إشعاع الجسم الأسود لجسم دافئ يجذب الأجسام المستقطبة

جذب الجسم الأسود بين أسطوانة تنغستين حارة وذرة سيزيوم أقوى بعشرين مرّة من الجذب الثقالي بينهما. حقوق الصورة: Holger Müller, UC Berkeley

إنّ انجذابنا الفيزيائي للأجسام الحارّة حقيقيٌّ وفقًا لفيزيائيي جامعة UC Berkeley.

وللإيضاح، هم لا يتحدّثون عن الانجذاب الجنسي لجسمٍ بشريٍّ "حارّ"، لكن بيّن الباحثون أنّ الجسم المتوهج في الواقع يجذب الذرّات، ما يخالف ما قد يعتقده معظم الناس بمن فيهم الفيزيائيون. ويشابه الأثر بالغ الصغر إلى حدٍّ كبيرٍ أثر الليزر على ذرةٍ في جهازٍ يُدعى "الملاقط البصرية optical tweezers"، وهو جهازٌ يُستخدم لاصطياد الذرات ودراستها، وهذا الاكتشاف حاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1997 والتي اقتسمها "ستيفن تشو Steven Chu" الأستاذ السابق في جامعة UC Berkeley، الذي يعمل الآن في ستانفورد، وكلود كوهين تانودجي Claude Cohen-Tannoudji وويليام د. فيليبس William D. Phillips.

 

جذب الجسم الأسود بين أسطوانة تنغستين حارة وذرة سيزيوم أقوى بعشرين مرّة من الجذب الثقالي بينهما. حقوق الصورة: Holger Müller, UC Berkeley
جذب الجسم الأسود بين أسطوانة تنغستين حارة وذرة سيزيوم أقوى بعشرين مرّة من الجذب الثقالي بينهما. حقوق الصورة: Holger Müller, UC Berkeley

 

وحتّى ثلاث سنواتٍ مضت، حين تنبأت مجموعةٌ من الفيزيائيين النمساويين بذلك، لم يفكّر أحدٌ بأنّ الضوء النظامي، أو حتى الحرارة التي تصدر عن جسمٍ دافئٍ، وهج الأشعة تحت الحمراء الذي تراه عند النظر عبر نظارات الرؤية الليلية، يمكن أن يؤثّر على الذرات بالطريقة نفسها.

قام فيزيائيو جامعة UC Berkeley، الخبراء في قياس القوى الدقيقة باستخدام علم قياس تداخل الذرات، بتصميم تجربةٍ للتحقّق من ذلك. وحين قاسوا القوة الناتجة عما يُسمّى بإشعاع الجسم الأسود من أسطوانة تنغستين دافئةٍ على ذرة سيزيوم، أصبح التخمين واقعًا. والجذب في الواقع يعادل عشرين ضعفًا من الجذب الثقاليّ بين الجسمين، لكن بما أنّ الثقالة هي أضعف القوى جميعها فإنّ التأثير على ذرة السيزيوم، أو أيّ ذرةٍ أو جزيءٍ أو جسمٍ أكبر حجمًا، هو عادةً أصغر من أن يكون مثيرًا للقلق.

تقول الكاتبة المشاركة فيكتوريا تزو Victoria Xu، طالبة الدراسات العليا في قسم الفيزياء في جامعة UC Berkeley: "من الصعب العثور على سيناريو تبرز فيه هذه القوّة، وليس واضحًا إن كانت تُحدث أثرًا هامًّا في أيّ مكانٍ حتّى. الآن".

مع ذلك، حين تغدو قياسات الثقالة أكثر دقّةً، فإنّ آثارًا صغيرةً كهذه يجب أن تؤخذ بالحسبان، وقد يستخدم الجيل القادم من تجارب الكشف عن الأمواج الثقالية من الفضاء مقاييس تداخل ذراتٍ بطول طاولة المختبر بدلًا من المقاييس ذات الطول البالغ كيلومتر والمُستخدَمة حاليًا. وعادةً تقوم مقاييس التداخل بدمج موجتين ضوئيتين للكشف عن التغييرات بالغة الصغر في المسافة التي قطعتاها، أما مقاييس تداخل الذرات فتقوم بدمج موجتي مادّة للكشف عن التغييرات الصغيرة في الحقل الثقالي الذي خضعتا له.

 
يمكن مشاهدة أسطوانة التنغستين البرّاقة في الأعلى عبر نافذة في حجرة تخلخل الضغط في مقياس تداخل الذرات، وتُطلق ذرات السيزيوم نحو الأعلى عبر الفتحة الدائرية أسفل الأسطوانة. حقوق الصورة: Holger Müller lab, UC Berkeley
يمكن مشاهدة أسطوانة التنغستين البرّاقة في الأعلى عبر نافذة في حجرة تخلخل الضغط في مقياس تداخل الذرات، وتُطلق ذرات السيزيوم نحو الأعلى عبر الفتحة الدائرية أسفل الأسطوانة. حقوق الصورة: Holger Müller lab, UC Berkeley
 
ولكشفٍ بالغ الدقة للقصور الذاتي باستخدام مقاييس تداخل الذرات، يجب أيضاً أخذ هذه القوة بالحسبان.
 
يقول كبير المؤلفين "هولغر مولر Holger Müller" وهو أستاذٌ مساعدٌ في الفيزياء: "لجذب الجسم الأسود هذا تأثيرٌ حيثما تُقاس القوى بدقّةٍ، ويشمل ذلك قياسات الدقة للثوابت الأساسية واختبارات النسبية العامة وقياسات الثقالة وما إلى ذلك". وقد نشرت تزو ومولر وزملاؤهما في الجامعة دراستهم في عدد كانون الأول/ديسمبر من صحيفة Nature Physics.
 
الملاقط البصرية

تعمل الملاقط البصرية لأنّ الضوء عبارةٌ عن تراكب حقولٍ مغناطيسيةٍ وكهربائيةٍ (موجةٍ كهرومغناطيسيةٍ). يقوم الحقل الكهربائي في شعاع الضوء بحمل الجسيمات المشحونة على الحركة، وفي الذرة أو الكريّات الأصغر حجمًا يمكن لهذا أن يفصل الشحنات الموجبة كالنوى عن الشحنات السالبة كالإلكترونات. وهذا يخلق ثنائي قطب، ما يسمح للذرة أو الكرية بسلك سلوك مشابه لقضيبٍ مغناطيسيٍّ شديد الصغر.

عندئذٍ يمكن للحقل الكهربائي في الموجة الضوئية أن يحرّك ثنائيّ القطب الكهربائيّ الناتج بعدّة اتجاهات، تمامًا كما يمكن استخدام قضيبٍ مغناطيسيٍّ لتحريك قطعة من الحديد. وباستخدام أكثر من موجة ليزر يمكن للعلماء رفع ذرةٍ أو كريةٍ أخرى لإجراء التجارب.

أما باستخدام ضوء ضعيفٍ ومفكّكٍ كإشعاع جسمٍ أسود من جسمٍ حارٍّ، يزداد ضعف ذلك الأثر لكنه يظلّ قائمًا، حسبما وجد فريق مولر. وقد قاسوا الأثر بوضع غازٍ مميعٍ من ذرات سيزيوم باردةٍ، مبرّدةٍ إلى ثلاثة ملايين جزءٍ من درجة فوق الصفر المطلق (300 نانوكالفن)، في حجرة الضغط التخلخلي وإطلاقها عاليًا بنبضٍ سريعٍ من ضوء الليزر.

يُعطى نصف الذرات دفعةً إضافيةً علويةً باتجاه أسطوانة تنغستين بطول الإنش تتوهج عند الدرجة 185 درجة سيلسيوس (365 درجة فهرنهايت)، في حين لا يُعطى النصف الآخر أيّ دفعٍ. وحين تسقط مجموعتا ذرات السيزيوم وتلتقيان مجدّدًا، تتداخل أمواجهما المادية، ما يسمح للباحثين بقياس انزياح الطور الذي يسببه تفاعل التنغستين مع السيزيوم، وبالتالي حساب قوة الجذب الخاصة بإشعاع الجسم الأسود.

تقول تزو: "يعتقد الناس أنّ إشعاع الجسم الأسود مفهومٌ تقليديٌّ في الفيزياء، حيث كان حفازًا (وسيطًا) لبدء ثورة ميكانيكا الكمّ منذ 100 عامٍ، لكن لا يزال ثمّة أمورٌ ممتعةٌ نتعلّمها بشأنه".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات