على خطى تلسكوب كبلر: الإعلان عن وفاة مركبة دون الفضائية

 صورة فسيفسائية لبقعة مضيئة تُسمى (Cerealia Facula) على الكوكب القزم سيريس التقطتها سفينة الفضاء داون Dawn التابعة لوكالة ناسا من ارتفاع 35 كم فوق سطح سيريس. الصورة الفسيفسائية متراكبة على نموذج طبوغرافي يعتمد على الصور التي حُصل عليها خلال مدارٍ من ارتفاعات منخفضة (385 كم). حقوق الصورة: NASA

 
وأخيراً، حلّ الظلام على مركبة داون Dawn (الفجر).

 

أعلن مسؤولو وكالة الفضاء الأمريكية ناسا نفاد وقود المركبة الفضائية داون التابعة للوكالة، والتي دارت حول أكبر جسمين في حزام الكويكبات، فيستا وسيريس، خلال فترة تشغيلها الطويلة المثمرة.
 
يقول توماس زوربوشين Thomas Zurbuchen، المدير المساعد لمديرية البعثات العلمية التابعة لناسا في واشنطن العاصمة، في بيان: "اليوم، نحن نحتفل بانتهاء مهمة داون- إنجازاتها التقنية المدهشة، والعلوم الحيوية التي قدمتها لنا، والفريق بأكمله الذي مكن المركبة الفضائية من تحقيق هذه الاكتشافات. تُعتبر الصور والبيانات المدهشة التي جمعتها داون من فيستا وسيريس مهمة للغاية لفهم تاريخ وتطور نظامنا الشمسي".
 
يعتبر موت مركبة داون الخبر المحزن الثاني لمحبي الفضاء. حيث أعلن مسؤولو ناسا يوم الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018 أن تلسكوب كبلر Kepler الفضائي التابع للوكالة، والذي اكتشف 70% من أصل 3800 كوكب خارجي معروف حتى الآن، قد نفد منه الوقود أيضاً. سيخرج كبلر من الخدمة خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين.
 
أُطلقت مهمة داون التي كلفت 467 مليون دولار في سبتمبر/أيلول 2007 لدراسة الكوكب الأولي فيستا والكوكب القزم سيريس، الذي يبلغ قطرهما 330 ميلاً (530 كيلومتراً) و590 ميلاً (950 كم) على التوالي. يعتبر العلماء هذين الجسمين بمثابة بقايا من فترة تكوين النظام الشمسي، وهو ما يفسر اسم البعثة (داون Dawn أي فجر باللغة العربية).
 
وصلت داون إلى فيستا في يوليو/تموز عام 2011، واستمرت في دراسة الجسم من مدارها لمدة 14 شهر. كشفت داون عن العديد من التفاصيل المثيرة للاهتمام عن فيستا. على سبيل المثال، تدفق الماء السائل في قديم الزمان على سطح هذا الكوكب الأولي (على الأرجح بعد انصهار الجليد المدفون نتيجة الاصطدامات النيزكية)، كما اكتشفت المركبة أن فيستا يمتلك قمةً شاهقة بالقرب من القطب الجنوبي يصل ارتفاعها تقريباً إلى ارتفاع بركان أوليمبوس Olympus الشهير على المريخ.
 
غادرت مركبة داون فيستا في أيلول/سبتمبر 2012، متجهةً نحو سيريس. وقد وصلت في مارس/آذار عام 2015، لتصبح بذلك أول مركبةٍ فضائية تدور حول كوكبٍ قزم، وأول مركبةٍ تدور حول جسمين خارج نظام الأرض والقمر. يعود الفضل في هذه الإنجازات إلى محركات المركبة الأيونية فائق الفعالية، كما قال أعضاء فريق المهمة.
 
يقول مدير المهمة وكبير المهندسين مارك رايمان Marc Rayman، من مختبر الدفع النفاث JPL التابع لناسا في باسادينا في ولاية كاليفورنيا في البيان نفسه: "كانت المطالب التي توقعناها من داون هائلة، لكنها واجهت التحديات بنجاح في كل مرة".
 
اكتشف داون عدداً من البقع الساطعة والمثيرة للفضول على سطح سيريس. حدد أعضاء فريق المهمة طبيعة هذه البقع على أنها أملاح، والتي من المرجح أنها قد تُركت عندما انبثقت المياه المالحة من تحت السطح لتغلي متبخرةً نحو الفضاء.
 
تبين أن هذه البقع فتيةٌ في الواقع، ما يشير إلى أن سيريس امتلك أسفل سطحه جيوباً مدفونة من المياه السائلة في الماضي القريب، وعلى الأرجح ما زال يحتفظ ببعض هذه الجيوب لحد اليوم، وذلك حسبما قال أعضاء فريق المهمة. ولذلك، فإن الكوكب القزم هو هدف مثير للاهتمام بالنسبة إلى علماء الأحياء الفلكية، وخاصة عندما يؤخذ في عين الاعتبار اكتشاف داون الآخر: حيث اكتشفت المركبة جزيئات عضوية، والتي هي لبنات البناء الكربونية للحياة كما نعرفها، على سطح سيريس.
 
كانت هذه الصورة لسيريس لأحد معالمه الرئيسية، جبل أهونا، واحدة من آخر الصور التي أرسلتها داون التابعة لناسا قبل أن تستنفد ما تبقى من وقود الهيدرازين الخاص بها. تم التقاط هذا المشهد، الذي يواجه جهة الجنوب، في الأول من سبتمبر/أيلول 2018، على ارتفاع 2220 ميلاً (3570 كيلومتراً) أثناء انتقال المركبة مرتفعةً في مدارها الإهليلجي. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA
كانت هذه الصورة لسيريس لأحد معالمه الرئيسية، جبل أهونا، واحدة من آخر الصور التي أرسلتها داون التابعة لناسا قبل أن تستنفد ما تبقى من وقود الهيدرازين الخاص بها. تم التقاط هذا المشهد، الذي يواجه جهة الجنوب، في الأول من سبتمبر/أيلول 2018، على ارتفاع 2220 ميلاً (3570 كيلومتراً) أثناء انتقال المركبة مرتفعةً في مدارها الإهليلجي. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/UCLA/MPS/DLR/IDA
 
كما رصدت داون جبلاً وحيداً يبلغ ارتفاعه 2.5 ميل (4 كم)، وهو أعلى معلمٍ سطحي على الكوكب القزم. هذا الجبل، الذي أطلق عليه اسم جبل أهونا، هو على الأرجح بمثابة بركانٍ بارد (cryovolcano) تشكل خلال مئات ملايين السنين الماضية، وفقاً لعلماء المهمة.
 
قالت كارول ريموند Carol Raymond، باحثةٌ رئيسية في المهمة من مختبر الدفع النفاث في البيان نفسه: "من نواحٍ كثيرة، فإن تراث داون ما زال في بدايته. سيدرس العلماء بيانات داون بعمق وهم الذين يدرسون آلية نمو الكواكب وتمييزها، ومتى وأين يمكن أن تكون الحياة قد تشكلت في نظامنا الشمسي. كما أنّ سيريس وفيستا مهمان لدراسة أنظمة الكواكب البعيدة، حيث إنهما يوفران لمحةً عن الظروف التي قد توجد حول النجوم الفتية".
 
استنتج فريق المهمة أنّ مركبة داون قد نفد منها وقودها المكون الهيدرازين بعد أن فوتت المركبة مواعيد إجراء الاتصالات المقررة يوم (31 أكتوبر/تشرين الأول والأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018). 
 
الهيدرازين هو الوقود الذي تستخدمه محركات داون الدفعية، لذا لم تعد المركبة الفضائية قادرة على توجيه نفسها لدراسة سيريس، أو نقل البيانات إلى الأرض أو إعادة شحن الألواح الشمسية.
 
ستبقى داون في مدارٍ حول سيريس لمدة 20 سنة على الأقل، وربما أطول من ذلك بكثير. حيث قال أعضاء فريق المهمة إنّ هناك احتمالاً أكبر من 99 بالمئة أن المركبة لن تصطدم بسطح سيريس قبل مدةٍ لا تقل عن خمسة عقود. لم تكن وفاة كلٍ من مركبة داون وتلسكوب كبلر مفاجأة، فقد كان أعضاء فريق المهمتين على علمٍ لعدة أشهر أن خزانات الوقود شارفت على الانتهاء.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات