ما هو التأثير المغناطيسي للشمس على الأشعة الكونية؟

فوياجر١: ذهبت مع الرياح الشمسية [1]


باستخدام البيانات التي صدرت مؤخراً من مهمة القمر الصناعي Voyager I، طور الباحثون في الولايات المتحدة الأمريكية صيغةٍ جديدةٍ ودقيقةٍ تصف تأثير الشمس على الأشعة الكونية، تتم دراسة الأشعة الكونية -وهي جسيمات ذات طاقة عالية جدا،ً تنشأ خارج النظام الشمسي وتنتقل بسرعةٍ تقارب سرعة الضوء- عن طريق عدد من التجارب، وذلك لأنها تسلط الضوء على واحدةٍ من أكثر الظواهر الكونية عنفاً، ويأمل الباحثون في أن تساعد صيغتهم هذه في تطوير تحليل بيانات الأشعة الكونية، من خلال التنبؤ بالطريقة التي تتأثر فيها هذه الجسيمات بالرياح الشمسية.

اكتُشفت الأشعة الكونية لأول مرة في عام 1912، من قبل الفيزيائي فيكتور هيس Victor Hess، خلال رحلة جريئة في منطاد هوائي، وهي أشعةٌ تقوم بضرب الغلاف الجوي للأرض بشكل دائم منتجة بذلك زخاتٍ من الجسيمات الثانوية التي تصل أحياناً إلى سطح الأرض، وتتكون الأشعة الكونية من بروتونات عالية الطاقة ونوى ذرية لم يُعرف منشؤها حتى الآن، مع أن البيانات التجريبية الأخيرة للتلسكوب الفضائي فيرمي Fermi، تُظهر أن الكثير منها نشأت من انفجارات المستعرات العظمى (supernovae)، في حين نشأ بعضها الآخر من الكوازارات (شبيهة بالنجوم) quasars.


أكثر ملاحظاتنا للأشعة الكونية تتم داخل الغلاف الجوي للشمس، وهو عبارة عن فقاعة مغناطيسية كبيرة تمتد إلى ما وراء مدار بلوتو، وتحتوي المجموعة الشمسية.

حقل الطاقة الشمسية


عندما تم تطوير فكرة "الرياح الشمسية" في أوائل الستينيات، أدرك الباحثون أن الأشعة الكونية ستكون محتواة في حقل طاقة منغاطيسي في الرياح، فقاموا بتطوير بعض النماذج لحساب هذا التأثير، يعرف أحد تلك النماذج باسم مقاربة القوة-الحقل "force-field approximation"، ويأخذ بعين الاعتبار الطاقة المرصودة للأشعة الكونية عند وصولها إلى الأرض، وطاقة الأشعة الكونية المحاطة بالنجوم (الوسط بين النجمي ISM)، وهو المادة الموجودة بين أنظمة النجوم في المجرة، وبالتالي خارج الغلاف الشمسي.

مع أن مقاربة القوة-الحقل force-field approximation، قد استخدمت على نطاقٍ واسعٍ عام 1968، إلا أنها تحتوي على نقاط ضعف كثيرة، وعيبها الأكثر وضوحاً هو أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الترابط القوي بين التشكيل الشمسي والنشاط الشمسي المتغير.


في الواقع، التشكيل يكون ذو شحنة ذاتية ويختلف مع مرور الوقت على مقياسٍ يتراوح بين أشهر وسنوات، وهو أمرٌ لم تأخذه المقاربة في الحسبان.

إنّ فهم الآثار المترتبة على التشكيل الشمسي هو واحدٌ من الأهداف العلمية لكل من تجربة باميلا (PAMELA)، وهي اختصار استكشاف المادة المضادة/المادة والفيزياء الفلكية للنوى والضوء (Payload for Antimatter/Matter Exploration and Light-nuclei Astrophysics)، ومطياف ألفا المغناطيسي (Alpha Magnetic Spectrometer) أو اختصاراً AMS، اللذيْن يدرسان الأشعة الكونية في الفضاء.

 

بفضل القياسات التفصيلية والمستمرة للأشعة الكونية التي أنجزت في هاتين التجربتين، يستطيع الباحثون الآن رؤية كيف يتغير طيف الأشعة الكونية خلال وقتٍ قصيرٍ نسبياً وبدقة إحصائية عالية، كما أن البيانات التي صدرت مؤخراً من المركبة الفضائية فوياجر1 Voyager 1، والتي من المرجح أنها غادرت النظام الشمسي وباتت خارج الغلاف الشمسي، زودت العلماء بالقياسات الأولى للأشعة الكونية التي لا تتأثر بالرياح الشمسية في الوسط بين النجمي ISM.

 


علم التشكل المغناطيسي


وبفضل هذه التطورات قام إلياس تشوليس Ilias Cholis من جامعة جون هوبكنز في بلتيمور، بالتعاون مع زملائه في مختبر فيرمي الوطني للمسرعات Fermi National Accelerator Laboratory وجامعة شيكاغو، ببناء نموذج مقاربة القوة-الحقل، بالإضافة إلى عمليات المحاكاة التي أجرتها مجموعاتٌ أخرى في العقد الماضي لتحسين صيغة التشكيل.

يوضح تشوليس Cholis أن الافتراضات المبسطة للمقاربة تتحدى نتائج التجارب الحديثة، حيث قال: "نحن الآن على ثقة أن الجسيمات التي تحمل شحناتٍ مختلفةً تتأثر بشكل مختلف حسب الحقل المتضمن في الرياح الشمسية"، موضحاً أن صيغتهم الجديدة تأخذ بعين الاعتبار الظاهرة الفيزيائية المجهولة سابقاً ضمن الرياح، ويضيف: "إن تشكل المجال المغناطيسي داخل الغلاف الشمسي هو جانبٌ مهمٌ من جوانب المشكلة، كالطاقة الناتجة عن جسيمات الأشعة الكونية، والوقت الذي تستغرقه لتنتشر من الوسط النجمي باتجاه الأرض، حيث نلاحظ الأشعة الكونية".

هذا وقد حلل الفريق بيانات الأشعة الكونية التي تم الحصول عليها من تجارب البالون من قبيل AMS-02 و PAMELA و Voyager 1، خلال أكثر من 24 عاماً، وأخذ الباحثون بعين الاعتبار بيانات الرياح الشمسية التي حصلوا عليها من العقدين الأخيرين، والتي توضح زمان الحقل المغناطيسي المتضمن، وهذا الشيء لم يتم إنجازه من قبل.

التغيرات الموسمية


صرح تشوليس Cholis لموقع physicsworld.com، أن صيغتهم النهائية للحسابات المحتملة تفسر حقيقة أن الأشعة الكونية ذات الشحنات والطاقة المختلفة، تختبر حقولاً مغناطيسية متغيرة مع الزمن ضمن الرياح الشمسية، وقال: "بما أننا نرصد دوماً خصائص الرياح الشمسية، سنتمكن لاحقاً من معرفة -مع وجود بعض الشكوك وبغض النظر عن الوقت- ما هي إمكانات التشكيل الشمسي بالنسبة لبعض الجسيمات التي تمتلك طاقةً وشحنةً معينتين"، ويضيف: "خلال العقد المقبل سيقوم AMS-02 بجمع المزيد من البيانات، مما سيساعد على بحث الشكوك المتبقية والتخلص منها".

إن أحد أهم أسباب القيام بالتجربة AMS-02، هو الكشف عن الأشعة الكونية المضادة للمادة، والتي يُعتقد أنها تنتج عن طريق اجتياح جسيمات المادة الداكنة للأرض، ويأمل تشوليس Cholis وزملاؤه أن تساعد صيغتهم باحثي AMS على الحد من الشكوك المنهجية التي تظهر في القياسات.

 

ملاحظات


[1] عنوان الرواية الشهيرة "ذهب مع الرياح"

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المضادة (antimatter): تتميز المادة المضادة عن المادة بامتلاكها لشحنة معاكسة، فمثلاً: يمتلك البوزيترون (الالكترون المضاد) شحنة معاكسة للالكترون ويُماثله فيما تبقى. وكان العالم بول ديراك أول من اقترح وجودها في العام 1928 وحصل جراء ذلك على جائزة نوبر للفيزياء في العام 1933، أما الفيزيائي الأمريكي كارل اندرسون فكان أول من اكتشف البوزيترون في العام 1932 وحصل على جائزة نوبل في العام 1936 عن ذلك الاكتشاف. يُمكن رصد البوزيترون في تفكك بيتا لنظير الأكسجين 18O2. لكن في وقتٍ سابق لاندرسون، رصد العالم السوفيتي (Dimitri Skobeltsyn) وجود جسيمات لها كتلة الكترونات ولكن تنحرف في اتجاه معاكس لها بوجود حقل مغناطيسي أثناء عبور الأشعة الكونية في حجرة ويلسن الضبابية وحصل ذلك في العام 1929، وقام طالب معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا شونغ شاو برصد الظاهرة نفسها في نفس العام، لكنهما تجاهلا الأمر، اما اندرسون فلم يفعل ذلك. تعمل تجربة ALPHA التابعة لمنظمة الأبحاث النووية الأوروبية على احتجاز ذرات الهيدروجين المضاد وهي ذرة المادة المضادة الأبسط. المصدر: ناسا وسيرن والجمعية الفيزيائية الأمريكية.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • الكوازارات أو أشباه النجوم (quasars): هي عبارة عن مجرات لامعة جداً وبعيدة جداً، ويُعتقد ان لمعانها ناجم عن قيام ثقب أسود فائق الكتلة وموجود في مركزها بابتلاع المادة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات