الاحترار العالمي يأتي بموجة حر جهنمية إلى الشرق الأوسط

رجل يسكب الماء على جسده بينما يقوم بغسل حصان من أجل تهدئته كجزء من الإجراءات المتخذة لتخفيف وطأة موجة الحر في مضمار الخيول في بيروت.
حقوق الصورة: لبنان/ وكالة رويترز/ محمد الزاكر Mohamed Azakir



الاحترار العالمي يأتي بموجة حر جهنمية إلى الشرق الأوسط وهي في طريقها لتجتاح العالم، الطقس القاسي يلقي الضوء على ما سيأتي والقادم أسوأ بكثير

في الوقت الذي يحذّر فيه خبراء من المناخ القاسي الذي ينذر بما هو أسوأ، تعصف درجات الحرارة المحطمة للأرقام القياسية هذا الصيف ببلدان كثيرة بدءاً بالمغرب العربي وانتهاءً بالسعودية وما بعدها.

هذا ويتنبأ علماء المناخ ومسؤولون في الأمم المتحدة بأن الكثافة السكانية المتزايدة في المنطقة ستواجه في غضون العقود المقبلة شحاً شديداً في المياه، ودرجات حرارة مرتفعة جداً بنحو يهدد بقاء البشر إضافةً إلى منعكسات أخرى ناجمة عن الاحترار العالمي.

ويصرِّح عادل عبد اللطيف، وهو مستشار رفيع المستوى في المكتب الإقليمي للبرنامج التنموي للدول العربية التابع لهيئة الأمم المتحدة وقد عمل على دراسات حول تأثير تغير المناخ على المنطقة، قائلاً: "إن حدث ذلك فمن المرجّح حصول نزاعات وأزمات لجوء أعظم بكثير من تلك القائمة حالياً. يظهر هذا الجو غير المعقول أن التغير المناخي قد بدأ يترك آثاره وهو -إلى الآن- أحد أكبر التحديات التي تواجهها هذه المنطقة على الإطلاق".

لقد واجهت هذه الدول خلال السنوات القليلة الماضية فصول صيف حارة بشكل استثنائي، ولكن كانت هذه السنة على وجه الخصوص قاسية جداً.


اختبرت أجزاء من دولتي الإمارات العربية المتحدة وإيران مؤشراً حرارياً –وهو وحدة قياس تتعلق بالرطوبة والحرارة على حد سواء- قارب 140 درجة في يوليو/تموز، في حين سجلت مدينة جدة في السعودية حرارة مرتفعة لم يسبق لها مثيل بلغت قرابة 126 درجة. أما مناخ جنوب المغرب المعتدل نسبياً فقد تغير فجأةً الشهر الماضي إذ حلّقت درجات الحرارة لتصل ارتفاعات تراوحت بين 109 و 116 درجة، وفي شهر مايو/أيار الماضي أدت درجات الحرارة المرتفعة جداً في "إسرائيل" إلى ازدياد في معدل الإصابة بالأمراض المتعلقة بدرجات الحرارة المرتفعة.

أما في الكويت والعراق فقد أذهلت درجات الحرارة المراقبين، ففي الثاني والعشرين من يوليو/تموز الماضي بلغ المؤشر الزئبقي 129 درجة في مدينة البصرة جنوبي العراق. وفي اليوم الذي سبقه وصل المؤشر للدرجة 129.2 في مطربة في الكويت، وإذا ما أكدت منظمة الأرصاد الجوية العالمية هاتين الدرجتين، فإنهما ستكونان أعلى درجتين مسجلتين على الإطلاق في نصف الكرة الشرقي.

لم تنتهِ الأخبار السيئة بعد، إذ إنه من المتوقع أن تستمر موجة الحرّ في العراق هذا الأسبوع.


وتقول زينب جومان البالغة من العمر 26 سنة وهي طالبة جامعية تقطن في البصرة: "يشبه الخروج من المنزل المشي وسط النار، وكأن كل جزء من جسدك، الوجه، والعيون، والأنف، يبدأ بالاحتراق". 


ونادراً ما غادرت زينب المنزل خلال ساعات النهار منذ شهر يونيو/حزيران، وذلك عندما بدأت درجات الحرارة بالارتفاع فوق 120 درجة، وتحولت الأشياء المعدنية في الخارج إلى مصادر خطر تلفح بالحرارة.

الكويت تتصبب عرقاً بسبب ما قد تكون أعلى درجات مسجلة للحرارة
الكويت تتصبب عرقاً بسبب ما قد تكون أعلى درجات مسجلة للحرارة


اقرأ المزيد عن هذا الموضوع: الكويت تتصبب عرقاً بسبب ما قد تكون أعلى درجات مسجلة للحرارة

وفي ذلك الوقت تقريباً بدأ أيمن كريم بالشعور بأنه محبوس. قال كريم البالغ من العمر 28 عاماً وهو مهندس في شركة نفطية حكومية في البصرة أنه طُلِب من العمال البقاء في منازلهم لأيام عدة الشهر الماضي، فيما يمتنع هو وعائلته عن الخروج من المنزل قبل السابعة مساءً، يضيف كريم: "نحن حبيسو المنزل".

ويقول باسم أنطوان، وهو خبير اقتصادي عراقي، إن حالة الجو سبّبت تدهوراً كبيراً في اقتصاد البلد. كما يقدّر أنّ الناتج المحلي الإجمالي في العراق -الذي يقدر بنحو 230 مليار دولار سنوياً- قد تراجع بما يقارب 10% إلى 20% خلال موجة الحر هذا الصيف.

ووفقاً لمسؤولين عراقيين فإنَّ عشرات المزارعين عبر البلاد يعانون من ذبول محاصيلهم، فضلاً عن تناقص الإنتاجية العامة للقوى العاملة. وفي الوقت ذاته شهدت المشافي زيادة في أعداد المرضى الذين يعانون من الجفاف والإنهاك الناجم عن الحرارة.

فيما كابد عشرات الآلاف من النازحين جراء المعارك التي تدور رحاها بين القوات الحكومية ومسلحي 'الدولة الإسلامية' الحرارة الشديدة في الخيام والملاجئ المؤقتة. وقد عجزت المنظمات الإنسانية عن الوصول إليهم لأسباب تتعلق بميزانيتها المحدودة، والقيود التي تفرضها الحكومة العراقية، إضافةً إلى المخاطر المرافقة للعمل في المناطق الحرب.

وقال أحد المسؤولين التابع لمنظمة إغاثية رفض الإفصاح عن هويته كونه غير مصرّح له مناقشة المسألة بشكل علني: "إنَّ عدداً كبيراً من هؤلاء الناس مهدّدون بالموت ولكن معرفة ذلك غير ممكنة".

وفي العاصمة بغداد وصلت درجة الحرارة المسجلة في المطار الدولي إلى 109 درجة أو أعلى وذلك بشكل يومي منذ 19 يونيو/حزيران، وقد كانت حرارة المدينة أعلى بمقدار 10 أو حتى 20 درجة من معدلها الطبيعي لهذا الوقت من السنة.

وقد أعلنت الحكومة العراقية عن عدة عطل رسمية إلزامية بسبب الحرارة المرتفعة، ومع ذلك فقد واصل العديد من الموظفين الحكوميين العمل نظراً لتوفر أجهزة التكييف في مراكز العمل الحكومية.

تعاني معظم المنازل وأماكن العمل في العراق من انقطاع التيار الكهربائي لمدة 12 ساعة أو أكثر يومياً. كما إن معظم العراقيين وعلى خلاف جيرانهم الأغنياء في الكويت والسعودية، لا يمكنهم تحمل التكاليف العالية لتشغيل أجهزة التكييف 24 ساعة يومياً، فهذا النوع من الرفاهية يقتضي دفع أجور باهظة للمولدات التي تعمل على الغاز.

وخلال ساعات النهار تخلو شوارع بغداد من الناس في حين تبقى بعض أماكن العمل مفتوحة، ويقول عيسى محسن صاحب محل لبيع الفواكه في الكرادة وسط بغداد: "إما أن نكدح ونتعرق في العمل أو نتضور جوعاً في المنزل".


وقال في مقابلة معه في المحل: "انظر إلى هناك! إنها وحدة تكييف، لكن لا طاقة لي لدفع تكاليف مولد من أجل تشغيلها".

ويقول محمد عبد اللطيف الناطق باسم دائرة الأرصاد الجوية في العراق إنَّ السبّب المباشر وراء كل الظروف الجوية السيئة هو منظومة ضغط جوي مزمن، لكن يبدو أن تغيراً جذرياً يحدث الآن في النماذج الطقسية للبلاد، ففي بغداد تضاعف عدد الأيام التي بلغ فيها مؤشر الحرارة 118 درجة أو أكثر في السنوات الأخيرة.


كما يضيف: "إذا ما عدنا بالزمن 40 سنة إلى الوراء سنجد أن درجات حرارة مرتفعة كهذه كانت تحصل لأربعة أو خمسة أيام، لكن في حينها كانت الرياح التي تنشر الغبار تسهم في تخفيف وطأتها إلا أن هذا الأمر لا يحدث حالياً".

ويقول علماء المناخ إن هذا الأمر لا يجب أن يكون مفاجئاً، إذ تنبأت دراسة نشرتها صحيفة "التغير المناخي للطبيعة Nature Climate Change" في أكتوبر/تشرين الأول بأن موجات الحر في أنحاء الخليج العربي يمكن أن تهدد بقاء الإنسان نهاية القرن الحالي. كما تنبأ باحثون في معهد ماكس بلانك للكيمياء ومعهد قبرص في نيقوسيا مؤخراً بمصير قاتم ينتظر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهما تشغلان مساحة واسعة تحتضن نحو نصف مليار نسمة.

وتقول فرانسيسكا دو شاتيل Francesca de Chatel، وهي خبيرة من مركز في أمستردام تعنى بمسائل المياه في الشرق الأوسط: "إن حكومات المنطقة ليست جاهزة بشكل عام للتعامل مع عواقب التزايد السكاني والتقلبات المناخية. فشلت هذه الحكومات على مدار سنوات في معالجة هذه المشكلات بشكل مناسب رغم التحذيرات التي أطلقها خبراء مناخ ووكالات الأمم المتحدة وربما يكون قد فات الأوان الآن".

تتنبأ الأمم المتحدة بأن مجموع السكان ضمن 22 بلد عربي سيزداد من 400 مليون نسمة ليبلغ 600 مليون نسمة عام 2050. الأمر الذي سيفرض ضغطاً هائلاً على البلدان حيث يتوقع علماء مناخ معدل هطل مطري أقل ومياه جوفية أكثر ملوحة بسبب ارتفاع منسوب المياه في البحار. وتواجه معظم بلدان المنطقة أزمات نقص مياه حادة بسبب المناخ الجاف، والاستهلاك المتزايد، والممارسات الزراعية المبدِّدة للمياه.

ويشير محلِّلون إلى عجز الحكومة في التعامل المناسب مع قحطٍ غير مسبوق في سورية كدافع للحرب الأهلية المدمّرة في البلاد. وهو الأمر الذي نتج عنه تدفق غير مسبوق للاجئين الذين اكتسحوا أوروبا.

وفي العام الماضي احتشد العراقيون في بغداد مستنكرين عجز الحكومة عن تزويدهم بكهرباء تكفي لمواجهة موجة الحر الحارقة في ذلك الصيف. إلا إن تلك الاحتجاجات لم تأتِ بأي نتيجة. ووفقاً لبعض التقديرات فإنَّ التعداد السكاني البالغ نحو 33 مليون نسمة في العراق سيقفز إلى نحو الضعف في عام 2050.
وتقول دو شاتيل: "بلدان هذه المنطقة ليست جاهزة للتكيّف مع آثار التغير المناخي".

لا يبدو أن مستقبلاً حارقاً كهذا هو احتمال مستبعد بالنسبة لأركان فرحان البالغ من العمر 33 عاماً والذي يعيش مع عائلته في كوخٍ من الصفيح قرب بغداد ضمن مخيم للمهجَّرين بسبب تنظيم "الدولة الإسلامية".


وقال بأنه أصيب في الشهر الفائت بالتيفوئيد بسبب مصدر مشاع للمياه والذي أصبح شديد الازدحام وملوثاً هذا الصيف بشكل خاص، ولتخفيف وطأة الحر يستخدم أبناؤه هذه المياه للاستحمام، وفي هذا الشهر نقل والده الذي يدعى جاسم ويبلغ من العمر 69 عاماً إلى المشفى بعد أن فقد وعيه بسبب الحر.


وقال فرحان وهو يجلس في خيمته التي تتصبّب عرقاً: "من حسن الحظ أن جسده قد تعرّض لبعض الرضوض فقط ولم تتعرض عظامه للكسر. الشعب العراقي شعبٌ قويّ، لكن هذه الحرارة كالنار، هل يمكن لأحد أن يعيش في النار؟".


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات