جهاز استشعار من الغرافين يمتاز بقابلية الضبط والحساسية العالية

 إذا تمت هندسته بشكل سليم، يمكن للغرافين أن يُركز الضوء في بقعة دقيقة جداً على سطحه و أن يسمع اهتزازات الجزيئات النانومترية المُلحقة به.

حقوق الصورة: EPFL / Miguel Spuch / Daniel Rodrigo.


تهتم كثير من مجالات البحث بالغرافين (graphene) بسبب خصائصه الاستثنائية. يتكون الغرافين من طبقة واحدة من ذرات الكربون، الأمر الذي يجعله خفيفاً و قوياً، بالإضافة إلى أنه موصل ممتاز للحرارة والكهرباء. 

على الرغم من القدرات المحتملة اللامحدودة للغرافين، إلا أن التطبيقات التي يستخدم فيها تعتبر محدودة جداً. أُضيف مؤخراً تطبيق جديد للغرافين بواسطة علماء من مختبر أنظمة البايونانوفوتونك Bionanophotonic Systems Laboratory، أو اختصاراً: BIOS، التابع للمعهد السويسري الفيدرالي للتكنولوجيا بمدينة لوزان École polytechnique fédérale de Lausanne، أو اختصاراً: EPFL، مع مجموعة باحثين من معهد العلوم الضوئية Institute of Photonic Sciences، أو اختصاراً: ICFO بإسبانيا. لقد تمكن هؤلاء العلماء من تسخير الخصائص الضوئية والإلكترونية المميزة للغرافين لتطوير جهاز استشعار جزيئي ذي حساسية عالية وقابل لإعادة التشكيل. 

وقد عُرضت النتائج التي توصل إليها البحث عبر موضوع نشر في آخر إصدار من مجلة العلم Science. 

تحسين الاستشعار عبر تركيز الضوء:


استخدم الباحثون الغرافين لتحسين طريقة استشعار جزيئي معروفة جداً، تسمى مطياف امتصاص الأشعة تحت الحمراء (infrared absorption spectroscopy). في الشكل القياسي لهذه الطريقة، يُستخدم الضوء لإثارة الجزيئات، فتهتز هذه الجزيئات بشكل مختلف بعضها عن بعض بسبب اختلاف طبيعة كل واحد منها. يمكن تشبيه الأمر بأوتار الجيتار، التي يصدر كل وتر منها صوتاً مختلفاً بسبب اختلاف أطوالها. وهكذا في طريقة مطياف امتصاص الأشعة تحت الحمراء، يُكشف عن وجود وهوية كل جزيء عن طريق الاهتزاز الذي يصدره. ويمكن قراءة هذا "التوقيع" على الضوء المنعكس. 

إلا أن هذه الطريقة غير فعالة في اكتشاف الجزيئات النانومترية (nanometrically-sized molecules). والسبب هو أن الطول الموجي للأشعة تحت الحمراء هو حوالي 6 ميكرون (أي 6,000 نانومتر، وهو ما يعادل 0.006 مليمتر) بينما طول الجزيء النانومتري المراد قياسه هو عدة نانومترات فقط (حوالي 0.000001 مليمتر). ومن الصعب جداً اكتشاف الاهتزاز في الضوء المنعكس في جزيء بهذا الحجم الصغير. 

وعبر هذه العقبة يدخل الغرافين. يمكن للغرافين، إذا تمت هندسته بشكل سليم، أن يركز الضوء في بقعة دقيقة جداً على سطحه، وبالتالي يسمع اهتزاز الجزيئات النانومترية الملحقة به. في هذا الصدد، يقول المؤلف المشارك في البحث، دانيال رودريغو Daniel Rodrigo: "في البدء قمنا بترتيب الهياكل النانوية في الغرافين عبر ضربها بشعاع إلكتروني، ثم خرطها مستخدمين أيونات الأُكسجين. عندما نسلط الضوء، تبدأ الإلكترونات في الهيكل النانوي للغرافين بالتذبذب، هذه الظاهرة تُسمى "رنين البلازمون السطحي الموضعي" (localized surface plasmon resonance). تساهم هذه الظاهرة في تركيز الضوء في بقع صغيرة جداً مقارنة بأبعاد الجزيئات المستهدفة، وبذا يصبح بإمكاننا اكتشاف الهياكل النانومترية".


عبر ذبذبة إلكترونات الغرافين بطرق مختلفة، يمكن قراءة كل اهتزازات الجزيئات الموجودة على سطح الغرافين. حقوق الصورة: Science / EPFL / Miguel Spuch / Daniel Rodrigo.
عبر ذبذبة إلكترونات الغرافين بطرق مختلفة، يمكن قراءة كل اهتزازات الجزيئات الموجودة على سطح الغرافين. حقوق الصورة: Science / EPFL / Miguel Spuch / Daniel Rodrigo.


إعادة تشكيل الغرافين بغرض رؤية هيكل الجزيء: 


هنالك المزيد. فهذه الطريقة تسمح بتعريف وجود الجزيئات النانومترية، بالإضافة إلى أنها تكشف عن طبيعة الروابط بين ذرات الجزيء. 

عندما يهتز الجزيء، فإنه لا ينتج صوتاً من نوع محدد، بل ينتج نطاقاً كاملاً من الاهتزازات. وهذه الاهتزازات تنتج عن الروابط (bonds) بين مختلف الذرات. دعونا نعود لمثال الجيتار: كل وتر يهتز بطريقة مختلفة، لكن اهتزاز كل الأوتار معاً هو ما يعطينا آلة موسيقية. وهذه الفروق الصغيرة تعطينا معلومات عن طبيعة كل رابطة وعن حالة الجزيء ككُلٍّ. تقول أوديت ليماج Odeta Limaj، وهي مؤلف مشارك في الدراسة: "هذه الاهتزازات كبصمة الأصابع، تسمح لنا أن نعرف الجزيء، كالبروتينات، وحتى بإمكانها أن تخبرنا عن الحالة الصحية العامة للجزيء".

في سبيل التقاط الصوت المنبعث عن كل وتر، يجب أن نكون مُلمين بنطاق الترددات بأكمله. يمكن للغرافين القيام بهذا الشيء. لقد ضبط الباحثون الغرافين على عدة ترددات عبر التلاعب بالجهد الكهربائي، وهو أمر لا يمكن القيام به في أجهزة الاستشعار المتاحة حالياً. وبجعل إلكترونات الغرافين تتذبذب بطرق مختلفة، تصبح قراءة كل الترددات في الجزيئات السطحية أمراً ممكناً. في هذا الصدد، تقول هاتيس ألتوج Hatice Altug: "لقد اختبرنا هذه الطريقة في بروتين ألحقناه بالغرافين. وحصلنا على صورة كاملة للجزيء". 


خطوة كبيرة نحو استخدام الغرافين لاستشعار الجزيئات: 


يمكن لهذه الطريقة الجديدة المُعتمِدة على الغرافين أن تفتح آفاقاً واسعة للباحثين. أولاً: لقد أظهرت هذه الطريقة البسيطة أن من الممكن إجراء تحليل معقد باستخدام جهاز واحد فقط، بينما المعتاد هو استخدام عدة أجهزة مختلفة. وكل هذا بدون أي ضغط أو تغيير للعَينة الحيوية قيد الدراسة. ثانياً: أظهرت هذه الطريقة قدرات الغرافين الهائلة في مجال الاستشعار. وكما قالت ألتوج: "هنالك عدة إمكانيات تطبيقية، نحن ركزنا على الجزيئات الحيوية، لكن يمكن تطبيق هذه الطريقة مع البوليمر أو أي مواد أخرى".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التحليل الطيفي (Spectroscopy): التحليل الطيفي ببساطة هو علم قياس شدة الضوء عند الأطوال الموجية المختلفة. وتُسمى المخططات البيانية الممثلة لهذه القياسات بالأطياف (spectra)، وهي المفتاح الرئيسي لكشف تركيب الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية. المصدر: ناسا
  • الامتصاص (absorption): العملية التي يقوم من خلالها الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي آخر بإعطاء طاقته إلى ذرة أو جزيء.
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا
  • الغرافين (graphene): مادّة كربونية ثنائية الأبعاد وذات بنية بلورية سداسية، وتُعدّ أرفع مادّة معروفة على الإطلاق بحيث يُعادل سمكها ذرة كربون واحدة.

اترك تعليقاً () تعليقات