رسم انطباعي لقلب مجرة NGC 1068، والتي تؤوي ثقبًا أسود هائلًا نشطًا. اكتشف مرصد ألما سحبًا من جزيئات الغاز الباردة والغبار، ناتجة عن القرص الخارجي المتعاظم للثقب الأسود. تتسارع هذه المواد عن طريق المجالات المغناطيسية في القرص، وتصل سرعتها إلى نحو 400 إلى 800 كيلومتر في الثانية. تُقذف هذه المواد من القرص وتحجب المنطقة حول الثقب الأسود عن التلسكوبات البصرية على الأرض. في الحقيقة، يختبئ الثقب الأسود خلف ستار من الدخان.
حقوق: NRAO/AUI/NSF; D. Berry / Skyworks
وجدت الثقوب السوداء فائقة الكتلة (Supermassive black holes)، والتي تفوق كتلها كتلة شمسنا بملايين إلى مليارات المرات، في مراكز المجرات. تختبئ العديد من هذه الأجسام المجرية الضخمة داخل حلقات سميكة من الغبار والغاز تشبه شكل الدونات وتسمى بالطارة (torus). وتقترح المشاهدات السابقة أنّ هذه البُنى المحتجبة، التي تشبه إطار السيارات تشكّلت من مواد محلية وجدت قريبًا من مركز المجرة.
كشفت بيانات جديدة صادرة عن مصفوف مرصد أتاكاما المليمتري الكبير، أو اختصارًا ألما (ALMA)، أن الثقب الأسود الواقع في مركز المجرة المسماة NGC 1068 هو في الواقع مصدر طارته الغبارية من الغبار والغاز، والمُكوّنة من المواد المقذوقة خارج قرص الثقب الأسود المتعاظم.
من الممكن لهذا المصدر الكوني للغاز البارد والغبار المكتشف حديثًا أن يعيد تشكيل فهمنا للكيفية التي تؤثر فيها الثقوب السوداء على المجرات المضيفة وربما على الوسط بين المجري. يقول جاك غاليمور Jack Gallimore، عالم الفلك في جامعة بكنل في لويسبرغ، في ولاية بنسلفانيا، والمؤلف الرئيسي للورقة التي نشرت في Astrophysical Journal Letters: "تخيّل أن الثقب الأسود عبارة عن محرك، حيث يتزود بالوقود من مواد تدخل إليه من قرص مسطح من الغبار والغاز"، ويضيف: "ولكنه كغيره من المحركات، يمكن أن يطلق الدخان، وهذا الدخان الذي اكتشفه العلماء هو غالبا مصدر مواد الطارة التي تحجب المنطقة حول الثقب الأسود الهائل عن التلسكوبات البصرية".
إن NGC 1068 (والتي يطلق عليها أيضًا مسييه 77 Messier) هي مجرة ذات خطوط حلزونية تبعد عن الأرض نحو 47 مليون سنة ضوئية في اتجاه كوكبة قيطس، ويوجد في مركزها نواة مجرية نشطة تحتوي على ثقب أسود فائق يتغذى عن طريق قرص رقيق دوّار من الغاز والغبار يعرف بالقرص المتعاظم.
عندما تلتفّ المواد داخل القرص متوجهة نحو الثقب الأسود المركزي، تصبح ساخنة جدًا ومتوهجة وتصدر إشعاعات فوق بنفسجية. بينما تكون الحواف الخارجية للقرص أبرد بكثير ومتوهجة بشكل ملحوظ بالأشعة تحت الحمراء وأطوال موجية ميليمترية يلتقطها مرصد ألما.
باستخدام مرصد ألما، ألقى فريق من علماء الفلك نظرة عميقة على هذه المنطقة وعثروا على سحب باردة متناثرة من أول أكسيد الكربون تعلو فوق الجزء الخارجي للقرص المتعاظم. تتأين هذه الغيوم جزئيًا عن طريق الطاقة الصادرة عن القرص الداخلي الساخن، ما يسمح لها بالالتحام مع خطوط المجال المغاطيسي القوية التي تدور حول القرص.
وكالماء الذي يندفع من مرشة الحديقة التي تدور سريعًا، تتسارع الغيوم التي تعلو فوق القرص المتعاظم بشكل مركزي على طول خطوط المجال المغناطيسي إلى سرعات عالية جدًا –نحو 400 إلى 800 كيلومتر في الثانية (مليوني ميل في الساعة)- حيث تفوق هذه السرعة سرعة دوران الجزء الخارجي للقرص المتعاظم بثلاثة أضعاف تقريبًا، وهي كافية لقذف السحب سريعًا إلى داخل المجرة.
يقول غاليمور: "تسافر هذه السحب بسرعة عالية بحيث تصل إلى سرعة الإفلات (escape velocity) وتُطرح على شكل رذاذ مخروطي من على جانبي القرص"، ويضيف: "باستخدام ألما، تمكّنا لأول مرة من رؤية الغاز المطروح والذي يحجب الثقب الأسود، وليس الغاز المنهمر. يشير هذا إلى أن النظرية العامة للثقوب السوداء النشطة مبسّطة إلى حد كبير".
مع عمليات الرصد المستقبلية للمرصد، يأمل الفلكيون بالعمل على ميزانية وقود لمحرك هذا الثقب الأسود، بمعنى معرفة مقدار الكتلة التي تنهمر نحو الثقب الأسود في السنة الواحدة، وكم منها يُلفظ على شكل دخان. ويختم غاليمور قائلًا: "هذه هي المقادير الأساسية لفهم الثقوب السوداء التي لا نملك مؤشرات جيدة عنها في الوقت الحالي".