مسرعات جسيمات أصغر وأرخص؟

 في العادة، تعتمد مسرعات الجسيمات (particle accelerators) على الحقول الكهربائية الناتجة عن الأمواج الراديوية لدفع الإلكترونات والجسيمات الأخرى إلى سرعات قريبة من سرعة الضوء. لكن تمتلك تلك الآلات ذات التردد الراديوي حداً أعظمياً للحقل الكهربائي قبل أن تبدأ جُدران المسّرع بالتحطم، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم عملها بشكلٍ سليم فيقود إلى تدمير الآلة.


مع ذلك وفي السنوات الأخيرة، اكتشف علماء يعملون في الحقل التجريبي الخاص بما يُعرف بحقول البلازما الأثرية (plasma wakefields)، أن تسريع الإلكترونات على أمواج البلازما أو الغاز المؤين ليس أكثر فعالية فقط، وإنما يسمح باستخدام حقل كهربائي أقوى بألف مرة من تلك الموجودة في المسرعات التقليدية.


والأكثر أهمية من ذلك، هو أن تلك التقنية التي تربح فيها الإلكترونات الطاقة عبر ركوب موجة من الإلكترونات داخل الغاز المؤين، يُمكن استخدامها في الجيل الجديد من مسّرعات الجسيمات الأصغر والأقل كلفة أيضاً.

يقول وارين موري Warren Mori، بروفيسور الفيزياء وعلم الفلك والهندسة الكهربائية في جامعة كاليفورنيا، بلوس أنجلوس (UCLA): ''التطبيق المستقبلي الأكبر لهذه التكنولوجيا هو مصادم يعمل في مجال الفيزياء عالية الطاقة. في العادة، يُكلف الأمر عشرات المليارات من الدولارات لبنائه. ويكمن التحفيز هذه المرة في محاولة تطوير تقنية تسمح بتخفيض حجم وكلفة المصادم التالي".


تعتقد مؤسسة العلوم الوطنية NSF، التي موّلت العالِم والمتعاونين معه، أن الجيل التالي من المسّرعات الأصغر والأرخص، قد يُعزز من قيمتها ويوسع استخدامها في مجال الطب، والأمن الوطني، وعلم المواد، والصناعة، وأبحاث الفيزياء عالية الطاقة.


يقول موري: "تُستخدم المسّرعات أيضاً كمصادر للإشعاع. وعندما يهتز جُسيم ما، فإنها تولد أشعة سينية، وبالتالي يُمكنك استخدام المسّرعات الأصغر للحصول على مصادر إشعاعية أصغر لسَبر حاوية ما، ومعرفة فيما إذا كانت تحتوي على مواد نووية داخلها، أو لسَبر وقياس عينات بيولوجية".


ويُضيف: "اليوم، تُستخدم الاندفاعات القصيرة من الأشعة السينية في مراقبة تشكُل الروابط الكيميائية، ودراسة البنية الداخلية للبروتينات، والفيروسات".


ويتابع موري قائلاً: "الهدف المستقبلي لفيزياء الطاقة العالية، هو فهم الجسيمات الأساسية للمادة. وللاستمرار في هذا الحقل، نحتاج إلى أدوات الاكتشاف الكبيرة، والغالية والمعقدة".

دعمت NSF الأبحاث الأساسية عبر سلسلة من المِنح في السنوات الأخيرة، ووصلت تلك المِنح إلى أربعة مليون دولار، وشمل التمويل المصادر الحسابية. قدّمت وزارة الطاقة دعماً للمنشآت التجريبية والتجارب، وساهمت في النظرية والدعم الخاص بعمليات المحاكاة.

يقول ڨياتشيسلاف لوكين Vyacheslav Lukin، مدير البرنامج من قسم الفيزياء في NSF: ''يُمثل عمل موري مثالاً مثالياً عن نهج إبداعي لتطوير حدود العلم والتكنولوجيا عندما يتعلق الأمر بالفهم العميق للقوانين الأساسية للطبيعة، وللسلوك الجماعي للجسيمات المشحونة التي ندعوها بلازما، وكل ذلك بوجود خوارزميات رقمية متطورة وأدوات محاكاة حديثة".


باستخدام مختبر المسرع الوطني SLAC التابع لوزارة الطاقة، زاد علماء SLAC وUCLA طاقة عناقيد الإلكترونات إلى طاقة تتراوح بين 400 و500 مرة، أكبر مقارنةً مع ما أمكن الوصول إليه عند التحرك لنفس المسافة في المسرع التقليدي. ومن المهم أيضاً، أن انتقال الطاقة كان أكثر فعالية بكثير مقارنةً مع التجارب الأولية، وبالتالي كانت أول مرة يحصل فيها الجمع بين الطاقة والفعالية باستخدام حقول البلازما الأثرية.

في التجارب، أرسل العلماء زوج من حِزم الإلكترونات تحتوي بين 5 و6 مليار إلكترون داخل كل عمود ليزري تمَّ توليده داخل فرن مكون من غاز الليثيوم الساخن. كانت الحِزمة الأولى في الزوج هي الحزمة القائدة، وقامت بتحرير كل الإلكترونات الحرة من ذرات الليثيوم، تاركةً بذلك نوى الليثيوم المشحونة إيجابياً على هيئة تشكيل يُعرف بنظام اندفاعي (blowout regime). بعد ذلك سقطت الإلكترونات المُحررة من النوى داخل الحزمة الإلكترونية الثانية، المعروفة بالحزمة الذيلية لتُشكل بذلك آثار البلازما، التي دفعت طاقة الإلكترونات الذيلية إلى مستويات أعلى.

في الوقت الذي برهنت فيه التجارب الأولية على قدرة الحصول على تسريع عالي الحقل في آثار البلازما، كان فريق (SLAC / UCLA) أول من برهن وبشكلٍ متزامن على وجود حقول تسريع مرتفع وعالي الفعالية، باستخدام تجمُعٍ من الحزمة القائدة والذيلية الموجودة في نظام الاندفاع. وأكثر من ذلك، انتهى المطاف بالإلكترونات المُسرَعة بانتشار صغير نسبياً للطاقة.
يقول موري: "لأنها بلازما، لن يكون هناك حد انكسار للحقل، فالوسط بحد ذاته مُؤين بشكلٍ كامل، ولذلك ليس عليك القلق حول التحطم. وبالتالي يُمكن دفع الحقل الكهربائي الموجود في جهاز البلازما نحو سِعات أضخم بآلاف المرات من تلك الموجودة في المسرعات التقليدية".


يقول موري: "هدف هذا البحث قريب المدى، هو إنتاج مسّرعات مدمجة لاستخدامها في الجامعات والمصانع، في حين يتمثل الهدف بعيد المدى، في تطوير مصادم عالي الطاقة ويعمل عند أقصى الحدود الطاقية في فيزياء الجسيمات".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات