إلكترونيات درجات الحرارة المرتفعة جداً

تدعو الكثير من المصانع إلى وجود إلكترونيات يُمكنها العمل في البيئات المتطرفة، بما في ذلك درجات الحرارة التي تتجاوز 200 درجة سيلسيوس. وتتضمن الأمثلة على التطبيقات ذات درجة الحرارة المرتفعة التحكم بالمحركات التوربينية في مجال الطيران الفضائي وبالالكترونيات، أو الحساسات المستخدمة في عمليات الحفر في مصانع النفط والغاز.


على الرغم من أن أنظمة التبريد التقليدية يُمكنها مساعدة الالكترونيات في العمل عند درجات الحرارة المرتفعة، إلا أنه في بعض التطبيقات، قد يُصبح التبريد مستحيلاً، أو أنه قد يكون من المناسب أكثر للالكترونيات أن تعمل عند درجات حرارة مرتفعة من أجل تحسين دقة النظام، أو تخفيض التكاليف. وعلى أية حال، فإن الترنزستورات والدارات المتاحة من أجل العمل عند درجات الحرارة المرتفعة لاتزال محدودة جداً.

 

اكتشف فريق من الباحثين، من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد ومعهد رنسيلار للبوليتكنيك، أن ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم (MoS2) –وهو مادة نصف ناقلة– قد يكون مرشحاً واعداً في مجال صناعة الترانزستورات الرقيقة، التي تعمل عند درجات حرارة مرتفعة.

في ورقة علمية نُشرت هذا الأسبوع في مجلة Applied Physics، وصف الباحثون عملية تصنيع الترنزستورات الرقيقة لثنائي كبريتيد المولبيدنيوم، وأدائها الوظيفي عند درجات الحرارة المرتفعة. وهو أمر برهن على القدرة الكامنة للمادة عند درجات الحرارة المرتفعة.

 

يقول الكسندر بالاندين (Alexander Balandin)، قائد الفريق والبروفسور في قسم هندسة الحاسوب والكهرباء في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد: "تُوضح دراستنا أن ترانزستورات ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم الرقيقة تبقى عاملة عند درجات الحرارة المرتفعة، التي تصل إلى 500 كلفن (220 سيلسيوس). برهنت الترانزستورات أيضاً على قدرتها على العمل بشكلٍ مستقر رغم وصولها إلى عمر الشهرين، مما يقترح إمكانية استخدام ترانزستورات ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم من أجل العمل مع إلكترونيات درجات الحرارة المرتفعة والحساسات أيضاً".

 

المليبدونايت (Molybdenite)، أو معدن ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم، متوفر بكثرة وهو مادة طبيعية، وتُستخدم بشكلٍ شائع كإضافة إلى زيوت التشحيم. ووُجد أن ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم، المُركب جراء الترسب الكيميائي البخاري، عبارة عن مادة واعدة في تصنيع ترانزستورات مرنة ورقيقة –الأجهزة التي تتحكم بحركة الالكترونات والتيار الكهربائي وهي مشابهة لصنابير المياه.

 

ووفقا لبالاندين، فإن المولبيدنيوم ينتمي إلى عائلة تُعرف بمواد فاندر فالس، التي يُميزها وجود بنية بلورية طبقية، وترتبط هذه الطبقات الذرية بشكلٍ ضعيف مع بعضها البعض (يُشار إلى هذا النوع من الترابط بتفاعلات فاندر فالس، ومن هنا جاء اسم العائلة).

تؤدي الروابط الضعيفة الموجودة بين الصفائح الذرية إلى تقشير هذه المواد طبقة بعد أخرى، والأمر مشابه للعملية المستخدمة في استخلاص الغرافين عبر تقشير طبقة رقيقة من تكتلات الغرافيت. وتقترح البنية الطبقية أن الطبقات عالية الجودة والرقيقة يُمكنها أيضاً إنتاج ترسيب بخاري كيميائي صالح للاستخدام الصناعي.

 

يقول بالاندين: "على الرغم من أن هذه الأجهزة، المصنوعة من أنصاف نواقل تقليدية وكبيرة الفجوات مثل كربيد السيليكون ونتريد الغاليوم، واعدة جداً بالنسبة للعمل عند درجات الحرارة المرتفعة، إلا أنها لا تزال مرتفعة التكاليف بالنسبة للتطبيقات كبيرة الحجم. ويُقدم ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم أحادي الطبقة فجوة نطاق تصل إلى 1.9 الكترون-فولط، وهي أكبر مما هو موجود في السيليكون وزرنيخ الغاليوم. هذا الأمر مفيد من أجل التطبيق المقترح لها".

إن وجود فجوة نطاق أكبر يعني أنه بإمكان الجهاز العمل والتوقف بسهولة، الأمر الذي يُعتبر جوهريا بالنسبة لعمليات الترانزستورات.

 

  • مادة "ساخنة" جديدة
جذب ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم مؤخراً الكثير من الاهتمام في مجال تطبيقات الأجهزة، لكن فريق بالاندين كان أول من درس القدرة الكامنة لدى هذه المادة في تطبيقات الإلكترونيات ذات درجات الحرارة المرتفعة.

وباستخدام تقنيات الطباعة القياسية في بيئة غرفة نظيفة، قام الفريق ببناء ترانزستورات ثنائي كبرتيد المولبيدنيوم فوق دعائم سيليكونية لاستخدامها في التجارب مرتفعة درجة الحرارة، وامتلك بعضها بضع طبقات (بين 1 و3)، وبعضها الآخر امتلك أكثر من ذلك وكان عديد الطبقات (15-18). كانت الأفلام الرقيقة نسبياً أكثر استقراراً من الناحية الحرارية، وبرهنت على حركية أعلى عند درجات الحرارة الأعلى وفقاً لبالاندين.

 

تمكن الباحثون من دراسة مميزات التيار-فرق الجهد، أو الأداء الوظيفي للترانزستور المصنع عند درجات حرارة تتراوح بين 300 و500 كلفن، والفضل في ذلك يعود إلى استخدام القياس المباشر للتيار، وهي تقنية تُطبق فرق جهد ثابت، او تيار ثابت على طول الجهاز وعلى امتداد فترة طويلة نسبياً. ووجد الفريق أن الجهاز يتصرف بشكلٍ مختلف، لكنه ظلَّ فعالاً وظيفياً أثناء زيادة درجة الحرارة.

 

يقول بالاندين: "تناقص كل من الحركية وكمون العتبة مع زيادة درجة الحرارة. وينتج عن تناقص الحركية تناقصاً في التيار، الذي يجري في قنوات الجهاز، في حين يقود تناقص كمون العتبة إلى زيادة في التيار. ونتيجة لذلك، فإن السلوك الدقيق للتيار مع زيادة درجة الحرارة سيعتمد على التفاعل بين تناقص الحركية وتناقص كمون العتبة".

رصد الفريق خاصية مميزة أخرى، وهي قمة حادة مميزة في مخطط الكمون-التيار عند فرق جهد صفر ودرجة حرارة أعلى من 450 كلفن. "مفعول الذاكرة" هذا مشابه لذلك المرصود في ترانزستورات الغرافين، والزجاج الالكتروني، ويقترح وجود قدرة كامنة لاستخدام هذه المادة كحساسات عند درجة حرارة مرتفعة.

 

ووفقاً لبالاندين، يتطلب التطبيق العملي لثنائي كبريتيد المولبيدنيوم في الترانزستورات والتحكم بالدارات، أو الحساسات، فترة عمل أطول من شهر واحد. وبعد دراسة الفريق الممتدة على شهرين، برهنت الأجهزة المعمرة على استقرار عملها، وتميزت بوجود كمون عتبة مرتفع، وحركية أقل، واعتماد أضعف للحركية على درجة الحرارة. وتتمثل الخطوة التالية للفريق في دراسة التبعية لدرجة الحرارة لترانزستورات ودارات ثنائي كبريتيد المولبيدنيوم، المُنتج بطرق صناعية مثل الترسيب البخاري الكيميائي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات