كيف يمكن للكون المتوسع إنشاء أكوانٍ متعددة؟

حقوق الصورة: Robert Daly/Getty


من الأفكار الدائمة التفضيل في أدبيات الخيال العلمي هي العوالم الأخرى، أو الأكوان الأخرى التي تقبع ما وراء حدود الكون المعروف، أو لعلها على بعد نقرة زرٍ من جهازٍ سحري ينقلك إليها. ولربما كانت تلك العوالم الأخرى مماثلةً لعالمنا، غير أن لها تاريخًا مختلفًا. ولربما أيضًا كانت متباينةً مع كوننا أشد التباين فتعج بأنواعٍ من الحياة الغريبة والرائعة التي لا نألفها. ولعلها تكون مختلفةً حتى أن أبسط قوانين الفيزياء لا تنطبق عليها.


من الواضح أني أتحدث عن الأكوان المتعددة، أي إمكانية أن يكون هناك أكوانٌ أخرى مستقلة عن كوننا في مكانٍ ما هناك.


لكن السؤال، هل هي موجودة؟


نفخ الفقاعات



انبثقت فكرة الأكوان المتعددة في عدة مجالات مختلفة من العلوم والفلسفة بل وحتى الدين. ففي الفيزياء وحدها تأتي احتمالية وجود عوالم أخرى من ميكانيك الكم، وبالأخص تفسير العوالم المتعددة لميكانيك الكم الذي يَعتبر أن كل نتيجةٍ عشوائيةٍ في تفاعلٍ ما تتفرع إلى كونٍ جديد تتحقق فيه النتيجة، وكذلك نظرية الأوتار التي تعطي فيها التكوينات المختلفة للأبعاد الضئيلة الإضافية المنطوية فيزياءَ مختلفةً عن تلك التي نألفها في كوننا.


من الممتع الحديث عن هذه الأفكار، لكن لعلَّ الطريق الأكثر إغواءً لنصل إلى العوالم المتعددة هو من خلال فهم اللحظات الأُوَل من حياة الكون نفسه، أي فترة التضخم inflation.


بحسب فهمنا، فإن الكون المبكر عانى في الفترة الأولى من حياته من توسعٍ كبيرٍ وسريع، ونسمي هذه الفترة بالتضخم. وضع العلماء نظريةً تنص على أن ذلك العهد كان يسوده حقلٌ كمومي غريب واستثنائي - فقاعة من الطاقة المتراصة في فراغ الزمكان نفسه - وهو ما كاد يمزق الكون أثناء توسعه. لكن سُرعان ما فقد ذلك الحقل حيويته وقدرته فتحلل إلى سربٍ من الجسيمات التي تملأ أرجاء الكون اليوم.


وأثناء تلك المرحلة كان لدى الأكوان المتعددة الفرصة للظهور. فلنتخيل الكون الذي يسوده التضخم وكأنه رغيف خبزٍ ينتفخ في مرحلة النضج في الفرن. وقد يتبادر للذهن أثناء قراءة القصة التي أرويها أن التضخم قد جرى بانتظامٍ في أرجاء الكون كافةً، كما لو أن رغيف الخبز ينتفخ ويتوقف عن الانتفاخ في جميع أجزاء الرغيف في اللحظة عينها.


لكن، وأيًا ما كان الذي أدى إلى انطلاق التضخم، فلن يكون إلا حقلًا كموميًا، ما يعني أنه لن يكون بوسعنا افتراض أن الأمور جرت ببساطة. فبعض المناطق من الحقل الكمومي لا بد وأنها كانت تحمل طاقةً بقدرٍ أكبر من غيرها، في حين كانت غيرها من المناطق أهدأ وأقل طاقة، ولم يكون تحديد توزع هذه المناطق إلا عشوائيًا. وهذه تمامًا طبيعة العالم الكمومي المتسم بالعشوائية.


لهذا فإن رغيف الخبر لن يكون منتظمًا متجانسًا، إذ قد تتوقف بعض أجزاءه عن الانتفاخ، ما يجعلها منضغطةً ومعزولةً عن غيرها، في حين أن المناطق أخرى ستتابع انتفاخها. وباعتبار أنه ستكون هناك دائمًا مناطق أسرع في الانتفاخ من المتوسط، يمكنك تخيل أن الرغيف برمته يتنتفخ ويتضخم إلى الأبد، مع وجود بعض الجيوب والانخماصات هنا وهناك بحيث تنفصل عشوائياً.

 

تشكل كل واحدةٍ من تلك الانخماصات كونًا فريدًا، تمامًا مثلما تكون الفقاعة الواحدة في نظرية الأكوان المتعددة. وتُحدد تفاصيل نهاية مرحلة التضخم مجموعةً من الخصائص الفيزيائية الهامة مثل شدة القوى في الطبيعة وكتل الجسيمات، ذلك أن هذه الخصائص تختلف باختلاف نموذج التضخم المعتمد. نحن نتحدث عن أشياء مثل كتلة الإلكترون وعدد انواع الجسيمات الأولية في الطبيعة، وهي أمورٌ هامةٌ بحق.


وبما أن كل كونٍ ناتجٍ عن فقاعةٍ أو انخماصٍ يكون قد أنهى مرحلة التضخم بطريقةٍ مختلفة عن الآخر، فإن كلًا من هذه الأكوان سيكون له قوانينه الفيزيائية الخاصة.


إجاباتٌ متقاطعة



بما أن رغيف الخبز سيبقى في حالة انتفاخ، حيث أن مناطق منه دائمًا ما يكون لها معدل انتفاخ أعلى من المتوسط، فسرعان ما ندرك أن قدرًا من الأكوان ستنبثق هنا وهناك، ما يعني وجود الأكوان المتعددة. ومن حيث المبدأ فإن كل كونٍ منغلقٌ ومنفصلٌ عن الآخر، ولكن توجد بعض الحالات التي يحدث فيها تفاعلٌ ما بين الأكوان.


فلو أنّ كونين انفصلا أحدهما بعد فترة قصيرة نسبياً عن الآخر، وكانا قريبين من بعضهما البعض، لأمكن أن يكون بينهما جزء مشترك يتقاطعان عنده قبل أن يتضخما ويبتعدان عن بعضهما البعض إلى أبد الآبدين. ولو حصل ذلك التقاطع لترك له أثرًا في إشعاع الخلفية الميكروي الكوني لتلك الأكوان، الذي هو أشبه ما يكون بالمستحاثات أو الأحافير للضوء عندما كان الكون في مرحلة طفولته ويبلغ من العمر 380 ألف سنة فقط.


لنتخيل فقاعتين من الصابون وهما تتماسان وتحتكان مع بعضهما. سيترك هذه الاحتكاك أثرًا أو دمغةً على شكل دوائر غريبةً في سماء ذلك الكون، حيث أن الغرابة هنا مرتبطةٌ بنوع الكون الذي يمكن أن نتقاطع معه. وبطبيعة الحال فإننا لم نجد أي أثرٍ لمثل هذه الأكوان المتعددة.


وبدون الأدلة المباشرة لا يمكننا الحكم على فكرة الأكوان المتعددة الناجمة عن التضخم، وتحديد جدواها. فمن الممكن أن تكون نتيجةً عامةً وشاملةً لجميع نظريات التضخم، لهذا لو أمكننا العثور على دليلٍ أقوى عن التضخم، لربما أمكننا أيضًا تأكيد وجود الأكوان المتعددة. لكن وحتى الآن فإننا ما نزال لا نفهم آليات التضخم فهمًا جيدًا، وهذا لا يعوَّل عليه.


سؤال آخر لنتأمله. لو أننا عدلنا قوانين الفيزياء في الكون الذي نحيا فيه، ولو بقدرٍ ضئيلٍ من التغيير، لاستحالت فيه الحياة كما نعرفها. فلماذا نجد أنفسنا في هذا الكون المميز، حيث نوع الحياة الذي نحن منه يمكنه النجاة؟ هل هو بسبب جميع الفقاقيع في الأكوان المتعدد، حيث نحن في واحدٍ من الأكوان القليلة التي يمكن أن ينبثق فيها الذكاء؟ أم لعل الجواب هو أمرٌ أعمق؟ هل هو أصلًا أحد الأسئلة التي يُطالب العلم بالإجابة عنها؟


ربما يمتلك كونٍ آخر الاجابة على جميع هذه الأسئلة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات