العثور على أدلة لجسيم أساسي جديد

تلتقط المستشعرات الضوئية Photodetectors داخل خزان تجربة ميني بون MiniBooNE الضوء الذي ينتج عند تفاعل النيوترينو مع نواةٍ ذريةٍ.حقوق الصوره Reidar Hahn / Fermi lab
 

كشفت تجربةٌ أُجريت في المختبر الوطني لأبحاث المسرّع فيرميFermi National Accelerator Laboratory بالقرب من شيكاغو عن نيوتريناتٍ إلكترونية أكثر بكثيرٍ مما كان متوقعًا، وهو نذيرٌ محتملٌ لجسيمٍ أساسيٍّ جديدٍ ثوريٍّ يُسمى نيوترينو العقيم Sterile، رغم أنّ العديد من الفيزيائيين ما زالوا متشككين.
 
يشعر علماء الفيزياء بالإثارة والحيرة من خلال تقريرٍ جديدٍ عن تجربة نيوترينو Neutrino في المختبر الوطني لأبحاث المسرع فيرمي بالقرب من شيكاغو، إذ وجدت تجربة ميني بون (تجربةٌ للكشف عن ذبذبات النيوترينات) نيوتريناتٍ من نوعٍ مُعيّن أكثر بكثيرٍ مما هو متوقع، وهو اكتشافٌ يمكن تعليله بسهولة بوجود جسيمٍ أوليٍّ جديدٍ: النيوترينو العقيم Sterile، الأكثر غرابةً وانعزالًا من أنواع النيوترينو الثلاثة المعروفة. ويبدو أنّ الاكتشاف يؤكد النتائج الشاذة لتجربةٍ امتدت عقودًا من الزمن والتي صُممت من أجلها تجربة ميني بون خصيصًا لزيادة التحقق من هذا الاكتشاف.
 
وقال الفيزيائي سكوت دودلسون Scott Dodelson من جامعة كارنيغي ميلون: "إن استمرار شذوذ النيوترينو مثيرٌ للغاية"، وأضاف أنزي سلوسار Anže Slosar من مختبر بروكهافن الوطني: "سيشير هذا إلى حدوث شيءٍ ما بالفعل، ما هو هذا الشيء، لا أحد يملك الجواب". وقالت جانيت كونراد Janet Conrad، وهي عالمة فيزياء متخصصة بالنيوترينو في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT وعضوة في تعاون تجربة ميني بون: "أنا متحمسةٌ جدًا لهذه النتيجة، لكنني لست مستعدة لقول Eureka وجدتها!".
 
ومن الممكن أن يُسبب وجود نيوترينو عقيم ثورةً في الفيزياء بكل المقاييس، وسيكسر أخيرًا النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات الذي ساد منذ السبعينيات، وقال دودلسون: "سيتطلب ذلك أيضًا نموذجًا قياسيًا جديدًا لعلم الكونيات. هناك صدوع أخرى مُحتملة في الصورة القياسية. يمكن لمفارقة النيوترينو أن تقودنا إلى الطريق نحو نموذجٍ جديدٍ أفضل".
 
والنيوترينات جسيماتٌ صغيرةٌ نادرًا ما تتفاعل وتمر عبر أجسامنا بالمليارات في كلّ ثانيةٍ. بالإضافة إلى أنها تتذبذب باستمرار بين ثلاثة أنواع (نكهات Flavors) معروفةٍ تُسمى الإلكترون Electron، والميون Muon، والتاو Tau.
 
إذ تُطلِق تجربة ميني بون حزمة من النيوترينات من النوع ميون نحو خزان زيت عملاق لتتحول بعض هذه النيوترينات الميونية Muon Neutrinos في طريقها إلى الخزان إلى نيوترينات إلكترونية Electron Neutrinos بمعدل فرق الكتلة بين الاثنين، وبعدها تُراقب تجربة ميني بون وصول النيوترونات الإلكترونية التي تنتج ومضات مميزة من الإشعاع في فُرصٍ نادرةٍ عندما تتفاعل مع جزيئات الزيت، وقد سجلت تجربة ميني بون بضع مئاتٍ من النيوترونات الإلكترونية أكثر من المتوقع في غضون 15 عامًا من العمل. 
 
وأبسط تفسير للعدد المرتفع المثير للدهشة هو أن بعض النيوترينات الميونية تتذبذب إلى نوعٍ رابعٍ مختلفٍ من النيوترينو الأثقل وهو النوع العقيم، بمعنى أنه لا يتفاعل أبدًا مع أي شيء عدا النيوترينو، وأن بعض هذه النيوترينات العقيمة الثقيلة تتذبذب إلى نيوترونات إلكترونية، ويصف الفرق الأكبر في الكتلة معدلًا أعلى من التذبذبات ومزيدًا من عمليات الكشف.
 
يبلغ قطر خزان زيت تجربة ميني بون 12 مترًا ويحتوي على 1520 جهاز استشعار مصفوف. المصدر: Ryan Patterson / Princeton / Fermilab
يبلغ قطر خزان زيت تجربة ميني بون 12 مترًا ويحتوي على 1520 جهاز استشعار مصفوف. المصدر: Ryan Patterson / Princeton / Fermilab
 
وقد رصد كاشف النيوترينات الومّاض السائل Liquid Scintillator Neutrino Detector (اختصارًا الكاشف (LSND في لوس ألاموس Los Alamos شذوذًا مماثلًا في التسعينيات، مما أدى لإنشاء تجربة ميني بون، ومع ذلك، فشلت تجارب النيوترينو الأخرى التي تعمل بشكلٍ مختلفٍ عن الكاشف LSND وتجربة ميني بون في إنتاج علامةٍ واضحةٍ للدلالة على النيوترينو العقيم المُفترض. وقال فيرنر روديخوهان Werner Rodejohann من معهد ماكس بلانك للفيزياء النووية في هايدلبرغ بألمانيا: "إنها لعنةٌ متعلقةٌ به حيث أن بعض التجارب ترى ما لا تراه التجارب الأخرى".
 
وإذا كانت النيوترينات العقيمة تُفسَّر بالفعل النتائج الجديدة، فإنّ الفيزيائيين يكافحون لمعرفة كيف يمكن لخصائص هذه الجسيمات الجديدة أن تتوافق مع كلّ شيءٍ آخر نعرفه، ولعل الأكثر إثارةً للقلق على الإطلاق، هو أنّ الرصد الكوني للضوء من زمن الكون المبكر يشير إلى أن ثلاث نكهاتٍ فقط من النيوترونات كانت موجودة آنذاك. ولفهم عمل الكاشف LSND والتجربة ميني بون وجميع التجارب الأخرى حتى الآن، قال سلوسار: "هناك حاجة إلى بعض الإطار النظري الجديد تمامًا".
 
وعلاوة على ذلك، لا يحل النيوترينو العقيم المحدد الذي يمكن أن يتناسب بشكلٍ مثاليٍّ مع بيانات التجربة أيًا من الألغاز التي دفعت الفيزيائيين إلى تكوين النظرية حول مثل هذه الجسيمات في المقام الأول، وإذا كانت ثقيلةً بما فيه الكفاية، فيمكن للنيوترونات العقيمة أن تقوم مقام المادة المظلمة Dark Matter غير المرئية التي تحيط بالمجرات من كلّ جانبٍ على ما يبدو، وسوف تشرح لماذا نيوترينات الإلكترون والميون والتاو خفيفة الوزن جدًا، من خلال خدعة رياضية تُدعى آلية .Seesaw ولكن بأقل من 1ev، يفتقر النيوترينو العقيم المصغر ميني بون إلى الثقل لهذه الأغراض الأخرى.
 
وقال ماثيو باكلي Matthew Buckley عالم فيزياء الجسيمات في جامعة روتغرز: "لن يكون لدينا أي سبب لتوقع نيوترينو عقيم ذي1eV . ليس هذا الذي قد أوقف الكون من إضافة جسيمات جديدة في الماضي".
 
وقد أدى هذا الارتباك للحد من تفاؤل العديد من الخبراء والشك في أنّ كل من التجربة وكاشف LSND قد وقعوا فريسةً لخطأ غير معروف. وتُجادل فريا بليكمان Freya Blekman الفيزيائية بالجامعة الحرة في بروكسل Free University of Brussels بأن هذه التجارب ربما قد استهانت بشكلٍ منهجيٍّ بالمعدل الذي تضمحل فيه جسيماتٌ تُسمى البايونات المتعادلة Neutral Pions داخل خزان زيت التجربة، وهي أحداث تحاكي الإشارة التي تنبعث من النيوترينات الإلكترونية.
 
وقال نيل وينر Neal Weiner الفيزيائي النظري بجامعة نيويورك: "من الواضح أن هناك شيئًا يجب أن نفهمه، وبالتأكيد آمل أن يكون نيوترينو رابع. ومع ذلك، سيكون هذا أول جسيم مكتشف خارج النموذج القياسي، لذا فإن عتبة الدليل عالية جدًا"، وقال في الوقت الحالي: "إنني أتبع أسلوب الانتظار والترقب قليلًا".
 
وستأتي إجابةٌ أكثر تحديدًا مع تجاربَ مستقبلية، بما في ذلك تجربة تُسمى أيزودار IsoDAR اقترحتها كونراد والعديد من زملائها، إذ بدلًا من قيام التجربة على حساب عدد النيوترينات من نكهة معينة في نهاية شعاع، ستقوم بالتقاط اهتزازات النيوترينات أثناء تنقلها ذهابًا وإيابًا بين الأنواع المختلفة، مما يعطي صورةً كاملة للتذبذبات.
 
وقالت كونراد: "لست مستعدة للمراهنة بعد، لأن الزيادة كفقاعةٍ صغيرة. ماذا لو كان هناك شيء آخر يمكنه أن يصنع تلك الفقاعة؟ لكي أكون مقتنعة حقًا، عليّ أن أرى هذا التذبذب المتوقع بدلالة كبيرة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.
  • الالكترون (Electron): جسيم مشحون سلبياً، ويُوجد بشكلٍ عام ضمن الطبقات الخارجية للذرات. تبلغ كتلة الالكترون نسبة تصل إلى حوالي 0.0005 من كتلة البروتون.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات