تحذير من ارتفاع مستوى البحر من ستة إلى تسعة أمتار مع مرور الوقت

تشير الأدلة إلى أنّ صفائح الجليد القارّي حسّاسة للارتفاعات الطفيفة في حرارة المحيط، مما سيؤدي إلى ارتفاع معدل المياه على مرّ القرون. يستجيب مستوى سطح البحر مباشرةً لدرجات الحرارة العالمية، من خلال الجليد الذائب وانتشار المياه وامتدادها بعد أن تذوب.

حقوق الصورة: .Mario Tama/Getty Images


درجات حرارة سطح البحر مشابهة بشكل ملحوظ لتلك التي كانت خلال الفترة بين الجليدية الأخيرة، عندما كان معدل المياه مرتفعًا من ستة إلى تسعة أمتار فوق الارتفاع الحالي، وفقًا لأحد الأبحاث.

توفر الاكتشافات دليلًا قويًا على أنّ غرينلاند والصفائح الثلجية بالقارة القطبية الجنوبية حساسّة كثيرا للارتفاع الطفيف الذي يحدث لدرجة حرارة المياه المحيطية، مما يؤدي إلى ارتفاع مستمر في مستوى سطح المياه على مرّ القرون.

توصلت بحوث سابقة إلى أنّ مستوى سطح البحر قد وصل إلى ارتفاع 7 أمتار في الفترة بين الجليدية الأخيرة، بين 129,000 و116,000 عام مضت، ولكن حتى الآن، لا تزال الكيفية التي اختلفت فيها درجات حرارة المياه خلال الفترة السابقة ضبابيّة قليلًا. في بحثٍ أجري مؤخرًا، بالاعتماد على بيانات الرواسب الأساسية البحرية المأخوذة من 83 موقعًا، يلخّص البحث أنّ درجات حرارة مياه البحر في نهاية الفترة مابين الجليدية السابقة كانت مساوية للدرجات الآن.

يقول روب ديكونتو Rob Deconto، عالم المناخٍ في جامعة ماساشوستس في أمهيرست، الذي لم يشارك في البحث: "هذا يخبرنا أنّ الصفائح الجليدية الكبيرة حسّاسةٌ جدًا لأقل قدرٍ من الدفء، ولابد من اعتبار هذا رسالةً مهمّة".

خلال الفترة ما بين الجليدية السابقة LIG، أصبح مناخ الأرض أكثر دفئًا تبعًا للتغير الذي حصل في ميل الكوكب، وبدوره أدّى إلى درجات حرارة وسطية حوالي 2 درجة سيلسيوس أدفأ من درجات الحرارة اليوم. وجد فرس البحر في أقصى الشمال من نهر التايمز ووصلت الغابات إلى الدائرة القطبية الشمالية. يشير العلماء إلى هذه الفترة على أنها دليل مهم للآلية التي تستجيب فيها محيطات الأرض وغلافها الجوي لمسار الحرارة في المستقبل.

نشرت هذه الدراسة في مجلة Science، وقارنت بين بياناتٍ جمعت من رواسب بحرية مأخوذة من 83 موقعًا مع بيانات تعود لأعوام ما قبل الثورة الصناعية ما بين 1870-1889، وما بين 1995-2014. سجلات بيانات كل من درجات الحرارة للمستويات المحلية ولمستويات سطح البحر العالمية محفوظة في طبقاتٍ من الرواسب، كما أنّ العوالق البحرية التي تتغذى على السطح تعد ترمومترا طبيعيا، فنسبة الماغنيسيوم إلى الكالسيوم المتكدسة في قشورها تعتمد على درجة حرارة المياه.

وتعمل أنواع أخرى من العوالق كمقياس لامتداد الصفائح الجليدية في المحيط. فنسبة صيغتين مختلفتين من الأكسجين (O16 وO18) مختلفة في الصفائح الجليدية ومياه البحر، ومن خلال تتبع هذه النسب في العوالق، يمكن للعلماء معرفة كمية الجليد التي كانت موجودة في وقت ما.

يذكر التحليل أنه في بداية الفترة مابين الجليدية السابقة قبل 129,000 عام، كانت درجات حرارة المحيط مساوية للدرجات التي كانت بين عامي 1870-1889م، وبعد 125,000 عامٍ، ازدادت هذه الدرجات بمعدل 0.5 درجة سيلزيوس، لتصل إلى درجة لا يمكن تمييزها عن درجة الحرارة بين عامي 1995-2014م. تستجيب مستويات سطح المياه مباشرة لدرجات الحرارة العالمية، من خلال الصفائح الجليدية الذائبة وازدياد منسوب المياه، وعلى العموم تحدث هذه العملية ببطءٍ شديد، لذلك تحتاج هذه العملية إلى مئات آلاف السنين حتى تظهر بوضوح في المستقبل.

يقول البروفيسور أندرو واتسون Andrew Watson، وهو عالم مناخ من جامعة إكستر: "الخبر الجيد أنّ الازدياد سيحدث ببطء، مما يمنحنا وقتا للتكيف، ولكن الخبر السيء هو أنّ المدن الساحلية ستغمرها المياه في النهاية لا محالة".

وفقًا لجيريمي هوفمان Jeremy Hoffman، وهو أيضًا عالم مناخٍ من المتحف العلمي في فيرجينيا، والكاتب الرئيسيّ للورقة العلمية، إنّ الشيء المجهول هو المعدل الذي سيذوب به الجليد في المستقبل، والاكتشافات الأخيرة لا تعطي إجابة دقيقة على هذا السؤال. خلال الفترة مابين الجليدية السابقة، ظهر الاحتباس الحراريّ على مدى أكثر من 10.000 عام مضت، مما يعني أنّ التغيرات التي تحدث لصفائح الجليد يمكن أن تحدث بالتوازي، واتجاه الحرارة الحالي قد ظهر قبل عدة عقود، وليس واضحا المدى الذي سيتباطأ فيه ذوبان الجليد.

تقدر الأمم المتحدة أنّ منسوب المياه سيرتفع مابين 13سم و68 سم بحلول عام 2050م، وورقة علمية رفيعة الشأن من مجموعة ديكونتو توقّعت أنّ المنسوب سيزداد بمعدّل مترين بانتهاء هذا القرن. لويس سايم Louise Sime، رئيس قسم الأبحاث لدراسة المناخ القديم في مركز بريطانيا لمسح القطب الجنوبي، يقول عن هذا الأمر: "من الصعب تحديد معدل ذوبان الصفائح الجليدية، والتوقعات ما بين 200 إلى 7000 عام".

تكشف الورقة العلمية أيضًا عن عجزٍ واضح ونقص في النماذج المناخية، والتي فشلت في تكرار احترار المحيطات الملاحظ في قلب العينات الجوفية الرسوبية إذا ما طُبِّق على هذه الفترة. يضيف هوفمان: "توضح هذه الصورة الدقيقة أنّ تجارب النمذجة لا تخلق احترارا كافيا خلال الفترة ما بين الجليدية السابقة".

يقترح أحد التفسيرات المطروحة، أنّ هذه النماذج تستخف بآليات التغذية المرتدة في نظام الأرض، كتخفيض ضوء الشمس الذي ينعكس مرة أخرى بعد ذوبان الثلوج، وهذا يؤدي بدوره إلى التقليل من أهمية تسارع ارتفاع درجة حرارة المحيطات.

يختم هوفمان حديثه: "نعتقد أنّ هناك عملية أو مرحلة ما تفوتنا ولم نستطع معرفتها حتى الآن، قد يكون ذلك الأمر المفقود هو مرحلة ما من تاريخ الأرض، وإذا كان ذلك صحيحًا، فما الذي يفوتنا إذًا من المشاريع المستقبلية؟"

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات