يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
الذوبان العظيم في غرينلاند

المياه الذائبة تملأ شقوقاً بحجم حافلة بالقرب من حافة الغطاء الجليدي في غرينلاند، في حين يُلقي كل من الغبار والطحالب بظلاله على الجليد المجاور .

 

حقوق الصورة: آدام لي ونتر Adam LeWinter/مسح الجليد الشديد Extreme Ice Survey.
 


استطاع العلماء عند التحليق بمروحية فوق جزيرة غرينلاند في يوم مشمس من شهر تموز/يوليو رؤية حكاية تفكك غطاء الجزيرة الجليدي: وجود تصدعات طويلة ومتوازية تقريباً على السطح، متشكلة بفعل المياه والضغط، وبحيرات صعبة التشكل من المياه الذائبة تملأ المنخفضات، وشبكات من الشلالات اللازوردية المتشعبة تجري غرباً، متدفقة نحو حافة الغطاء الجليدي لتخرج في النهاية إلى البحر.

اختار العلماء المحلقين بالمروحية فوق أضخم كتلة ذائبة من الجليد فصل صيف ميمون لدراسة هذا الذوبان. تذوب حواف غطاء غرينلاند الجليدي الذي تبلغ مساحته 1.7 مليون كم مربع بشكل منتظم صيفاً، حتى في سنوات نمو الغطاء الجليدي بالكامل بسبب هطول الثلوج في مركز الجزيرة الأكثر ارتفاعاً وبرودة.

 

أنهار من المياه الذائبة وغلاف من السخام، والغبار، والميكروبات تلقي بظلالها على الجليد وتسرع الذوبان. قد فاق ذوبان السطح الآن تصريف الجبال الجليدية في المحيط والذي يعتبر السبب الرئيسي للخسارة الكتلية  المصدر: ماركو تيديسكو Marco Tedesco /لامونت دوهرتي لمراقبة الأرض Lamont Doherty Earth Observatory
أنهار من المياه الذائبة وغلاف من السخام، والغبار، والميكروبات تلقي بظلالها على الجليد وتسرع الذوبان. قد فاق ذوبان السطح الآن تصريف الجبال الجليدية في المحيط والذي يعتبر السبب الرئيسي للخسارة الكتلية  المصدر: ماركو تيديسكو Marco Tedesco /لامونت دوهرتي لمراقبة الأرض Lamont Doherty Earth Observatory

 

لكن في عام 2016، بدأ الذوبان مبكراً وانتشر سريعاً داخل الأراضي الجليدية. وبحلول شهر نيسان/إبريل، بلغت نسبة الذوبان 12% من مساحة الغطاء الجليدي، بمعدل سنوي للذوبان لا يتجاوز 10% حتى شهر تموز/يونيو. وقبل بدء رحلة العلماء، جرف نهر عنيف من المياه الذائبة، أحد مئات الأنهار المتدفقة خارج الغطاء الجليدي، جهاز استشعار كان مثبتاً على جسر لقياس درجة عكورة المياه. وكانت هذه المرة الثانية خلال أربع سنوات تقع فيها أجهزة الاستشعار ضحية الأنهار الجليدية العنيفة. قال قائد المروحية محدثاً الباحثين: "أقوم بهذه الرحلة منذ سنين، لكن لم أر هذا الكم من المياه الذائبة مطلقاً". 


أثناء تدفق جليد غرينلاند باتجاه البحر، تتشكل شقوق متوازية ضخمة تحت الضغط.  المصدر: آدام لي ونتر. سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي. مركز البحوث والتطوير الهندسي معمل هندسة وأبحاث المناطق الباردة (CRREL)
أثناء تدفق جليد غرينلاند باتجاه البحر، تتشكل شقوق متوازية ضخمة تحت الضغط.  المصدر: آدام لي ونتر. سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي. مركز البحوث والتطوير الهندسي معمل هندسة وأبحاث المناطق الباردة (CRREL)


قد بدأ الذوبان في غرينلاند. إن انحسار الغطاء الجليدي في غرينلاند هو قصة مألوفة، ولكن حتى وقت قريب، حاز الانفصال الجليدي من الأنهار الجليدية الضخمة التي تحمل الجليد من الداخل وتصبه في البحر على معظم الاهتمام. إلا أنه بين عامي 2000 و 2008، تم أخذ مثل هذه التغييرات "الديناميكية" بعين الاعتبار، فبمقدار الخسارة في الكتلة يكون الذوبان الجليدي والتغيرات في هطول الثلج.

 

حفرت المياه الذائبة ثقوباً عميقة تسمى بالطواحين moulins∗، مستكملة رحلتها إلى البحر تحت الجليد. ويعتقد أن التدفقات تحت السطح تؤثر على كيفية تسرب الجليد باتجاه البحر. المصدر: آدام لي ونتر. سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي. مركز البحوث والتطوير الهندسي معمل هندسة وأبحاث المناطق الباردة (CRREL)
حفرت المياه الذائبة ثقوباً عميقة تسمى بالطواحين moulins∗، مستكملة رحلتها إلى البحر تحت الجليد. ويعتقد أن التدفقات تحت السطح تؤثر على كيفية تسرب الجليد باتجاه البحر. المصدر: آدام لي ونتر. سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي. مركز البحوث والتطوير الهندسي معمل هندسة وأبحاث المناطق الباردة (CRREL)

 

لكن هذا الاتزان قد اختل بشكل كبير بين عامي 2011 و 2014، عندما أشارت بيانات الأقمار الصناعية والنماذج إلى أن 70٪ من 269 مليار طن من الثلوج والجليد في غرينلاند سنوياً قد فقدت بفعل ذوبان السطح، وليس بسبب الانفصال الجليدي. إن تسارع ذوبان السطح في غرينلاند ضاعف من مساهمتها في ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم في الأعوام 1992-2011، ليصل إلى 0.74 ملم سنوياً.

 

جمعت عالمة الأحياء الدقيقة ماريان يالوب Marian Yallop عينات من الغبار الدقيق cryoconite∗، وهو مزيج من الجسيمات العالقة في الهواء والميكروبات يوجد في ثقوب بحجم الاصبع على سطح الغطاء الجليدي. المصدر: إيلي كينتيسش Eli Kintisch
جمعت عالمة الأحياء الدقيقة ماريان يالوب Marian Yallop عينات من الغبار الدقيق cryoconite∗، وهو مزيج من الجسيمات العالقة في الهواء والميكروبات يوجد في ثقوب بحجم الاصبع على سطح الغطاء الجليدي. المصدر: إيلي كينتيسش Eli Kintisch

 

قالت العالمة الجيوفيزيائية إزابيلا فيليكوجنا Isabella Velicogna، من جامعة كاليفورنيا University of California في ايرفين: "لا أحد كان يتوقع أن الغطاء الجليدي سيفقد الكثير من الكتلة بهذه السرعة، الأشياء تحدث بشكل أسرع كثيراً مما كنا نتوقع."


مخاريط الغبار الدقيق التي تحفر الجليد، وتكون مليئة بمادة لزجة سوداء تصبح أكثر تركيزاً بمرور كل سنة من الذوبان المصدر: آدام لي ونتر. سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي. مركز البحوث والتطوير الهندسي معمل هندسة وأبحاث المناطق الباردة (CRREL)
مخاريط الغبار الدقيق التي تحفر الجليد، وتكون مليئة بمادة لزجة سوداء تصبح أكثر تركيزاً بمرور كل سنة من الذوبان المصدر: آدام لي ونتر. سلاح الهندسة في الجيش الأمريكي. مركز البحوث والتطوير الهندسي معمل هندسة وأبحاث المناطق الباردة (CRREL)


من الضروري معرفة لماذا قد يتطور الذوبان في المستقبل، وكيفية حصوله، لأن جليد غرينلاند السميك يشكل ما يزيد عن 7 أمتار ارتفاعاً عن مستوى سطح البحر إذا ذاب. إن الجيولوجيون منشغلون تماماً في محاولة تتبع وتوقع الاندفاع في الانفصال الجليدي للأنهار الجليدية. ويسعون الآن جاهدين لفهم الاستجابات المعقدة التي تسرع من ذوبان السطح.


خضاب بنية اللون تلقي بظلالها على طحالب مجهرية تعيش على سطح الغطاء الجليدي. يعتقد أن الخضاب تقوم بحماية الطحالب من الأشعة فوق البنفسجية الشديدة - ولكنها تسرع الذوبان عن طريق امتصاص أشعة الشمس.  المصدر: ماريان يالوب
خضاب بنية اللون تلقي بظلالها على طحالب مجهرية تعيش على سطح الغطاء الجليدي. يعتقد أن الخضاب تقوم بحماية الطحالب من الأشعة فوق البنفسجية الشديدة - ولكنها تسرع الذوبان عن طريق امتصاص أشعة الشمس.  المصدر: ماريان يالوب

 

وعلى الرغم من أن ارتفاع حرارة القطب الشمالي أسرع مرتين من ارتفاع درجات الحرارة في بقية العالم، إلا أن درجات الحرارة العالية وحدها لا يمكن أن تفسر التآكل الشديد للجليد في غرينلاند. يبدو أن فصول الصيف الحارة غير المعتادة هي بسبب الميكروبات والطحالب التي تنمو على نحو متزايد على سطح الغطاء الجليدي الرطب، منتجة الخضاب التي تعزز امتصاص الجليد للطاقة الشمسية. ويبدو أن السخام والغبار اللذان يكسبان الجليد لوناً داكناً والقادمين من المناطق القريبة من خط الاستواء يلعبان أيضاً دوراً، مماثلاً لدور التغيرات في أنماط الطقس التي توجه الهواء الرطب والدافئ فوق الجليد الهش.

لتتبع هذه المجموعة المعقدة من العوامل، استخدم العلماء أدوات الأقمار الصناعية مثل: أجهزة تصوير لمراقبة اللون والانعكاسية، أو البياض albedo للجليد، وأجهزة قياس الارتفاع لقياس مقدار التآكل بالملليمتر. وينظمون أيضاً بعثات مثل بلاك أند بلوم Black and Bloom، التي تضمنت خبراء في مجال الطحالب (البلوم) والسخام (البلاك)، والجدير بالذكر أن بعضهم لم يعمل من قبل في منطقة القطب الشمالي.

 

ويأملون عن طريق فحص تغيرات الغطاء الجليدي عن قرب فهم كيف تتحد العمليات البيولوجية والفيزيائية لتحطيمه. وكما قال قائد فريق البحث مارتن ترانتر Marten Tranter عالم الجيوكيمياء الحيوية من جامعة بريستول University of Bristol في المملكة المتحدة: "يقودنا الفضول، ولكن أيضاً الخوف من أن جميع هذه الأحياء الجديدة قد تسرّع من وتيرة ارتفاع مستوى سطح البحر."

بعد ساعة من إقلاع المروحية من مدرج الطائرات على بعد 90 كيلومتراً من الطرف الغربي للغطاء الجليدي، هبطت المروحية على ثلج مفتت وجاف ومسطح. وكان السطوع مبهراً، مما جعل ارتداء النظارات الشمسية أمراً ضرورياً. ولكن عندما أخذ جوي كوك Joe Cook من جامعة شيفيلد University of Sheffield في المملكة المتحدة قراءات الضوء بواسطة جهاز استشعار متصل بحاسوب محمول صغير، ظهرت النتائج على أن الثلوج ليست بيضاء كما تبدو. إنها تمتص قليلاً من الضوء المرئي الذي يجب أن تعكسه، وتمتص كمية أكبر من موجات الأشعة تحت الحمراء.

 

ويوضح كوك أن اكتساب اللون الداكن هو نتيجة الاستجابة الناجمة عن الذوبان الذي وثقه علماء المناطق القطبية لفترات طويلة: عند الذوبان وإعادة التجمد، تفقد بلورات الثلج شكلها ذو النهايات المدببة وتنمو بشكل أكبر وأكثر استدارة، بالتالي تقل انعكاسية الثلج بنسبة تصل إلى 10٪. وبارتفاع الامتصاص، وكذلك درجات الحرارة يتسارع الذوبان.

اكتملت قياسات الباحثين، وحزم الفريق أغراضه إلى الطائرة ليعود غرباً إلى حافة الكتلة الجليدية. وفي المحطة الثانية كان قد توقف هطول الثلوج، وكان الجليد المكشوف فيها أكثر وعورة ورطوبة من المحطة الأولى. وهو أيضاً قذر وداكن اللون على نحو متزايد. وتظهر بيانات الأقمار الصناعية أن اللون الداكن لحواف الغطاء الجليدي يزيد بنسبة 5٪ كل عشر سنوات منذ عام 2001.

 

وهذا هو السبب في وصولنا إلى هذا المكان، والذي أطلق عليه البعض اسم منطقة "الجليد المظلم". وكشفت المعاينة السابقة عن عدة مسببات، منها تركز الغبار العالق على مرّ القرون على الحافة الذائبة للغطاء الجليدي. ويساهم كذلك السخام القادم من المصانع الأوروبية وحرائق الغابات الكندية جنباً إلى جنب مع تكون بقع منتشرة بشكل متزايد من الجليد المكشوف.


مخاريط غبار دقيق قطرها بقطر الاصبع تحتوي على مادة لزجة ميكروبية تسرع الذوبان  حقوق الصورة: آدم لي ونتر
مخاريط غبار دقيق قطرها بقطر الاصبع تحتوي على مادة لزجة ميكروبية تسرع الذوبان  حقوق الصورة: آدم لي ونتر


يتعين على الباحثين الآن تحديد المساهمة النسبية لكل مسبب لظاهرة اللون الداكن، ولكن هناك مسبب ثالث يمكن أن يكون له الدور الأكبر: انتشار الطحالب والبكتيريا. إن سطح الجليد هنا يحتوي على ثقوب واسعة بما يكفي لدخول اصبع الباحث فيها. جميع هذه الثقوب مليئة بالمياه الذائبة الصافية كالبلور، ولكن هناك القليل من حمأة سوداء تجعل القيعان داكنة.

 

الكثير من الحمأة المعروفة بإسم الغبار الدقيق - هي عبارة عن بكتيريا حية، كما اقترح المستكشف الفنلندي-السويدي نيلز إيه. إي نوردينسكيلد Nails A.E Nordenskiöld قبل نحو 150 عاماً. وتعيش هذه البكتيريا بفضل تأثير استجابة أخرى: حيث تساعد الطاقة الشمسية التي حصل عليها الغبار الدقيق الداكن في الحفاظ على الماء من التجمد وفي جعل المخروط أكثر عمقاً. كما أنها تخلق بيئة مواتية لنمو مزيد من البكتيريا، تغذي استمرارية الذوبان.

في عام 2010، عثرت عالمة الأحياء الدقيقة ماريان يالوب في بريستول على المزيد من الحياة على حواف الجليد: مجتمع متنامي من الطحالب التي تمتد إلى ما بعد المخاريط. وتقول يالوب التي تشارك في حملة هذا العام: "لإدهاش الجميع، وجدنا هذه الطحالب التي تنمو في هذا البرد القارس، في ظل ظروف إضاءة فوق بنفسجية عالية، تتحمل دورات الذوبان العادية". وتعمل الخضاب البنية اللون التي تقي النباتات من الشمس على صبغ مساحات شاسعة من الجليد وجعلها داكنة.

 

المصدر: في. ألتونيان V. Altounian/مجلة العلوم الأسبوعية الدولية Science
المصدر: في. ألتونيان V. Altounian/مجلة العلوم الأسبوعية الدولية Science


تعمل ثلاثة عوامل هي - ذوبان الثلوج المبكر، وظهور الشمس لمدة 24 ساعة، والماء السائل غير العادي على انتشار الطحالب والبكتيريا، وفقاً لافتراض بحث الجيولوجي أندرو تيدستون Andrew Tedstone من بريستول. ويمكن لفكرة تيدستون أن تفسر لماذا خلال مواسم الصيف الحار في الأعوام 2010، 2012، و 2016 أصبح لون سطح منطقة الجليد داكناً أكثر، بينما في الصيف الأكثر برودة من عام 2015، تغير اللون قليلاً.

 

فإن كان تيدسون على حق، فهناك مؤثر آخر يدمر الجليد: يؤدي الذوبان إلى تشكل الماء السائل، مما يعزز وجود الأحياء النباتية والجرثومية، والتي بدورها تجعل الجليد داكناً وتؤدي إلى زيادة الذوبان.

قام فريق بلاك أند بلوم من على سطح الجليد، بأخذ عينات من النظام البيئي المتنامي وضخوا الهواء إلى داخل عينات الهباء الجوي. ويأمل الفريق في قياس تأثير الاستجابة والتحقق من إمكانية مساعدة المواد الغذائية في الجزيئات التي تحملها الرياح على تغذية نمو الطحالب.

في محطة أخذ العينات الثالثة الواقعة على بعد 80 كيلومتراً غرب المحطة الأولى، تتضح قدرة الطحالب على إذابة الجليد بشكل مدمر. ولا يقتصر الأمر على اختفاء ثلوج فصل الشتاء، ولكن يشمل الأمر أيضاً عدة أمتار من الجليد الأساسي. إن ما تبقى من غرينلاند بعيد كل البعد عن الصورة الخيالية لدى معظم الناس عنها.

 

ويقول عالم الغلاف الجوي جيم ماكويد Jim McQuaid من جامعة ليدز University of Leeds في المملكة المتحدة: "يعتقد الناس أن الغطاء الجليدي في غرينلاند نظيف جداً وجميل". لكن المشهد في حالة فوضى: اندمجت مخاريط الغبار الدقيق في برك وأحواض كريهة، في حين يتدفق نهر قوي، على بعد بضعة أمتار بشكل مستعرض، عبر الأراضي الجليدية القذرة. جمع الباحثون بحماس الثلوج بُنّية اللون في أكياس بلاستيكية. وسيقومون لاحقاً بتحليل العينات فيما يتعلق بالأحماض النووية وعلامات أخرى لتحديد أنواع الطحالب وكذلك الملوثات غير العضوية.

وعلى بعد 20 كيلومتراً تقريباً من محطة أخذ العينات النهائية، يقع حقل التجارب الذي راقبه باحثو "بلاك أند بلوم" لمدة 5 أسابيع في الصيف الماضي. كان هدفهم التأكد من قياسات الأقمار الصناعية من على الأرض فيما يتعلق باللون الداكن، والقياس الكمي لكل من العوامل المسببة للون الداكن وتأثيرها على الذوبان.

 

وأطلق الباحثون على مخطط دراستهم "بكسل pixel"، وذلك يعود لتوافق مخططهم عند 500 متر عرضاً مع الدقة القصوى لجهاز استشعار وكالة ناسا الفضائية الذي يرسم خرائط لونية لغرينلاند كل يوم. وقام الفريق باستخدام رحلات الطائرات بدون طيار، وأخذ العينات بانتظام، واعتمدوا على سلسلة من الأقطاب المرجعية لتتبع كيفية تطور سبعة أنواع مختلفة من المواطن المجهرية - من بينها التيارات، الجليد العاري، والثلوج الذائبة- فيما يتعلق بظاهرة البياض، وتشكيل الغبار الدقيق، والنشاط البيولوجي. ويأمل أعضاء الفريق أن النتائج ستجعل من الممكن في نهاية المطاف استخدام بيانات الأقمار الصناعية للاستدلال على ظروف الذوبان المحلية عبر الغطاء الجليدي كاملاً.

 

الغطاء الجليدي في تراجع يقدر العلماء الخسارة في الجليد من الغطاء الجليدي في غرينلاند منذ عام 1900 باستخدام البيانات من الأقمار الصناعية، وأجهزة استشعار التدفق، ومن سطح الجليد ويقومون بنمذجتها. 
الغطاء الجليدي في تراجع يقدر العلماء الخسارة في الجليد من الغطاء الجليدي في غرينلاند منذ عام 1900 باستخدام البيانات من الأقمار الصناعية، وأجهزة استشعار التدفق، ومن سطح الجليد ويقومون بنمذجتها. 


ظاهرة البياض ليست كل شيء. حصل في صيف عام 2012 ذوبان هائل في غرينلاند؛ بحلول 12 تموز/يوليو من ذلك العام، تم تغطية الغطاء الجليدي بالماء السائل بنسبة 98٪، وفقاً لبيانات الأقمار الصناعية. في إحدى محطات الرصد الجوي، ذابت طبقة من الجليد سمكها متر في غضون 4 أيام. وساهمت تلك الحادثة القصيرة واليومين التاليين من الذوبان بفقدان 14٪ من مقدار خسارة الجليد في ذلك الموسم.

ولكن دراسة المحاكاة التي نُشرت مؤخراً عن الذوبان في عام 2012 أظهرت أن أشعة الشمس الساقطة على الثلج الداكن لم تكن السبب وراء ذوبان الثلوج- في الواقع، كانت السماء غائمة إلى حد ما على جزء كبير من الجزيرة خلال اليومين. وبدلاً من ذلك، أبقت درجة الحرارة الدافئة وهطول الأمطار، الناتجين من أنظمة الضغط العالي "المانعة" على الطقس المعتدل في المكان.

 

ويقول ديرك فان Dirk van من هيئة المساحة الجيولوجية للدنمارك وغرينلاند في كوبنهاغن: "بزيادة درجة حرارة المنطقة القطبية الشمالية، من المرجح حدوث مثل حوادث الذوبان هذه بوتيرة أكثر في المستقبل." وفي وقت سابق من هذا العام، نشر عالم المناخ ماركو تيديسكو من جامعة كولومبيا البيانات الداعمة للاقتراح القائل أن تراجع جليد البحر القطبي الشمالي قد عطل التيار النفاث القطبي، مما تسبب في التفاف أنظمة الطقس ببطء أكثر من الغرب إلى الشرق.

وتلعب تضاريس الغطاء الجليدي أيضاً دوراً في تسارع الذوبان. كل زيادة في درجة الحرارة تحرك الحافة العلوية من منطقة الذوبان بعيداً نحو الداخل وإلى أعلى الغطاء الجليدي. ولأن الغطاء الجليدي حاد عند الحواف ومسطح باتجاه الوسط، فإن كل درجة من الدرجات المتتالية من ارتفاع درجة الحرارة تعرض مساحة أكبر من الجليد إلى الذوبان.

 

هذه الاستجابة غير الخطية لظاهرة الاحتباس الحراري تعني أن المياه الذائبة الناتجة من الغطاء الجليدي خلال العقد الماضي كانت أكثر بحوالي 60% مما كان عليه الحال لو كان المنحدر الجليدي منتظم، حسب تقديرات العلماء في ورقة بحثية صدرت حديثاً.

ويأمل الباحثون في دمج جميع هذه العوامل في نماذج حاسوبية خاصة بالأغطية الجليدية، التي ما زالت تكافح لمحاكاة كيفية استجابة الأغطية الجليدية الحقيقة لتغير المناخ. في عملية مقارنة حديثة لأربعة نماذج جليدية، على سبيل المثال، تتفاوت كمية المياه الذائبة الناتجة في ظل الظروف الحالية بنسبة تتجاوز 40٪. وتظهر التوقعات المستقبلية لسلوك الغطاء الجليدي أكثر غموضاً: في ظل ظروف مماثلة من سيناريو الاحترار العالمي المرتفع، توقعت ثمانية نماذج من الغطاء الجليدي زيادة مستوى سطح البحر بما يتراوح من 0 إلى 27 سم في عام 2100 بسبب ذوبان غرينلاند.

إن النماذج الأفضل للذوبان سوف تحسن التنبؤات ليس فقط بالنسبة لغرينلاند، ولكن أيضاً للغطاء الجليدي في القطب الجنوبي. فهو يحتوي على مياه أكثر بعشر أضعاف المياه في غرينلاند، وإلى الآن قد خسر تقريباً كل الجليد بسبب الانفصال الجليدي، وليس بفعل ذوبان السطح. ولكن عاجلاً أم آجلاً سوف يصل الذوبان إلى الجزء السفلي من العالم

 

وفي هذه الأثناء، يرغب مصممو النماذج بعد عودتهم إلى مكاتبهم المريحة معرفة المزيد من الاستجابات التي تؤدي إلى تدهور غرينلاند. السؤال المفتاحي هو كيف تؤثر المياه الذائبة التي تسربت إلى قاعدة الغطاء الجليدي على خط سير الأنهار الجليدية نحو المحيط، وعلى معدل اسقاطها للجبال الجليدية.

 

ويتساءل الباحثون أيضاً عن كيفية تأثير تدفقات المياه الذائبة في فصل الربيع على جريان المياه خلال الصيف. لقد اكتشف العلماء مؤخراً أنه خلال دورات الذوبان والتجمد في فصل الربيع، تشكلت "عدسات من الجليد ice lenses" هائلة، بسمك 6 أمتار من سطح الجليد. وتشير البيانات من أجهزة الاستشعار في الثلج أن العدسات تمنع المياه الذائبة صيفاً من المرور إلى عمق أكبر، أي إلى الثلوج القديمة والمعروفة باسم الثلج الحبيبي firn.

 

وبدلاً من ذلك، يتم حجز المياه الذائبة بوضوح بالقرب من السطح، وهذا بالتالي يؤدي إلى زيادة تدفقها خلال فصل الصيف. وسيشارك تيديسكو في فصل الربيع المقبل في رحلة شاقة من 150 كم بواسطة عربات الثلج في جنوب شرق غرينلاند، حيث تقارب درجات الحرارة -30 مئوية، لمعرفة مدى انتشار هذه الظاهرة. ويقول تيدسيكو: "سوف تكون رحلة قاسية جداً، ولكن ليس هناك طريقة أخرى للحصول على البيانات".

 

يُلقي الذوبان بتحديات أخرى على البحوث الميدانية، كما اكتشف باحثو بلاك أند بلوم في العام الماضي عندما تعقبوا مخططهم "بكسل" لدراسة تآكل الجليد. واجه الباحثون ثلوج ذائبة وبرك لانهائية، وعملاً روتينياً أسبوعياً في نقل عملهم وأماكن نومهم عند اختفاء الجليد من حولهم، تاركين خيمهم عالقة على ركائز غريبة ترتفع نصف متر. ولكنهم تساءلوا أيضاً عن تحول الأراضي الجليدية، حيث يقول ماكويد: "في كل مساء نتعجب من انخفاض مستوى الشمس، ونتمتع في حقيقة أننا في مكان لم يسبقنا عليه أحد، ولن تتكرر هذه اللحظة، بسبب الذوبان".


ملاحظات


[1] Cryoconite: غبار دقيق تثيره الرياح يتكون من جسيمات صخرية صغيرة، وسخام، وميكروبات، ويتراكم على الثلوج، والأنهار الجليدية، والقمم الجليدية. إن اللون الداكن والناتج خاصة من السخام، يمتص الإشعاع الشمسي مما يؤدي إلى ذوبان الثلج أو الجليد، وتشكيل أحياناً حفرة يتجمع فيها الغبار الدقيق.


[2] moulins: طاحونة (بالفرنسية): حفرة ضيقة، وأنبوبية، ناتجة في الجليد تدخلها المياه من السطح لتنتقل إلى الأسفل.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات