طبيعي مما يجعل الكروماتين في النواة ضيقًا جدًا مانعًا المواد الجينية من الوصول إلى آلة النسخ التي تحتاج إلى التعبير عنها. وبمجرد أن يُنظم HDAC2 فإنَّ ذلك يقلل الجينات والتي لا يجوز في الحالة الطبيعية تثبيطها، وهذا ما يؤدي إلى تغييرات سلوكية مثل العجز الاجتماعي الشبيه بالتوحد".

لكن يعدُّ الدواء romidepsin المضاد للسرطان من مثبطات HDAC شديدة الفعالية حيث يلغي تأثيرات HDAC2، مما يسمح بالتعبير بشكل طبيعي عن الجينات المعنية بالترميز العصبوني.

تقول يان: "يعمل مثبّط HDAC على فك الكروماتين المخزّن بشكل كثيف، وبذلك تتمكن آلات النسخ من الوصول إلى منطقة تحفيز الجينات وبالتالي التعبير عنها".

وكان قد انتشر تأثير الإنقاذ على التعبير الجيني بشكلٍ واسع، وعندما أجرت يان وكادر التأليف المساعد في البحث فحصًا على مستوى الجينوم في مركز الجينوم والمعلومات الحيوية Genomics and Bioinformatics Core في مركز نيويورك للتميُّز في علوم المعلومات الحيوية والحياة في جامعة نيويورك UB's New York State Center of Excellence in Bioinformatics and Life Sciences، وجدوا أنَّ رومبيدبسين قد أعاد وظيفة أغلب الجينات (أكثر من 200 جين) قد ثبّطها العلماء مسبقًا لدى النموذج الحيواني المصاب بالتوحد.

وتشرح يان: "قد تُفسِّر ميزة القدرة على ضبط مجموعة من الجينات المعروفة كعوامل خطرٍ رئيسة لحدوث التوحد فعالية هذا العامل العلاجي للتوحد القوية والدائمة". 

وستواصل يان وزملاؤها في المستقبل التركيز على اكتشاف وتطوير طرق علاجية أفضل لمرض التوحّد.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات