حلقت مركبة الفضاء نيوهورايزنز التابعة لناسا بالقرب من أبعد جسمٍ تقوم مركبةٌ فضائية بالتحليق بالقرب منه على الإطلاق، ألا وهو ألتيما تولي، ذلك الجسم الغريب الذي يعود أصله لبداية تكون النظام الشمسي. إذن ما هي خطوتها التالية؟
على الرغم من مرور المركبة بالجوار من ألتيما تولي في بداية هذا العام، إلا أنّ المهمة لم تنتهي بعد. لا تزال مركبة نيوهورايزنز تمتلك الكثير من الصور لألتيما تولي لإرسالها إلى الارض، ولايزال أمامها الكثير من العمل لدراسة حزام كايبر، ونأمل أن تنجح في مغادرة النظام الشمسي في يوم من الأيام.
مع تجاوز المركبة الفضائية هدفها بأمان، فإن الشاغل الرئيسي هو حالتها. فبعد كل شيء، لا يمكنها إرسال بياناتها إذا كانت لا تعمل. لحسن الحظ، لا يبدو أنّ المركبة تُعاني من أي خلل. "يبدو كل شيء رائعاً" هذا ما قاله مدير عمليات المهمة أليس بومان Alice Bowman في مؤتمر صحفي بعد التحليق.
وأكمل قائلاً: "من المؤكد أننا نتطلع إلى الحصول على بيانات علمية بحيث يستطيع كل علمائنا والعالم أجمع معرفة ما يمكن أن تحمله أصول نظامنا الشمسي".
عملية واسعة
أثناء مرورها العابر بالقرب من التيما تولي، ملأت نيوهورايزنونز قرصها الصلب بحوالي 7 غيغابايت من البيانات حول جسم حزام كايبر الصغير. ومع اكتمال عمليات الرصد، يجب أن تبدأ المهمة الشاقة المتمثلة في إرسال تلك البيانات إلى كوكب الأرض. ولكن قبل أن تتمكن نيوهورايزونز من البدء في العملية، سوف يتم "إسكات" المركبة الفضائية مؤقتًا بسبب الشمس. لبضعة أيام قصيرة، من 4 إلى 9 يناير، وذلك بسبب أن الغلاف الجوي للشمس سوف يحجب الإرسالات من المركبة إلى الأرض.
حالما تتجاوز المركبة قرص الشمس، سيعود الباحثون لاستهلاك البيانات الجديدة كل يوم، والعمل عن بعد في العديد من الفرق الصغيرة وسيجتمعون مرة أخرى معاً في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية (JHUAPL) في ولاية ماريلاند في 15 يناير/كانون الأول.
لكنهم لن يتسكعوا في ميريلاند طوال الوقت. فبمعدل نقل بيانات يُقدر بحوالي 1000 بت في الثانية، سيستغرق الأمر حوالي 20 شهرًا لإرسال جميع البيانات التي تم جمعها حديثًا حول ألتيما تولي. وفي نهاية المطاف، سوف يعودون إلى المنزل، وسيجتمعون عن بعد وأحيانًا بشكل شخصي لمناقشة اكتشافاتهم.
إن وصول الصور والمعلومات له أولوية عالية، وفقاً لما ذكره الباحث الأساسي ألان ستيرن Alan Stern ، وهو عالم كواكب في معهد أبحاث الجنوب الغربي في كولورادو.
قال ستيرن للصحافة بعد التحليق: "على الرغم من أنّ أداء المركبة الفضائية لا يزال مثالياً بعد 13 سنةً تقريباً من إطلاقها، فهناك دائمًا احتمال أن يحدث شيء ما خاطئ". سيتم ارسال المعلومات حول الأهداف ذات الأولوية القصوى أولاً، مثل معلومات جيولوجيا وتركيب ألتيما تولي، بالإضافة إلى إمكانية وجود حلقات أو أقمار. أما بالنسبة للأهداف الثانوية المتعلقة بالغبار والحفر النيزكية وخصائص السطح الفيزيائية، فسيتم ارسالها لاحقاً.
بمجرد إرسال هذه المعلومات، سيتم ارسال الأهداف ذات الأولوية الأقل والأهداف الإضافية ذات الصلة بالخصائص الأكثر تفصيلاً لأي حلقات وأقمار في حال وجودها، ومعلومات الكتلة والكثافة، والدراسات التركيبية الإضافية.
سوف تحتوي المعلومات القليلة الأولى التي ستصل على القليل من كل شيء. قال بومان: "نريد أن نحصل على مجموعات من البيانات من كل أداة على متن المركبة".
وفقا لبومان، على الرغم من أنّ التيما تولي أصغر بكثير، فإن نيوهورايزونز جمعت نفس كمية البيانات تقريباً التي تم استرجاعها من تحليقها بالقرب من بلوتو. لكن، يبعد ألتيما تولي أكثر من مليار ميل عن بلوتو، لذلك يستغرق الأمر وقتًا أطول حتى تصل المعلومات إلى الأرض. سيتم إرسال كل هذه البيانات بواسطة جهاز ارسال لاسلكي بقدرة 15 واط بحيث يتم توجيه إشاراته الضعيفة إلى الأرض. وقال ستيرن عن عملية الاتصال: "أنا أشعر بالدهشة من قدرتنا على القيام بذلك".
تمديد المهمة
بعد مرور المركبة ببلوتو في عام 2015، بدأت نيوهورايزونز مهمةً مطولة، وكان أبرزها هو التحليق بالقرب من أبعد جسمٍ تقوم مركبةٌ فضائية بالتحليق بالقرب منه على الإطلاق. لكن هذا ليس الهدف الوحيد للمرحلة القادمة من مهمة المركبة الفضائية. حيث ستستمر في دراسة حزام كايبر، وهو شريط الجليد والصخور التي يشكل المنطقة الثالثة من النظام الشمسي، حتى شهر أبريل/نيسان من عام 2021 على الأقل عندما ينتهي تمويل مهمتها الحالية.
قال عالم المشروع هال ويفر Hal Weaver قبل عملية التحليق: "نتوقع أن يكون هناك الكثير من الوقود المتبقي عند الانتهاء من التحليق بالقرب التيما تولي. نحن نأمل أن نعثر على جسمٍ صغيرٍ آخر في حزام كايبر على طول الطريق".
يمتد حزام كايبر مسافة 30 إلى 50 وحدة فلكية تقريباً (الوحدة الفلكية هي معدل المسافة بين الأرض والشمس). يقتن ألتيما تولي في وسط حزام كايبر. ووفقاً لستيرن، ستستمر المركبة بالتحليق داخل حزام كايبر حتى عام 2027 أو 2028. قال ستيرن: "من السخيف ألا نبحث عن هدف آخر".
قد يكون العثور على جسمٍ جديد أكثر صعوبة مما كان متوقعاً في البداية. وبينما كانت نيوهورايزنر في طريقها إلى بلوتو، أمضى الباحثون سنوات في تمشيط السماء بواسطة تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا، قبل أن يعثروا في النهاية على ثلاثة أهداف محتملة، حيث تم اختيار ألتيما ثولي أخيراً لكونه كان الأقرب. يكمن هذا الجسم الوحيد في المنطقة الأكثر كثافة في حزام كايبر.
وفقا لويفر، فأن ألتيما ثولي هو أبهت جسمٍ في حزام كايبر تم رصده على الإطلاق، ويرجع ذلك جزئياً لأنه بعيدٌ جداً. يدور الهدف التالي في مدار أبعد، مما يجعل من المحتمل أن يكون أكثر خفوتاً عند رصده من الأرض.
قد يكون أفضل تلسكوب لاكتشاف الهدف التالي هو الموجود على متن مركبة نيوهورايزنز. من الممكن تعديل برنامج الطيران بحيث يمكن استخدام كاميرا الاستطلاع طويلة المدى (LORRI)، كاميرا المركبة الفضائية، كجهاز اكتشاف للعثور على أجسام حزام كايبر الصغيرة الموجودة على طول مسار المركبة.
يمكن أن تلتقط كاميرا LORRI مئات أو حتى آلاف الصور الفوتوغرافية للنجوم الموجودة حول المركبة الفضائية. بدلاً من إرسال هذه الصور إلى الأرض، يمكن برمجة الكمبيوتر للبحث عن أفضل الأهداف وإرسال هذه الصور فقط إلى الأرض. وقال ويفر أنّ مثل هذه الخطط لا تزال على طاولة النقاش.
لكن الفريق لن يبدأ على الفور بالتشديد على مهمتهم القادمة. فوفقا لستيرن، لن يقدم الفريق اقتراحاً للمهمة الموسعة القادمة حتى صيف عام 2020. في هذه الأثناء، سيبحثون عن الهدف القادم للمهمة. ويضيف ستيرن: "أنا متفائلٌ نسبياً".
قُل وداعاً
حلقت نيوهورايزنز بالقرب من ألتيما تولي بسرعة 32000 ميل في الساعة (14 كم/ثانية). وبهذه السرعة، ستتمكن المركبة الفضائية من التحرر من سحب جاذبية الشمس والسفر إلى ما وراء النظام الشمسي، مثل المركبة الفضائية فوياجر 1 وفوياجر 2 وبايونير التابعة لناسا.
موعد حدوث ذلك لا يزال لغزاً. حيث تتغير الحدود بين الغلاف الشمسي، المنطقة المحيطة بالشمس، والوسط بين النجمي، المنطقة الواقعة بين النجوم، مع دورة الشمس التي تبلغ 11 سنة. أخبر ستيرن موقع Space.com في الأسابيع التي سبقت التحليق أنّ ذلك يجعل من الصعب التنبؤ بمكان المركبة بعد 20 عاماً.
قال ستيرن أن مصدر طاقة المركبة سيستمر بتزويدها بالطاقة حتى أواخر الثلاثينيات، عندما تتجاوز المركبة مسافة 100 وحدة فلكية. يمكن أن تكون الحدود التي تفصلنا عن الوسط بين النجمي على بعد 70 إلى 130 وحدة فلكية في أقصى الحالات.
قال ستيرن: "لا يمكن لأي نموذجٍ أن يتنبأ ما إذا كان بإمكاننا رؤية الفضاء بين النجمي قبل نفاد الطاقة". لكنه يعتقد أنّ هناك فرصة جيدة بأن لا تنفذ طاقة المركبة قبل عبورها حدود النظام الشمسي.
سيكون ذلك حدثاً ممتازاً للعلم. فعلى الرغم من أنّ كلاّ من مركبتي فوياجر 1 و فوياجر 2 يمتلكان أدوات لقياس جسيمات الوسط بين النجمي، قال ستيرن أنّ نيو هورايزونز تحمل جهازين أكثر قوة. فباستخدام هاتين الأداتين، تستطيع المركبة الفضائية إجراء قياسات أكثر دقة من سابقاتها. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي نيو هورايزونز على عداد كاشف الغبار Counter Dust Counter ،الذي يحمل حالياً الرقم القياسي لأبعد جهاز كشف غبار فعال في الفضاء.
قال ستيرن: "ستكون تجربة تشغيل كاشف الغبار في الفضاء بين النجمي حدثاً قيماً للغاية من الناحية العلمية". ستغادر نيوهورايزونز النظام الشمسي سواء استهدفت جسماً جديداً في حزام كايبر أو إذا استمرت في مسارها الحالي. في كلتا الحالتين، فإن العلماء متحمسون لرؤية الصور الجديدة التي ستلتقطها المركبة الفضائية على الطريق.